ماذا تريد طهران بإثارة الضجيج في بحر قزوين

ماذا تريد طهران بإثارة الضجيج في بحر قزوين

كثفت إيران في الأشهر الأخيرة من إثارة الضجيج مجددا في بحر قزوين في خطوة تحول انتباه القوى الأساسية في المنطقة كروسيا وكذلك دول منطقة الخليج للتركيز على هذه الأنشطة التي يرى فيها مراقبون أنها تنخرط في مساعي طهران للتنفيس عن نفسها بعد كل ما تعرضت له في الأعوام الأخيرة من ضغوط دولية للحد من نفوذها. خطوة جديدة تراهن عليها طهران لإقامة علاقات بحرية أوثق مع دول آسيا الوسطى.

لندن- تشير تحركات طهران وأنشطتها العسكرية مؤخرا في بحر قزوين إلى وجود بوادر تمرّد إيراني على الاتفاقية التاريخية التي تم توقيعها في عام 2018 بين الخمس دول المطلة على هذا البحر الاستراتيجي والغني بالثروات الطبيعية.

تدفع طهران الآن بعد حصول العديد من المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط وخاصة بعدما أنهكتها العقوبات الاقتصادية الأميركية إلى استعراض قوتها في بحر قزوين، وهو ما من شأنه أن يغضب روسيا التي راهنت عبر اتفاقية عام 2018 على الحد من مطامع طهران بدرجة أولى وعلى تخفيف التوتر الإقليمي بدرجة ثانية.

تحركات متسارعة
تثير المواقف والتصريحات الإيرانية الأخيرة، إلى جانب زيارات كبار القادة للمنشآت البحرية وحوض بناء السفن على ساحل بحر قزوين، علاوة على جهودها الدبلوماسية المتتالية لتشديد العلاقات مع الدول الساحلية السوفيتية السابقة، انزعاج موسكو على وجه الخصوص وكذلك دول الخليج كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويرى مراقبون أن قادة إيران بدأوا ينقلبون على الاتفاقية الموقعة عام 2018. فقد أكد الرئيس حسن روحاني خلال القمة التي استضافتها مدينة أكتاو في كازاخستان، وحضرها قادة روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان، على وجوب حل خلافات لها أكثر من عقدين لكن الأنشطة الإيرانية الحالية تبرز عكس ما أعلن عنه من مواقف رسمية.

وعلاوة على الهرولة الإيرانية لإظهار القوة وعدم الرضوخ لكل القوى الساعية للحد من أنشطتها المشبوهة في منطقة الشرق الأوسط، فإن البعض من المراقبين يؤكدون أن في تحركات طهران ببحر قزوين أيضا رسائل داخلية، خاصة أن كلا من علي خامئني وكذك حسن روحاني كانا قد اتهما في عام 2018 من قبل نشطاء إيرانيين ببيع حصة إيران ببحر قزوين إلى روسيا وبالتخلي عن حقوق بلادهما من موارد البحر الاستراتيجي.

ويقول جيمس دورسي الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في مقال بعنوان “استعراض إيراني للقوة في بحر قزوين” إن صناع السياسة في روسيا ودول الخليج يراقبون عن كثب تحركات إيران في بحر قزوين.

وتأتي هذه الخطوة الإيرانية الجديدة بالتزامن أيضا مع الصراعات المتتالية بشأن النشاط البحري في منطقة الخليج وكذلك بالتزامن مع التوسع البحري التركي في شرق البحر المتوسط.

ويؤكد دورسي أن التواجد البحري الإيراني في بحر قزوين يعد ضئيلا، لاسيما وأن البحرية الإيرانية لا تضاهي نظيرتها الروسية في هذا البحر. لكنه يستشهد في الوقت نفسه بتشديد مسؤولين عسكريين إيرانيين كبار، بمن فيهم قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حسين خانزادي ونائبه، الأدميرال حبيب الله سياري، والأدميرال أمير رستكاري، الذي يشرف على البناء البحري، على أهمية بحر قزوين بالنسبة للأمن القومي الإيراني.

واقترح قادة إيران إقامة تعاون أوثق وتدريبات بحرية مشتركة مع دول مثل أذربيجان وتركمانستان، حيث قال الأدميرال خانزادي في أبريل الماضي “بحر قزوين هو بحر السلام والصداقة ويمكننا مشاركة تكتيكاتنا العسكرية مع جيراننا في هذه المنطقة. إننا مستعدون تماما لتوسيع العلاقات مع الدول المجاورة والصديقة“.

ويشدد دورسي على أن التحركات الإيرانية هي أكثر من مجرد تعزيز وجودها العسكري في حوض تشترك فيه مع روسيا وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، مستدلا بما ورد في اتفاق عام 2018 الموقع بين الدول المطلة على البحر والذي يمنع دخول السفن الحربية للدول غير الساحلية إلى الحوض لكنه فشل في تنظيم تقسيم موارد البحر الوفيرة. وتسمح العلاقات البحرية الأوثق مع دول بحر قزوين لإيران بالاستفادة من موقفها في وقت تقلق فيه دول آسيا الوسطى من التدخل الصيني في مجالها الأمني، والذي يقوض التفاهم الضمني الذي تحملت روسيا من خلاله المسؤولية عن الأمن الإقليمي بينما ركزت الصين على التطوير الاقتصادي.

المواقف والتصريحات الإيرانية الأخيرة تثير انزعاج موسكو على وجه الخصوص وكذلك دول الخليج كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة

في المقابل يثير التدخل الصيني المتزايد جدل شبح تصدير أيديولوجيات القرن الحادي والعشرين لجمهورية الصين الشعبية كدولة مراقبة وسط المشاعر المتنامية المعادية لبكين نتيجة حملة القمع الوحشية التي تشن ضد المسلمين الأتراك في مقاطعة شينجيانغ الشمالية الغربية.

وتتأرجح شعوب دول آسيا الوسطى التي تضررت بشدة من التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا، بين الرغبة في الاستفادة من رغبة الصين في إحياء المشاريع المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق، والمخاوف من أن يؤثر التدخل الصيني على حياتهم.

وقد أجبرت المشاعر الشعبية دولة قيرغيزستان في وقت مبكر من الوباء على إلغاء مشروع اللوجستيات بقيمة 275 مليون دولار أميركي. ومن ثم استدعت وزارة الخارجية الكازاخستانية السفير الصيني لشرح مقال نشر على موقع صيني على الإنترنت أكد أن الدولة الواقعة في آسيا الوسطى تريد العودة إلى الحكم الصيني.

ودعت وسائل الإعلام في كازاخستان الصين والولايات المتحدة إلى ترك كازاخستان وشأنها بعد أن زعمت وزارة الخارجية الصينية أن فايروس كورونا نشأ في مختبرات تمولها الولايات المتحدة في البلاد.

يقول جيمس دورسي “لقد فتحت الجهود الإيرانية، مدعومة بميناء تشابهار الممول من الهند والذي يعمل كقناة للصادرات الهندية إلى آسيا الوسطى، هامشا للاستفادة من تنافس القوى الآسيوية الكبرى في المنطقة، بما في ذلك حوض قزوين، وذلك قصد فرض المزيد من المنافسة مع خصوم إيران من الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات”.

وتأمل إيران في أن تعمل الجغرافيا وشبه القطيعة بين بعض دول آسيا الوسطى والسعودية لصالحها، خاصة بعدما اختار وزير خارجية طاجيكستان سراج الدين مهر الدين، رغم العلاقات المضطربة السابقة مع الجمهورية الإسلامية، قبل عام تجاهل دعوة السعودية لحضور مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في المملكة وفضّل زيارة إيران بدلا من ذلك.

ووافقت إيران منذ ذلك الحين على استثمار 4 مليارات دولار في استكمال نفق بطول خمسة كيلومترات يربط العاصمة دوشانبي مع ثاني أكبر مدينة في البلاد بخجند.

لكن بحسب دورسي فإن أداء السعودية والإمارات كان أفضل إلى حد ما مع أذربيجان وأوزبكستان بعدما وافقت شركات مثل شركة تطوير المرافق السعودية “آي.سي.دبليو.آي باور”، التي يمتلك فيها صندوق طريق الحرير الصيني حصة قدرها 49 بالمئة، وشركة “مصدر” الإماراتية أو شركة “أبوظبي فيوتشر إنرجي كومباني” على الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة الأذربيجانية.

تأتي هذه الخطوة الإيرانية الجديدة بالتزامن أيضا مع الصراعات المتتالية بشأن النشاط البحري في منطقة الخليج وكذلك بالتزامن مع التوسع البحري التركي في شرق البحر المتوسط

كما وقعت شركة تطوير المرافق السعودية “آي.سي.دبليو.آي باور” مؤخرا اتفاقيات في أوزبكستان بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي لبناء محطة للطاقة ومزرعة رياح.

ويخرج تقرير دورسي بخلاصات من أهمها أنه ربما تكمن أقوى ورقة رابحة لإيران في ربط بحر قزوين ببحر العرب، ما يجعلها أمام إمكانية توفير ما لا تستطيع دول الخليج توفيره مثل إمكانية الوصول الرخيص والقصير إلى منطقة المحيط الهادئ الهندي.

وتم ترسيم إيران في جميع خطط البنية التحتية لوسائل النقل التي أقرها الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف. حيث حدد مرسوم صدر في أواخر عام 2017 ممرات وطرقات مختلفة كعوامل رئيسية لخططه، بما في ذلك تمديد خط سكة حديد يربط مدينة ترمذ الأوزبكية بمزار الشريف الأفغاني وأيضا بمدينة هراة الأفغانية، وعندها سيتفرع الخط إلى ميناء بندر عباس الإيراني، وتشابهار، وبازركان على الحدود الإيرانية التركية.

وتقول أوميدا هاشيموفا، محللة في شؤون آسيا الوسطى، “في الوقت الذي تسعى فيه مدينة طشقند الأوزبكية إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية، تظهر إيران كذلك في هذه الحسابات. وبالنسبة لأوزبكستان، لا تقدم الموانئ الإيرانية فقط أقصر وأرخص طريق إلى البحر، بل لا يمكن إنجاز العديد من مشاريع السكك الحديدية المستقبلية دون مشاركة طهران في هذه المشاريع”.

العرب