يوم أمس، كان يومًا استثنائيًا من حيث التزامن في انتهاك سيادة العراق الداخلية والخارجية، الأولى عندما أقدمت المليشيات الولائية باستهداف التواجد العسكري الأمريكي في مطار بغداد، أما الثانية، عندما اخترقت المقاتلات التركية المجال الجوي العراقي وقصفت مواقع لحزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق، وقد تزامن هذا القصف مع قصف قوات إيرانية لأربع مناطق حدودية في شمالي العراق وتحديدا منطقة حجي عمران والمنطقة الحدودية بين إيران وإقليم كردستان العراق، في مناطق جومان والانان، بحجة تمركز أحزاب كردية معارضة لإيران في هذه المناطق.
فيما يتعلق بالانتهاك الداخلي لسيادة العراق، يمكن القول أن الحكومات العراقية السابقة تعودت -منذ بروز ظاهرة المليشيات في عراق ما بعد عام 2003م- على انتهاك السيادة الداخلية من قبل المليشيات الولائية، في سياق الصراع الأمريكي الإيراني على العراق، لكن حكومة مصطفى الكاظمي التي تسعى إلى فرض هيبة الدولة العراقية لن تقبل بأن يستمر هذا الأمر، وأن يترك للمليشيات الولائية قرار صنع حاضر ومستقبل العراق، والتي همها الأول والأخير تنفيذ جدول أعمال إيران في العراق، ولا مانع لديها من أن تذهب بالعراق – لا قدر الله – إلى الجحيم طالما ذلك ينسجم ويتناغم مع مصلحة إيران العليا، ولا أبالغ بالقول إن طلب منها ذلك، ستفعل بضمير مفعم بالراحة!! فهل يعقل ذلك؟!!
لكن مصطفى الكاظمي بخلفيته الأمنية وحسه الوطني السليم، لن يقبل بتاتًا أن يكون العراق هو الملعب المفضل لإيران في تصفية حساباتها أو مساومة أو إبتزاز الإمريكيين، والعكس صحيح تمامًا. فالكاظمي مع عراق وسيط يعمل على تقريب وجهات النظر بين الدولتين بما يخدم مصالح دولته العليا وليس مصلحة طهران أو واشنطن على حساب العراق، فهذا الأمر مرفوض تمامًا لدى الكاظمي، فهو مع مبدأ ” الكل يربح”.
الكاظمي يدرك جيدًا منذ تسلمه رئاسة حكومة العراق بأن المهمة ليست سهلة بل محفوفة بالمخاطر والتحديات ومن ضمنها التحدي الأمني وتطبيق سيادة القانون ناهيك عن التحدي الإقتصادي المتمثل باستلامه الدولة بخزينةٍ شبه خاوية أرهقها الفساد، والوضع الصحي الذي برز مؤخرًا مع جائحة كورونا.
المليشيات الولائية ليست مجرد تهديد لحاضر العراق ومستقبله وحسب، بل ان مجرد وجودها يعد انتهاكا فاضحا لسيادة العراق الداخلية. وهذا الأمر لن يستمر في ظل حكومة مصطفى الكاظمي الذي يسعى بكل جهدٍ إلى فرض عناصر القوة غير المادية” الهيبة، الطاعة، النفوذ ” على كامل التراب العراقي من أفراد ومؤسسات.
أما الإنتهاك الخارجي للسيادة العراقية، يعد الخرق الجوي التركي والقصف الإيراني، فهو انتهاك صارخ لمبادىء القانون الدولي العام وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على احترام سيادة الدول، وأن الخلافات بين الدول تحل بالطرق الدبلوماسية، وأن حجتهما لانتهكامها سيادة العراق من أجل الحفاظ على الأمن القومي لبلديهما، هذه حجة منطقها ضعيف جدا، لأن الحفاظ على الأمن القومي التركي والإيراني لا يكون على حساب سيادة العراق وأمنه.
فإذا كانت حدود إيران وتركيا المشتركة مع العراق تشكل لهما مخاوف أمنية يمكن علاج ذلك بالطرق الدبلوماسية أو بالتعاون الأمني والعسكري رفيع المستوى، وليس بانتهاك سيادة العراق، لأن هناك قاعدة قانونية في القانون الدولي العام وهي قاعدة ” المعاملة بالمثل” بمعنى هل تسمح إيران وتركيا في حال مطاردة القوات العسكرية والأمنية العراقية لتنظيم داعش الإرهابي، واضطر عناصر التنظيم من دخول أراضي تلك الدولتين هربًا من القوات العراقية، ولكي تحمي تلك القوات أمنها الوطني، فهل تسمح تركيا وإيران للقوات العراقية بمطاردتها داخل أراضيهما؟ وهل ستمسح إيران للمدفعية العراقية بقصف فلول تنظيم داعش الإرهابي على أراضيها، وهل ستسمح تركيا للقوة الجوية العراقية باختراق أجوائها لقصف تنظيم داعش الإرهابي؟
يكاد يكون الجواب “لا”، بمعنى آخر.. لإيران وتركيا حق في انتهاك سيادة العراق، والعكس غير صحيح، وربما هذا الأمر يفهم في إطار تجليات القوة في العلاقات الدولية على المستوى الإقليمي.
لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق في حال استمرار انتهاك سيادة العراق الداخلية والخارجية، ما مصير العراق؟!
وحدة الدراسات العراقية