خمس ناقلات نفط شقت الطريق، الشهر الماضي، من موانئ النفط الإيرانية متوجهة إلى فنزويلا. الإدارة الأمريكية استشاطت غضباً وهددت بوقف الإرساليات، ولكن الرئيس ترامب اكتفى بتهديدات صاخبة. وبصورة رسمية، قلصت الصين بشكل كبير؛ أي 89 في المئة، حجم مشتريات النفط من إيران. ولكن النفط استمر في التدفق من تحت الطاولة.
ورغم انخفاض تصدير النفط الإيراني من 2.5 مليون برميل يومياً إلى ربع مليون برميل، حسب الخطة الخمسية باسم “خطة التطوير السادسة”، فإن إيران في 2022 ستنتج نحو 5.7 مليون برميل. ومن غير الواضح لمن ستباع هذه الكمية من النفط. ولكن السعي إلى إنتاج هذه الكمية يدل على جهود طهران للظهور بموقف حازم أمام العقوبات الأمريكية.
الضربة الجديدة التي أوقعتها واشنطن على إيران بإلغاء الإعفاءات التي منحت لشركات صينية وروسية وأوروبية تعمل في المجال النووي المدني في إيران، ووجهت بغضب إيراني، وباستخفاف أيضاً. وأوضح متحدثون بلسان الحكومة الإيرانية بأنه سيمكنهم قريباً الاستغناء عن المساعدات الخارجية: سيواصلون الحصول على المياه الثقيلة من روسيا، وسينفذون الصيانة من تلقاء أنفسهم.
هذه التصريحات لا يمكن أن تخفي حجم الضرر الذي تسببت به العقوبات على الاقتصاد الإيراني. فقد انخفض النمو بـنسبة 7.6 بالمئة في السنة الماضية، وتقلص الاقتصاد بنحو 5 في المئة، وارتفع التضخم إلى 34.8 في المئة. وأضيف ملايين المقالين إلى دائرة البطالة، أما الذين ابتسم لهم الحظ ولم تتم إقالتهم فيحصلون أحياناً على الراتب بتأخير شهرين. لقد تقلصت قائمة السلع المستوردة وللمرة الأولى منذ ستين سنة، وتوجهت إيران إلى صندوق النقد الدولي لطلب قرض بمبلغ 5 مليارات دولار.
في الوقت الذي لم يتعاف فيه الاقتصاد بعد من كورونا، ثارت مخاوف موجة أخرى من الوباء. في هذا الأسبوع سجل أكثر من 3 آلاف مصاب جديد بعد انخفاض دراماتيكي في الأسابيع الأخيرة. ورغم ذلك، لم تفرض إيران قيوداً على الاقتصاد أو على الوزارات الحكومية، باستثناء المحافظات المنعزلة. التوجه هو محاولة الحفاظ على الحياة الطبيعية بأي ثمن، وحتى الآن لم تشاهد في الشوارع علامات على احتجاج جماهيري، مثلما سجل في نهاية كانون الأول 2019 وبداية كانون الثاني 2020.
ومثل السياسات الاقتصادية، يبدو أن السياسة الخارجية بقيت على حالها. فرغم انسحاب قواتها من سوريا (الذي سمي إعادة انتشار)، فقد نبعت هذه الخطوة، التي جاءت -حسب التقدير- من هجمات إسرائيل في المنطقة.. فإن تأثير إيران على نظام الأسد ما يزال قوياً. أما في العراق فتواصل تدخلها في السياسة الداخلية، لا سيما توجيه سياسة رئيس الحكومة الجديد، مصطفى كاظمي. كا أن الحوثيين في اليمن لا ينوون الانفصال عن ثدي إيران، ورغم الخلافات مع روسيا إلا أن موسكو ما زالت تعتبر طهران شريكة حيوية في الشرق الأوسط.
لم تنجح الدول الأوروبية في إيجاد بديل ناجع لتجاوز العقوبات الأمريكية. وحتى أن ألمانيا ضمت حزب الله إلى قائمة المنظمات الإرهابية. ولكن باستثناء الولايات المتحدة، فلا توجد دولة من بين الدول الموقعة على الاتفاق النووي، تحاول فحص الانسحاب منه. “في الحقيقة، إيران تخرق الاتفاق النووي بعد أن قررت زيادة كمية اليورانيوم المخصب ونوعيته. ولكن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن إعادة تطبيق العقوبات الدولية على إيران”، قال مصدر دبلوماسي أوروبي للصحيفة.
هذه الأقوال قيلت على خلفية اقتراب موعد انتهاء سريان حظر السلاح على إيران في تشرين الأول. إذا لم يتم تمديد الحظر، يمكن لإيران حينئذ أن تشتري السلاح التقليدي وتبيعه كما تشاء. والمبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، بريان هوك، قال الشهر الحالي، إن الولايات المتحدة في هذه الحالة ستطلب إجراء نقاش في مجلس الأمن فيما يتعلق بإعادة العقوبات الدولية عليها.
التهديد الأمريكي يبدو فارغاً الآن، ليس فقط لأن الولايات المتحدة لم تعد شريكة في الاتفاق النووي، بل أيضاً لأن قرار إعادة فرض العقوبات على إيران سيقتضي التغلب على فيتو متوقع من روسيا والصين، حتى إذا قرر الشركاء الأوروبيون تأييد القرار
القدس العربي