جهود أميركا في حصار الصين اقتصادياً… هل تنجح؟

جهود أميركا في حصار الصين اقتصادياً… هل تنجح؟

لم تعد الأمور تتعلق بقضايا الحرب التجارية بين أميركا والصين وتبادل فرض الرسوم الجمركية، أو التوصل إلى اتفاق مبدئي لتنظيم شؤون التجارة بين البلدين، ولكنها انتقلت إلى ما يمكن أن نعتبره حرباً اقتصادية شاملة لتحجيم تمدد الصين اقتصادياً على مستوى العالم.

فقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف مايو 2020، بوقف تصدير الشرائح الإلكترونية إلى شركة هواوي، مع فترة سماح 120 يوماً، أثار مخاوف الإدارة الصينية، التي أعلنت خارجيتها أن ما تقوم به أميركا قمع مبالغ فيه تجاه الشركات الصينية. وكانت هواوي قد أعلنت عقب قرار ترامب أن خسائرها، نتيجة القرار الأميركي، تبلغ مئات المليارات من الدولارات، وسيؤثر بشبكاتها المنتشرة في 170 دولة حول العالم.

ولا يعني ذلك أن الصين هي المتضرر الأوحد من القرار الأميركي، بل سيشاركها بعض الشركات الأميركية المصدّرة لهذه الشرائح، فالأمر يرتبط بقرار استراتيجي لدى إدارة ترامب في توجهاتها نحو الصين، الذي يمكن قراءته بوضوح أنه اتجاه لحصار اقتصادي على الصين، والعمل على زيادة خسائرها في ظل أزمة كورونا، وإن تذرعت أميركا دائماً في توجهاتها نحو بكين باعتبارات الأمن القومي.

وكانت الصين قد أعلنت أخيراً أنها ستتوقف عن إعلان تقديراتها لمستهدفات ناتجها المحلي الإجمالي، بسبب التداعيات السلبية لأزمة كورونا، وضبابية الأداء الاقتصادي العالمي. وذكرت البيانات الصينية أن أداء الناتج المحلي خلال الربع الأول من 2020 كان سالباً بنسبة 6.8%.

وحسب رويترز، فقد لجأت المصانع الصينية إلى تقليص عدد العاملين لديها، بعد استمرار تراجع مؤشر الصادرات بنهاية مايو 2020، وهو تراجع ملحوظ على مدار الأشهر الخمسة الماضية، وسجل المؤشر 35.2%، ويُعَدّ الأداء أقلّ من 50%، ممثلاً لحالة ركود.

ولم يكن قرار ترامب تجاه هواوي هو الوحيد في ضوء سعيه إلى حصار الاقتصاد الصيني، لكن شهر مايو 2020 شهد أيضاً تعليمات من قبل ترامب لصناديق المعاشات الأميركية بوقف استثماراتها في أسهم الشركات الصينية، ومن هذه الصناديق – على سبيل المثال – صندوق Thrif، الذي يمتلك استثمارات تقدر بنحو 4 مليارات دولار.

ولا يُعَدّ ذلك الصندوق، الصندوق الوحيد، بل هناك صناديق أميركية أخرى تمتلك استثمارات بمئات المليارات من الدولارات، ومن أهمها صندوق المعاشات الفيدرالي، الذي يمتلك استثمارات تصل إلى 600 مليار دولار، حيث صدرت له تعليمات من إدارة ترامب بعدم الاستثمار في أسهم مؤشر “مورغان ستانلي” الذي يتضمن أسهم شركات صينية، وسيؤثر قرار ترامب كثيراً بعمل هذه الصناديق الأميركية، وبخاصة أن تعليمات ترامب معللة باعتبارات الأمن القومي.

وإذا ما دخلت تعليمات ترامب حيّز التنفيذ، وعملت بها صناديق المعاشات الأميركية، فقد يؤدي ذلك إلى تهاوي أسهم الشركات الصينية بنحو كبير، ولكن في الوقت نفسه ستنال الخسائر حال وقوعها من المستثمرين الأميركيين كذلك، فالخروج الجماعي، وبمبالغ كبيرة يكون ملحوظاً ومكلفاً، ما لم يُدَر بطريقة محسوبة.

ولم يقتصر الأمر على أميركا فقط في ما يخص تضييق الخناق على شركات تصدير المعدات التكنولوجية الصينية، ولكنه امتد إلى حلفاء أميركا البارزين، حيث قررت اليابان نهاية مايو 2020 الاستغناء عن استيراد المعدات الإلكترونية في المؤسسات الحكومية، للاعتبارات نفسها التي رددتها إدارة ترامب، والتي تخصّ الأمن القومي.

وذكرت صحف يابانية أن الإجراءات هي لمواجهة الهجمات السيبرانية التي تأتي من الخارج، والتي كان آخرها هجوم عام 2015، الذي وقع على صندوق معاشات المتعاقدين، وبنتيجته سُرقَت بيانات 1.2 مليون شخص.

تحويل الاستثمارات

من اللافت للنظر، أن إدارة ترامب هددت غير مرة بتحويل الاستثمارات الأميركية إلى خارج الصين، في خطوة تُعَدّ استكمالاً لحالة الحصار الأميركي للاقتصاد الصيني. والهدف من الخطوة، هو الحد من توجه الصين لمنافسة أميركا، وتخطيها كأكبر اقتصاد بالعالم. وخلال الأيام القليلة الماضية، قرر ترامب نقل 27 مصنعاً من الصين إلى إندونيسيا، لما تتمتع به من مناخ استثمار مشابه للصين، وفي الوقت نفسه يمارس ترامب من خلال هذه الخطوة ضغوطه على الصين.

وعقب الخطوة، قد يُحوَّل المزيد من الاستثمارات الأميركية من الصين إلى دول أخرى، ولا سيما دول جنوب شرق آسيا، نظراً لارتفاع نسبة التعليم هناك، وكذلك لحيازتها ذات منظومة القيم حول العمل والإدارة، وامتلاكها قدراً لا بأس به من التكنولوجيا. وقد أدت حالة التوتر التي أحدثتها إدارة ترامب منذ 2017، في العلاقات التجارية مع الصين، إلى رغبة مستثمرين أميركيين في مغادرة الصين، للبعد عن هذه الأجواء المتوترة.

وحسب تقديرات نُشرت حول القضية، أفادت نتائج استطلاع للرأي بأن 65% من الشركات الأميركية في الصين ترغب في المغادرة إلى دول أخرى، في ظل حالة التوتر السائدة بين البلدين. واليابان على خُطى أميركا، حيث رصدت نحو 2.2 مليار دولار كحزم تحفيزية لشركاتها العاملة في الصين، للانتقال خارج الصين، وتعويضها عن الخسائر التي لحقت بها مع أزمة كورونا. وثمة توجه لدى اليابان لأن تنتقل الشركات اليابانية الموجودة في الصين إلى اليابان إذا ما كانت تُنتج السلع عالية التكنولوجيا، بينما الشركات التي تنتج ما دون ذلك تتوجه إلى خارج اليابان، وسيكون من نصيبها 10% فقط من حزم التحفيز التي خصصتها اليابان.

وهنا لا بد من أن نذكر أن غالبية الاستثمارات المباشرة في الصين تركز على انتشار السلع والمنتجات الصينية في الأسواق الكبيرة، وذات الملاءات المالية الكبيرة، مثل أميركا واليابان وأوروبا، وإذا ما فقدت الصين هذه الأسواق، ولو بنسبة ما، بشرط أن تتجاوز نسبة تراجع السلع الصينية لهذه الأسواق 50%، فسيكون لذلك أثره السيئ على انسحاب معظم الاستثمارات الأجنبية من الصين. وهو أمر مؤثر بلا شك، أن تُضرَب الصين في أمور مهمة تُعَدّ عصب اقتصادها، مثل حرمانها التكنولوجيا، وتراجع الصادرات، وانسحاب الاستثمارات.

إن البديل أمام الصين لا يضمّ فرصاً بديلة في الأجل القصير والمتوسط، فإما أن تقبل التحدي أمام أميركا وحلفائها، وسيكون ذلك على حساب اقتصادها سلبياً، وإما أن تقبل شروط أميركا، وتتخلى عن حصة من فائضها التجاري مع أميركا، وكذلك التنازل عن طموحها في امتلاك التكنولوجيا، والسيطرة على بعض الشركات الكبرى في هذا المجال، الذي أثار حولها الشكوك، واتهامها بالتجسس من قبل أكثر من دولة، وخاصة أميركا واليابان.

المفاجأة

من خلال نظرة فاحصة لأداء الصين الاقتصادي والتنموي، لم يكن في أدائها شيء مفاجئ، إذا ما عرف الدور الأميركي والأوروبي في نهضتها، ولكن مع هذا التحدي الذي تفرضه أميركا الآن على الصين، ومحاولة تركيعها، هل ستفلت الصين من هذا الحصار، وهل ستكون قادرة على مواجهة أميركا؟

إن تحقق ذلك للصين، فسيكون – بلا شك – نقلة نوعية، وقفزة تاريخية، ستجعل من الصين قوى عظمى بالفعل. لكن ذلك يتطلب أموراً كثيرة قد لا تملكها بكين، وأهمها اعتمادها تكنولوجياً على أميركا والغرب واليابان، فضلاً عن أن سدّ الفجوة التي سيوجدها تخلي أميركا والغرب واليابان عن الصين، سيستغرق وقتاً طويلاً، وبخاصة أن الأسواق البديلة لا تتسم بالوفرة المالية، أو إنتاج التكنولوجيا، مثل دول البريكس، أو غيرها من الدول النامية.

عبدالحافظ الصاوي

العربي الجديد