“الموت قد يكون أرحم لنا مما نعيشه”.. كثيرا ما يردد أبو علي هذه الجملة، لما مر به من صعوبات وأزمات، فبعد أن كان أحد أبرز تجار المواد الغذائية في الغوطة الشرقية، أصبح اليوم يبحث عن عمل ليؤمن قوته وعائلته.
الحصار الذي فرضه نظام الرئيس بشار الأسد على الغوطة الشرقية عندما كانت تسيطر عليها المعارضة كان له الدور الأبرز في تراجع قدرة أبو علي المادية، من ثم القصف الذي تعرض له منزله ومحاله التجارية مما أسفر عن دمارها بشكل كامل.
وبعد الحملة العسكرية التي سيطرت فيها قوات النظام على الغوطة الشرقية، آثر أبو علي البقاء فيها على التهجير، فالتقى بزوجته التي كانت معتقلة، لكنه اكتشف إصابتها بورم سرطاني، مما زاد العبء عليه.
يقول أبو علي “أنظر بحرقة إلى أملاكي التي أصبحت ركاما وأعجب للحال الذي لم أتوقع يوما أن أصل إليه، فمن تاجر إلى عامل بالأجرة اليومية وباحث عن مساعدة مادية لتأمين دواء زوجتي”.
يضيف “خبر خروج زوجتي من سجون النظام لثلاث سنوات أنساني همومي، لكن خبر إصابتها بالسرطان كان ضربة سندان أعادتني إلى أعمق نقطة في المعاناة والضياع”.
قوات النظام تمنع أي تعامل بالعملة الأجنبية في مناطقها (رويترز)
حملات أمنية
وتشهد الغوطة الشرقية حملات أمنية مستمرة من أفرع المخابرات والشرطة العسكرية، وذلك بهدف اعتقال الشباب والنساء الذين كان لهم دور في الحراك الثوري المعارض، وأغلبهم تم تحويلهم إلى سجن صيدنايا المعروف بسمعته السيئة، والتي يقول الأهالي إن من يدخله لا يخرج منه حيا.
كما أن الشرطة العسكرية تشارك أفرع الأمن والمخابرات حملاتها بهدف اقتياد الشباب إلى الخدمة العسكرية بشقيها الإلزامية والاحتياطية، وزج الشباب إلى جبهات القتال، علاوة على الحواجز الأمنية المنتشرة في الغوطة ومحيطها مما يزيد خوف الأهالي من الخروج إلى دمشق لكثرة حالات الاعتقال العشوائية.
وبحسب مصدر رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية فإن “قوات النظام تتبع سياسية دقيقة في تقسيم الشباب إلى فئات، الأولى التي تم سحبها للخدمة الإلزامية والثانية للخدمة الاحتياطية، وبذلك أزالت من أمامها عائق الاحتجاجات أو أي مواجهات، وشهدت المنطقة حملات اعتقال بشكل شبه يومي”.
الواقع المعيشي
تفريغ قوات النظام للغوطة الشرقية من شبابها تسبب بجمود كبير، فلم تعد هناك اليد العاملة صاحبة الخبرة في المنطقة التي لطالما اشتهرت بصناعة المفروشات الخشبية والمواد الغذائية المعلبة. كما أن الزراعة تدهور واقعها بشكل رئيسي بسبب منع إدخال الأسمدة والمبيدات الحشرية للمنطقة بحجة منع استخدامها في صناعة المتفجرات.
لكن أبرز المعوقات أمام جميع الأهالي هو انهيار قيمة الليرة التي وصلت لأدنى مستوياتها، وتسببت بارتفاع الأسعار لعدة أضعاف، في وقت تمنع قوات النظام أي تعامل بالعملة الأجنبية في مناطقها مما جعل الأهالي يتجهون إلى شراء الذهب بما يملكونه من مال علهم يحافظون على قيمة مدخراتهم المادية.
انهيار الليرة المتسارع ومع اقتراب تطبيق أول حزمة من العقوبات الأميركية ضمن قانون قيصر، تسبب بارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والمحروقات والأدوية.
ويرى الأهالي أن الأيام المقبلة ستكون صعبة على القاطنين في مناطق سيطرة النظام، ويتخوفون من امتداد تأثير العقوبات إلى مناطق سيطرة المعارضة.
المصدر : الجزيرة