عرض كتاب التشيع العربي والتشيع الفارسي

عرض كتاب التشيع العربي والتشيع الفارسي

كتاب التشيع العربي

صدر حديثا عن دار الحكمة بلندن كتاب (التشيع العربي والتشيع الفارسي) للباحث الأكاديمي نبيل الحيدري المقيم في لندن محاضرا وكاتبا وباحثا. الكتاب يضم 30 فصلا إضافة إلى المقدمة والخاتمة ليكون في ما يقرب 568 صفحة من الحجم الكبير.

الكتاب يشكل طفرة نوعية على درب التجديد والإصلاح والوحدة الإسلامية في ظروف الأمة العصيبة ويسلط الضوء وفي هذه المرحلة التاريخية المهمة عبر ادلة وتحليلات للحوادث على الالتباس التاريخي بين التشيع من وجهة النظر الفارسية والتشيع العربي ، بدراسة أكاديمية مستفيضة تختزل عصور التاريخ الإسلامي بعد مسح واسع وغربلة لمراجع تزيد على 1255 مصدراً يسبر فيها التاريخ بالدراسة والتحليل والنقد منذ مراحله الأولى وحتى يومنا المعاصر ليربط ويحلل ويستنتج في دراسة ما أدخله الفرس من بدع وتحريف للتشيع خصوصا الغلو في الإمامة التي أسماها (لاهوت الإمامة) حيث يرتفع فيها الإمام فوق النبوة ليحتل صفات الألوهية والربوبية بمختلف أبعادها وعندها يفتقد التوحيد معناه ويهمل القرآن بسبب الإيمان بتحريفه وسوف يظهره المهدى المنتظر لينتقم من العرب والخلفاء والسنة وينتصر للفرس في ثقافة الكراهية والبغض واللعن، فضلا عن الطقوس والبدع وما يصاحبها
في المرحلة الأولى يتناول الكتاب عدة ظواهر غريبة: منها ظاهرة عبد الله بن سبأ الذى أنكره المتأخرون مثل طه حسين، ومرتضى العسكري الذى يدعى عدم الاعتراف بوجوده في المصادر الشيعية الأولى. حيث يثبت الكاتب بالتفصيل إجماع المصادر الشيعية الأولية على حقيقة وجوده وغلوه في الإمام على، فنكرانه لا يصمد أمام حقائق التاريخ وإجماع القدماء لاسيما فقهاء الشيعة. يشرح الكاتب بوضوح دور ابن سبأ في تحريف الإسلام بما يشبه ما قام به بولس في تحريف النصرانية
كذلك يدرس الكاتب ظاهرة سلمان الفارسي ليقوم بجمع الروايات الشيعية في سلمان ويقوم بتحليلها ونقدها حيث نسبت لسلمان المعاجز ولقاء الملائكة ومعرفة الغيب ونسب له روايات الخلاف بين الزهراء والخليفة الثاني وردّة الصحابة ما عداه ونفر قليل بل لدرجة أن بعض الفرق الشيعية اعتبرته نبيا أو إلهاً، ثم ذكروا قومه الفرس وميزاتهم وخصالهم وأفضليتهم على جميع الخلق
ويذكر الكاتب ظاهرتي التطرف التي واجهها الإمام علي ممن غالى فيه لدرجة الألوهية وما يقابلها من ظاهرة الخوارج الذين خرجوا عليه بالتكفير وطالبوه بالتوبة لقبوله التحكيم في حرب صفين، لكنه رفض الأمرين معا بينما طالب بإحراق من يزعم كونه إلها، لكنه حاور الخوارج عندما قالوا:(لا نؤمن بما تقول ولا نصلي خلفك) ليقول لهم (لكم كلّ ذلك لأنه من حقوقكم ولكم حقوق إضافية أخرى) ثم يستأنف (بيني وبينكم قتل الناس). وأرسل ابن عباس ليحاججهم بغير القرآن لأنهم حفاظا للقرآن ذوو الجباه السود من كثرة السجود والخشوع والصلوات فيستطيعون الإجابة بالآيات. لذلك أوصى الإمام (لا تقاتلوا الخوارج بعدى فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه). ثم يتناول الكاتب في فصل كامل (غلاة حول الأئمة) ليتناول الرواة والأصحاب الذين غالوا في الأئمة وأحاطوا بهم مثل المغيرة بن سعيد القائل: (وضعت في أخبار جعفر بن محمد اثني عشر ألف حديث) وهكذا امتلأت كتب الأئمة بأحاديث الوضّاعين والمدلّسين
يتناول الباحث فصولا في دول ثلاث متعاقبة: الدولة البويهية في العراق (932-1065) والدولة العبيدية الفاطمية في مصر (909-1171) والدولة الصفوية فى إيران (1501-1736) وما قامت به كل دولة من ثقافة وعقيدة وبدع
ويسهب المؤلف في خطر الدولة البويهية كونها المنبع الأيديولوجي الذي ترعرعت فيه أولى البدع والغلو الغريبة عن العقيدة الإسلامية متمثلا بتأليف الكتب الحديثية الأربعة: «الكافي» للكليني، و«من لا يحضره الفقيه» للصدوق القمي، و«التهذيب»، و«الاستبصار» للطوسي. واحتوت هذه الكتب على آلاف من الأحاديث لغُلاة وضاعين نقلوا أحاديث منسوبة ليست إلى الرسول أو الإمام علي بل نسبت إلى جعفر الصادق أو محمد الباقر … فضلا عن دراسة مؤلفي هذه الكتب وتقييمهم ولماذا باتوا مرجعا دون أساتذتهم الفقهاء العرب
وكانت هذه الكتب هي المرجع الأساس لكل من جاء بعدهم خصوصا الكافي حيث رووا حديثا عن منام في رؤية للمهدى المنتظر عن شخص مجهول (الكافي كاف لشيعتنا) مما يجعله مقدسا فوق النقد رغم أن أكثر الأحاديث غير صحيحة وتمتلئ بثقافة الكراهية والغلو والبدع والهرطقة وعن رواة عرفوا بالوضع والتدليس حتى اعتبر هاشم معروف الحسنى 100 حديث صحيح من مجموع ما يقرب ستة عشر ألف حديث منسوبة ضعيفة. علما أن الشيعة في المراحل الأولى يعتبرون محدّثين إخباريين يعتمدون بالدرجة الأساس على الحديث دون غيره من المصادر. كما يستقرئ الكاتب ما دخل من البدع في تلك الفترة ومحاولة تحويل السنة إلى شيعة بالقهر والإجبار
أما الدولة الصفوية فيرى الكاتب تحالف الوعاظ مع السلاطين ويذكر تحالف المجلسي مع الشاه إسماعيل الصفوي في تخدير الأمة والقيام بمذابح من أجل تحويل السنة إلى شيعة على الطريقة الفارسية، وتأليف المجاميع الحديثية مثل بحار الأنوار ومرآة العقول للمجلسي الذى يعتبر الشاه ممثلا للأئمة ووضع شجرة نسب له إلى أهل بيت النبوة، وذكر منامات لعلاقاته بالإمام على والمهدى المنتظر، وإضافة (أشهد أن عليا ولى الله) فى الأذان رغم اعتبار فقهاء الشيعة لها بدعة لا أصل لها
كما يمدح الكاتب الحيدري، المفكر الإيراني على شريعتى وكتابه في نقد الدولة الصفوية وعنصريتها وبدعها وجرائمها، ويذكر الكاتب أيضا العديد من المصلحين الفرس ويحترم الشعوب الإيرانية وتاريخها والكثير من رواد نهضتها لكنه ينقد بعض رجالها من السلطتين السياسية والدينية التي أدخلت البدع والتحريف والغلو وثقافة البغضاء والكراهية واللعن فضلا عن العنصرية ضد العرب
ويأتي المؤلف بمعلومات دقيقة حول تفاصيل موالاة الصفويين للكفار الأوربيين ضد الدولة العثمانية المسلمة، حيث قام الشاه إسماعيل بمراسلات كثيرة للبرتغال يدعوهم لغزو الجزيرة العربية فإنه يغزوها من الشرق بجيوشه الجرارة كأنّه يطمع في استرداد العرش الكسروي بالانتقام من السُنّة المسلمين حيث أجبرهم الخليفة الثاني العربي على دخول الإسلام قهراً؟! وقد لاحظ (بيريس تومي) السفير البرتغالي فى الصين والذى زار إيران أيام الصفويين قائلا: (إن إسماعيل الصفوي يقوم بإصلاح كنائسنا ويدمّر مساجد السُنّة، كما أن الصفويين تحالفوا مع أوربا ضد الدولة العثمانية) وهذا يكشف التواطؤ الصفوي الأوربي ضد الإسلام. وقد أرسلت بريطانيا خبيرين عسكريين لمساعدة الدولة الصفوية لصنع المدافع فى مواجهة الدولة العثمانية. ويذكر الكاتب الوثائق البريطانية حيث دعم السفير البريطاني في بغداد للتطبير وتبرّعه بالأكفان البيضاء والقامات لمن يقوم بالتطبير فضلا عن دعم مواكب التطبير خصوصا بالمال والسكر والرز (في وقت القحط والحاجة الماسة إليه) بالوثائق والأرقام
فلا غرو أن يحتفى المتحف البريطاني حديثا فى أوائل القرن الحادي والعشرين بإقامة احتفال خاص لتاريخ الشاه عباس بن إسماعيل الصفوي تحت شعار: (عباس في لندن)!
علماً أنّ الشاه اسماعيل الصفوي كما يذكر الباحث الحيدري قد استوحى المراسيم الحسينية من خلال وزيره المسمى (وزير الشعائر الحسينية) استوحاها من أوربا في ذكرى السيد المسيح وشهداء المسيحية واقتبس تلك المراسيم والطقوس النصرانية وجاء بها إلى إيران مما أدّى إلى ظهور طقوس مذهبية لا سابقة لها في الإسلام ولا حتى في الفولكلور الإيراني، منها على سبيل المثال لا الحصر: النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير وأطوار جديدة فى قراءة المجالس الحسينية، وكلّها مظاهر مستوردة من الغرب المسيحي الأوربي مما يكشف مناصرة دولة بريطانيا العظمى والبرتغال للدولة الصفوية ضد الإسلام.
يذكر الكاتب فصلين عن الخميني حيث يناقش في فصل منها ولاية الفقيه الإيرانية كونها بدعة لا يعرفها الفقه الشيعي ويناقش استدلالات الخميني في أدلته أهمها قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) سورة النساء/ الآية الخامسة، بتأويل أولي الأمر بالفقهاء، وهو رأي نادر وشاذ وغريب في المذهب الشيعي، الذى يحصر أولي الأمر بالأئمة المعصومين دون الفقهاء كبشر قابلين للخطأ والهوى فيستحيل قرنهم بولاية الله ورسوله فهو مرفوض جملة وتفصيلا في إجماعهم.
كما اعتمد الخميني على رواية عمر بن حنظلة وهى ضعيفة جدا سندا ودلالة وفيها أشخاص لم يتم توثيقهم، كعمر بن حنظلة، اسحق بن يعقوب المجهول، ويزيد بن خليفة، وهو واقفى لا يؤمن بالأئمة بعد موسى الكاظم، وقد أسس تلك الفرقة وكلاء الإمام موسى الكاظم نفسه كزياد القندي وعثمان بن عيسى الرواسي اللذين رفضا تسليم الأموال والجواري إلى ابنه الإمام على الرضا. رافضين إمامته واقفين على الإمام الكاظم كآخر إمام، حتى اعتبر بعضهم أنه المهدى الغائب الذي سيرجع لاحقا كما يذكر الطوسي والكشي والنوبختي والمامقاني والمفيد والمرتضى والخوئي وهم فقهاء الشيعة.
أما متنها ومحتواها فهي تتحدث عن حالة خاصة في رجلين تنازعا في ميراث رفض الفقهاء تعميمها وتطبيقها على الولاية المنظورة، كما أنها ترجع إلى (قد روى حديثنا) وليس إلى الفقهاء المجتهدين أي النظرية الإخبارية، التي كانت سائدة في الفكر الشيعي سابقا بعد عصر الغيبة لفترات طويلة، وهى تحرم الاجتهاد بروايات اللعن من الأئمة على من يجتهد ويستعمل عقله في القياس وغيره، وكذلك تحرم التقليد (من قلد في دينه هلك) قبل التأثر بالمذاهب السنية، ومدارس الاجتهاد فإن أول مذهب للاجتهاد هو مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، ثم نشوء الأصوليين في المذهب الشيعي لاحقا وجواز الاجتهاد والتقليد وتوسعه شيئا فشيئا، وعوامل تطوره كما ذكره محمد باقر الصدر ومحمد جواد مغنية ومحمد مهدى شمس الدين وهاشم معروف الحسيني والجواهري وكاشف الغطاء وغيرهم كثير.
ورفض الفقهاء للحكومة الشيعية كون الحاكم ليس معصوما عادلا وكونها فى الأدلة والأحاديث حكومة ظالمة وصاحبها طاغوت يفسد أكثر مما يصلح. ثم يناقش ويحلل مبادئها وكونها استبدادا ودكتاتورية وطغيانا وما قدمته
يتناول الباحث محاولات التقارب بين السنة والشيعة خصوصا مؤتمر نادر شاه وما تمّ الاتفاق عليه وقتل الفرس للشاه رفضا للتقارب. كما لا يغفل المؤلف من التوسع فى محاولات الإصلاح العربية لفقهاء عرب متميزين أمثال محمد حسين فضل الله وهاشم معروف الحسنى ومحسن الأمين ومحمد باقر الصدر ومهدى الحيدري ومحمد شمس الدين ومحمد جواد مغنية ومحمد حسين كاشف الغطاء، ويحاول الكاتب الحيدري تأسيس مشروع إصلاحي ضخم متكامل في رؤية فكرية يعالج فيها جميع تلك الإشكالات الفكرية والعقائدية والتاريخية والدينية التي تفرّق بين السنة والشيعة
ويطرح الكاتب مشروعا إصلاحيا متكاملا للوحدة بين السنة والشيعة تشترك في التوحيد والقرآن والنبوة والمبادئ والقيم بعد تطهيره من المدخولات في التشيع الفارسي.

http://goo.gl/cMTKbc

الكلمات الدلالية: الصفوية، التشيع، السنة، الشيعة، الكليني، المجلسي، الدولة البويهية، الخميني، ولاية الفقية،السنة