الخارجية الأميركية تقاوم محاولات ترامب للسيطرة على الملف الليبي

الخارجية الأميركية تقاوم محاولات ترامب للسيطرة على الملف الليبي

واشنطن – يعكس بيان الخارجية الأميركية الذي يعارض بشكل واضح مبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية، التي سبق أن أعلن الرئيس دونالد ترامب دعمه لها، وجود تحركات من أجل إحباط مساع لسيطرة الرئيس الأميركي على الملف الليبي.

وقال ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى إن هناك جوانب “مفيدة” من مقترح مصري لهدنة في ليبيا، لكن محاولة وساطة تقودها الأمم المتحدة لإحلال السلام في ذلك البلد هي أفضل طريق للمضي قدما.

وكان ترامب أعرب الأربعاء عن دعمه لمبادرة القاهرة التي أطلقها نظيره المصري عبدالفتاح السيسي لوقف إطلاق النار وإيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، وهو ما اعتبر محاولة لاستعادة البيت الأبيض زمامَ الأمور في ليبيا بعد هيمنة وزارة الخارجية على الملف.

ويرفض ترامب، الذي يدعم بشكل ضمني الجيش الليبي، سيطرة المجموعات الإسلامية التي كان من نتائج سيطرتها على البلاد بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، مقتل السفير الأميركي السابق كريستوفر ستيفنز.

وينظر مسؤولون أميركيون بقلق إلى نقل تركيا مقاتلين سوريين من إدلب إلى ليبيا، من بينهم عناصر تنتمي إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة، ما يشكل خطرا على أمن حلفائهم في شمال أفريقيا وأوروبا.

ولا تتعارض مبادرة القاهرة مع مقررات مؤتمر برلين، الذي رعته الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي أكده الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قبل أيام.

ستيفاني ويليامز وريتشارد نورلاند دبلوماسيان أميركيان متهمان بالانحياز إلى الإسلاميين في ليبيا

وانخرطت الدول الداعمة للجيش، وخاصة فرنسا وروسيا، بجدية في جهود إجبار الجيش الليبي على القبول بتلك المخرجات من خلال إيقاف دعمها لحملة السيطرة على طرابلس مقابل غض الطرف عن التدخل التركي لدعم ميليشيات حكومة الوفاق، وهو التمشي الذي كان يهدف إلى إحداث توازن عسكري ينهي تفوق الجيش.

وانسحب الجيش مؤخرا من كامل المنطقة الغربية في خطوة قال إنها تهدف إلى استكمال مسار برلين السياسي، لكن تلك الانسحابات فتحت شهية تركيا وميليشياتها التي توعدت بعدم إيقاف القتال حتى السيطرة على سرت والجنوب والهلال النفطي.

ويثير رفض الخارجية الأميركية مبادرةَ القاهرة استفهامات ويعزز شكوكًا في وجود نية للانقلاب على تفاهمات برلين عن طريق مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز المحسوبة على لوبي وزارة الخارجية.

ويتداول على نطاق واسع في الأوساط الليبية أن ويليامز، التي كانت قائما بالأعمال في السفارة الأميركية بليبيا وتربطها علاقات جيدة بتيار الإسلام السياسي وخاصة وزير الداخلية في حكومة طرابلس فتحي باشاغا، تم تعيينها نائبةً للمبعوث السابق غسان سلامة لضمان هيمنة الخارجية الأميركية على الملف الليبي.

وتعزز سرعة تبني ويليامز والسفير الأميركي ريتشارد نورلاند لادعاءات الإسلاميين، بشأن ارتكاب الجيش جرائمَ حرب ينفيها دائما ويصنفها في خانة الحرب الإعلامية لتشويهه وجعله مساويًا للميليشيات، الاتهامات بانحيازهما إلى الإسلاميين.

ويبدو أن الخارجية الأميركية تشجع تركيا على تجاهل مبادرة القاهرة التي تقدم تسوية مقبولة وعادلة للطرفين، مقابل إطلاق محادثات ليبية – ليبية تعرف بمحادثات 5+5 تحت إشراف ستيفاني ويليامز، لا يستعبد أن تتم خلالها محاولة فرض تسوية على مقاس الإسلاميين ما سيؤدي إلى فشلها.

ويعني فشل التسوية دخول الحرب طورا جديدا ما قد يفتح الأبواب أمام تدخل عسكري مباشر من قبل إحدى الدول الداعمة للجيش، وهي التكهنات التي تتزايد حدتها على ضوء التحشيد العسكري المصري. وفي حين يستبعد مراقبون تدخلا عسكريا مصريا يضاهي التدخل التركي في ليبيا، فإنهم يرجحون وجود تنسيق روسي – مصري بأن تتولى القاهرة القيام بدور عسكري محدود قد يقتصر على توجيه ضربات جوية تتصدى لتقدم الميليشيات نحو وسط وشرق وجنوب البلاد.

وتركز حملات الدعاية التي تقودها الخارجية الأميركية على تضخيم الدور الروسي الذي ما زال يقتصر إلى حد الآن على تقديم بعض الدعم للجيش الليبي، وهو دعم لا يقارن بالدعم الذي تتلقاه الميليشيات الإسلامية والمناطقية من تركيا، في خطوة تهدف إلى إيجاد مبرر لاستمرار القتال بهدف تمكين الإسلاميين من المناطق الحيوية في ليبيا خاصة منطقة الهلال النفطي وحقول النفط في الجنوب.

وتتعمد الحملات السياسية والإعلامية تجاهل الحديث عن فرنسا التي يمكن تصنيفها كمنافس أول للولايات المتحدة في ليبيا، بهدف إبراز روسيا كخطر غربي مشترك والإيهام بوجود تفاهمات غربية على تمكين الإسلاميين لرعاية مصالح الغرب.

ويراهن اللوبي الأميركي – التركي – الإسلامي على أن ليبيا ليست سوى ورقة ضغط روسية يمكن استخدامها للحصول على مكاسب في مناطق أخرى خاصة في سوريا وأن الروس غير مستعدين الآن للإنفاق على حرب في ليبيا، لذلك فإن الخيار الوحيد هو استمرار القتال وترصد فرصة تسوية مشابهة لما حدث غرب ليبيا.

وبالتالي، فإن “سورنة” الصراع تبدو خطة تنخرط فيها الخارجية الأميركية ونجاحها سيكون خطرا على المصالح الأوروبية بالدرجة الأولى، لذلك تحاول أوروبا تفعيل دورها في ليبيا وهو ما عكسته المباحثات التي أجراها السفير الألماني أوليفر اوفتشاكيف في بنغازي ولقاؤه بالقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.

وحملت تلك الزيارة، التي أثنى خلالها السفير الألماني على انضباط الجيش الليبي، رسالة واضحة للأطراف الدولية والإقليمية التي تعمل على استبعاد حفتر من المشهد واستبداله برئيس البرلمان عقيلة صالح.

وعمقت تلك الزيارة الشكوك في ما إذا كانت أوروبا التي تخشى تكرار سيناريو ابتزازها من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالمهاجرين غير الشرعيين بعد سيطرة تركيا على سواحل غرب ليبيا، ستراهن بشكل أكبر على حفتر لمنع سيناريو “سورنة” الصراع الليبي.

وفي حين تحارب أوروبا، وخاصة فرنسا واليونان، أطماع تركيا للسيطرة على المتوسط، يقول رئيس مؤسسة “جيمس تاون” الأميركية للأبحاث، غلين هوارد، إنه “يجب تقبّل الإصرار التركي بشأن الحصول على دور في منطقة شرقي المتوسط، ويتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في دورها بهذه المنطقة”.

وينظر إلى هوارد وغيره من الخبراء المدافعين عن فكرة التحالف مع تركيا وما قد يحمله ذلك من خطورة في فقدان الشريك الأوروبي، على أنهم أدوات للوبي التركي في الولايات المتحدة الذي يعيش حاليا ذروة مجده.

العرب