لليوم السابع على التوالي تعم مظاهرات الاحتجاج عشرات المدن الأمريكية احتجاجاً على وفاة المواطن الأفرو ــ أمريكي جورج لويد الذي قضى خنقاً بعد أن داس على رقبته ضابط شرطة في مدينة مينيابوليس، رغم أنه كان لا يحمل أي سلاح وظل يواصل الاستغاثة وتنبيه الشرطي إلى أنه لم يعد قادراً على التنفس. وقد أشعل مقطع الفيديو الذي يصور الواقعة موجات غضب عارم في المدينة، سرعان ما انتقلت إلى أماكن أخرى في طول البلاد وعرضها، كما شهدت شوارع لندن وبرلين وتورنتو تظاهرات تضامن موازية.
وحتى الساعة كانت أكثر من 20 ولاية وقرابة 40 مدينة أمريكية قد فرضت حظر التجوال، كما جرى نشر الآلاف من أفراد الحرس الوطني بعد أن باتت عناصر الشرطة عاجزة عن ضبط انتشار التظاهرات. وكانت استعادة مشهد خنق الضحية، وكذلك مظاهر الخشونة الواضحة في تعامل عناصر الأمن مع المتظاهرين الذين تزايدت أعدادهم باضطراد، قد تكفلت بصب الزيت على نيران الغضب في الشوارع، فكان طبيعياً أن تتخلل تظاهرات الاحتجاج السلمية أعمال شغب ونهب وتخريب ليست ناجمة عن تصاعد الاحتقان والتوتر فقط، بل هي تعكس أيضاً حال العوز والفقر التي تعصف بالملايين في أمريكا المعاصرة.
وإذ لا يصح أخلاقياً إلصاق تهمة العنصرية بالغالبية الساحقة من رجال الشرطة البيض في مختلف الولايات الأمريكية، فإن من الواجب الإشارة إلى أن سجل الضابط القاتل ديريك شوفين حافل بـ17 شكوى مقدمة ضده، تم طي 16 منها وبقيت واحدة لم تسفر إلا عن توجيه رسالة توبيخ، وهذا بالطبع يعكس مقدار تهاون إدارة الشرطة مع مسلكية هذا الشرطي وأمثاله. كذلك فإن واقعة وفاة لويد أثناء توقيفه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في تاريخ طويل من التحيز ضدّ المواطنين السود تحديداً، والأرجح أنها لن تسفر عن تدابير إصلاحية جذرية تكفل عدم تكرار المأساة في شوارع مدن أمريكية أخرى. وليس بلا دلالة عميقة أن القضاء لم يوجه إلى شوفين إلا تهمتَي القتل من الدرجة الثالثة والقتل غير العمد من الدرجة الثانية، وهما لا تكفيان لاستخلاص علاقة بين الفعل والقصد أمام هيئة محلفين.
وفي غضون اشتعال أمريكا طولاً وعرضاً مارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما يستهوي ممارسته في ظروف حرجة مثل هذه، أي مقاربة المأساة لا كما يليق برئيس يتوجب أن يحتضن عذابات شعبه ويسعى إلى لملمة الجراح وتوحيد الصفوف، بل كزعيم شعبوي حريص على حشد أنصاره من العنصريين والانعزاليين والمؤمنين بالتفوق العرقي الأبيض. وكانت سابقة حقاً إنذاره المتظاهرين بأنهم إذا اقتربوا من البيت الأبيض فسوف «ترحب بهم الكلاب الأكثر شراسة والأسلحة الأكثر رعباً». كما لم يفوّت الفرصة للتعريض بخصومه «الليبراليين» من حكام الولايات ورؤساء البلديات، وتصفية حسابات قديمة مع منظمة «أنتيفا» المعادية للفاشية والتلويح بتصنيفها في عداد المنظمات الإرهابية رغم عدم دستورية إجراء كهذا.
ولم يكن يكفي الولايات المتحدة تهاون إدارة ترامب في معالجة عواقب انتشار جائحة كورونا، وها هو الرئيس الأمريكي نفسه ينفخ في النار بدل السعي إلى إطفائها وتحمل المسؤوليات الدنيا التي يُلزمه بها الدستور، خاصة وأن العلائم تشير إلى أن القادم أعظم والعواقب أدهى.
القدس العربي