الباحثة شذى خليل*
بعد استمرار انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، والذي بلغ قرابة 3200 ليرة. ما أسفر عن ارتفاع جديد للأسعار، ويتزامن الانخفاض مع قرب تطبيق قانون “قيصر” الأميركي.
وهناك أسباب عدة لتدهور الليرة السورية ما تزال تعصف باقتصاد النظام السوري، منها:
• انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية، الذي أثر بشكل سلبي على الدول الداعمة للنظام، بسبب اعتمادهم على تجارة البترول بشكل كبير في اقتصاداتهم.. وانخفضت على اثره مساعدات إيران النقدية لسوريا.
• خلو البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي والذهب، حيث يعتبر وجود احتياطي العملات الأجنبية والذهب الركائز الأساسية التي تستند عليها العملات الوطنية. وقد أصبح البنك المركزي فارغا من احتياطي النقد الأجنبي، بسبب توقف إيرادات ترانزيت النقل البري والبحري والجوي، وتوقف حركة التصدير، المساهم الأكبر في إيرادات العملات الاجنبية.
• توقف شبه كامل لعجلة الإنتاج، فأصبح النظام يستورد السلع الضرورية من الخارج، حيث تتم عمليات الشراء بالنقد الأجنبي وخصوصا الدولار، مما أدى إلى زيادة الطلب عليه، ونقصه في السوق، وبالتالي ارتفاع سعره على حساب الليرة المحلية.
• خروج البترول والقمح والبقوليات وعدد من السلع الاستراتيجية الهامة من أيدي النظام.
• انخفاض الناتج القومي المحلي في سورية، وتوقف عجلة الإنتاج والاقتصاد بدرجة كبيرة. بسبب قيام النظام بتدمير المصانع وخطوط الإنتاج، وتدمير البنية التحتية التي تعتبر أهم دعائم الاقتصاد.
• ارتفاع مستوى الفقر عند السوريين، بسبب النزوح في الداخل والهجرة للخارج، وتحول ما يزيد عن نصف السكان من عاملين منتجين إلى مستهلكين عاطلين عن العمل.
• توقف التحويلات المالية من الخارج، حيث بات السوريون في الخارج معنيون بدعم وإغاثة أهاليهم الذين تحولوا إلى نازحين داخل القطر، ولاجئين في بلاد الشتات.
• بالإضافة الى جائحة كورونا وعاصفة النفط واستمرار واشنطن في سياسة الضغط القصوى على إيران، الداعم الرئيس لبشار الأسد، ظروف أربكت طهران ودفعتها إلى الانكفاء والانشغال بهمومها الداخلية، واضطرتها لتحجيم أذرعها الخارجية وخصوصا في سوريا والعراق ولبنان.
• ضعف إيران الداعم شبه الحصري لنظام بشار الأسد، عمق من جروح الأخير، وزاد من تفاقم أزمته المالية الاقتصادية التي يعاني منها منذ سنوات، وتسبب في انهيار الليرة السورية أمام الدولار.
• ومما زاد في نكبة النظام، ارتفاع وتيرة الخلافات البينية داخل بنيته الأساسية، وضمن الدائرة الضيقة للعائلة الحاكمة. هذه الخلافات والتصدعات بدأت تظهر للعلن.
• قانون “قيصر” الأميركي ساهم في انخفاض قيمة الليرة السورية، “ويعد هذا القانون لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019»، المعروف بـ«قانون قيصر»، تكريما لمصور سوري اسمه السري «قيصر» ووثق بعدسته عشرات آلاف حوادث سوء معاملة وانتهاك لمواطنين سوريين على يد أتباع النظام السوري بعد اندلاع الاحتجاجات السلمية في أذار/ مارس 2011.
• “قانون قيصر” شدد القبضة على اقتصاد النظام لإرغامه على تطبيق القرارات الدولية، وخاصة القرار رقم 2254 الذي يدعو إلى قيام حكومة انتقالية وعملية تغيير سياسي سلمي للسلطة. وخيار السوريين بين مصيبتين: الخضوع لظلم النظام الجائر، مع ما يرافق ذلك من قتل وظلم وتجويع، أو مواجهة آثار العقوبات على أمل أن يستعيد النظام رشده، أو يتم إرغامه على الاستسلام أمام الضغط الشعبي والموقف الصارم لأكثرية القوى الدولية.
كل هذه العوامل دفعت الليرة للانهيار غير المسبوق في قيمة العملة السورية من بداية يونيو/ حزيران الجاري، المعارضة والمجالس المحلية إلى دعوة صريحة لتداول الليرة التركية، وتسعير المواد الغذائية الأساسية كالخبز، إضافة إلى أسعار الذهب، للحفاظ على قوتها الشرائية.
وكان هذا من خلال ما قامت به فصائل معارضة تدعمها أنقرة بإدخال أوراقاً نقدية ومعدنية تركية إلى شمال سوريا كي يتعامل بها المواطنون، بدلاً من الليرة السورية، بالتزامن مع قيام دمشق باتخاذ إجراءات لضبط تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي.
وأدخلت أنقرة خدمات البريد، عبر هيئة البريد التركية، فضلاً عن مشروعات الكهرباء، وترميم المدارس وإعادة تأهيلها وتشغيلها عبر وقف «المعارف» التركي للتعليم.
وتقوم فروع هيئة البريد بخدمات البريد والاتصالات والصيرفة والخدمات اللوجستية والشحن وصرف رواتب المدرسين والموظفين العاملين في وقف «المعارف» والجنود الأتراك، فضلاً عن رواتب الشرطة المحلية التي تشكلت بمعرفة تركيا.
ويرى بعض السكان المحليين في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، الدور الإيجابي لمساهمة الليرة التركية في إنعاش الأسواق، بعد البدء في تداولها بدلا من العملة المحلية التي شهدت قيمتها هبوطا قياسيا خلال الفترة الماضية.
حيث قال صاحب مكتب صيرفة في بلدة سرمدا بإدلب: إن أسواق إدلب شهدت انتعاشا مع تداول الليرة التركية في المنطقة، وأكد أن الوضع الاقتصادي تحسن إلى حد ما مع دخول الليرة إلى المنطقة، معربا عن أمله في اتساع نطاق تداول الليرة التركية في كافة القطاعات بإدلب، وأن العمال في المنطقة بدأوا يأخذون أجورهم بالليرة التركية.
قال وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري للأناضول، إن تداول الليرة التركية سيسهل حياة الناس بالمنطقة، وبرر المصري أن اعتماد العملة التركية يهدف لحل الأزمة التي سببها انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار.
وأشار المصري إلى ضخ كميات من العملة التركية في السوق للتداول، وهو ما ساهم في استقرار الوضع المالي بالمنطقة وحماية القدرة الشرائية للمواطنين والتجار، في عملية الاستعاضة عن الليرة السورية بعملات أكثر استقرارا بعد الخسائر الفادحة التي تعرضت لها.
وفكرة الاستعاضة عن العملة السورية بالتركية في مناطق سيطرة المعارضة ليست بالجديدة، فقد كانت طرحت في مناسبات سابقة، لكنها لم تفعّل بشكل واسع.
وأضاف المصري، إن “كل التعاملات لدى مؤسسات الحكومة المؤقتة ستكون بالليرة التركية أو الدولار. على سبيل المثال، مؤسسة الحبوب تشتري القمح وتبيع الطحين بالدولار، أما الخبز فسيتم بيعه بالليرة التركية”.
ويرى بعض المراقبين المحليين، الوضع الاقتصادي والمعيشي بالنسبة للمواطن في الشمال السوري بات مرتبطاً بالاقتصاد التركي إلى حدٍ بعيد، في التجارة والاستهلاك وغيرها من الاحتياجات الاقتصادية وأجور الموظفين والعمال، وتحديداً في المناطق الشمالية لمحافظة حلب الخاضعة للنفوذ التركي، من خلال تسليم الرواتب بالعملة التركية، وأحياناً بالدولار الأميركي، وقليلاً جداً ما يتم التداول بالعملة السورية، مع تراجع تداولها في الأيام الماضية، نظراً لتراجع قيمتها الشرائية»، لافتاً إلى أن عملية استبدال العملة التركية بالسورية فقط لا يكفي في إدلب، و«يجب أن يترافق الاستبدال مع إصلاحات اقتصادية واستعدادات من قبل الجانب التركي، والفاعليات الإدارية في إدلب، وربط كل الجوانب الاقتصادية والمالية التجارية وأجور الموظفين في المنظمات وأصحاب الأعمال الحرة بالعملة التركية».
من جهتها، أصدرت «حكومة الإنقاذ»، المدعومة من «هيئة تحرير الشام»، قرارين بـ«زيادة رواتب العاملين في الجهات العامة، وتثبيتها بالدولار الأميركي. ولعدم وجود فئات نقدية صغيرة من الدولار، كان لا بد من دفع الرواتب بعملة أخرى، وبما يعادل قيمتها. وبسبب الانهيار المتواصل لليرة السورية، وتحقيقاً لرغبة العاملين بعدم صرف رواتبهم بالليرة السورية، بدأت الحكومة (المؤقتة) بصرف الرواتب بالليرة التركية لأول مرة».
احتجاجات:
من الجهة الأخرى هناك بعض المعارضين لاستبدال الليرة السورية بالتركية، وهذا يدل على عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي السوري، حيث شهدت مدينة تل أبيض شمال الرقة في سوريا إضرابا عاما ومظاهرات احتجاجا على قرار بيع مادة الخبز بالليرة التركية بالإضافة لارتفاع سعر الخبز.
وتراجعت قيمة الليرة السورية إلى 2650 للدولار الواحد في تداولات قبل عدة أيام بحسب موقع “الليرة اليوم”، في حين كان سعر الصرف لا يتخطى 50 ليرة للدولار الواحد قبل 2011.
ختاما.. فإن الاقتصاد السوري وصل إلى مرحلة الخروج عن أي توازن، والتضخم بات 50% خلال شهر، وهو خارج عن سيطرة البنك المركزي السوري ولا يستطيع أحداً التنبؤ إلى أين سيتجه الاقتصاد السوري.
وحد الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية