هل يقرأ أردوغان الرسالة؟

هل يقرأ أردوغان الرسالة؟

مع الإقرار بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسكون بذكريات الهيمنة العثمانية على نصف العالم، يحتاج، اليوم، إلى حروبه الخارجية في ليبيا وسوريا والعراق، أولا، لإقناع نفسه ومؤيديه بأنه وفيّ لأجداده، وقادر على إحياء تلك السلطنة التاريخية وبعثها من جديد، وثانيا، لتصدير مشاكله الداخلية إلى الخارج، وتأليب الشعب التركي على معارضيه العلمانيين والقوميين ورفاقه السابقين في حزب العدالة والتنمية ذاته، وثالثا لاستخدام الثروات الليبية لدعم اقتصاده المتعب، ولإرضاء التجار ورجال الأعمال الأتراك، وحملهم على تأييده باعتباره البطل القومي العنيد.

وهناك سبب آخر لا يقل أهمية في دوافع أردوغان إلى المغامرة الليبية. إنه الحقد الذي يكنه للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرغبة الجامحة في الثأر منه، ومعاقبته على اصطفافه مع ثورة الجماهير المصرية في 30 يونيو 2013، وقيامه باجتثاث حركة الإخوان المسلمين.

ويكفي لمضاعفة الحقد الأردوغاني على غريمه السيسي فشل ست سنوات من التشويه والتلفيق والتشويش الإعلامي والسياسي، والدعم والتمويل والتسليح والتدريب لعصابات (الجهاد) الإسلامي في سيناء وفي غيرها، والفشل الدائم في تأليب الشعب المصري ضد الحكم.

مع تزايد الدعم الشعبي المصري والعربي والدولي للنظام المصري، وتسارع حركة الإعمار والبناء والأمن الذي تحقق في مصر في عهد السيسي، الأمر الذي زاد من إصرار المصريين على رفض عودة الإخوان المسلمين إلى الحكم، وضاعف اقتناعهم بأن أردوغان والقطريين هم أعداء حقيقيون لا همَّ لهم سوى زعزعة أمنهم واستقرارهم.

مصر لن تكون وحدها في حربها مع أردوغان وحلفائه في ليبيا. فقد توالت عليها المواقف الداعمة والمؤيدة لموقفها الأخير، وخصوصا من حكومات عربية أغنى كثيرا من قطر

والآن، وبعد الخطاب الأخير الذي تعمد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن يلقيه في قاعدة جوية مصرية على الحدود الليبية، وبحضور وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الفروع الرئيسية للقوات المسلحة، هل يقرأ أردوغان هذه الرسالة الموجهة إليه وإلى حلفائه ومموليه القطريين، وإلى قادة الميليشيات الإخوانية، والتي تريد أن تقول إن لصبر المصريين حدودا، وإن مصر الحكومة والجيش والجماهير ليست لقمة سائغة؟

فبعد المبادرة المتوازنة التي طرحها السيسي وحظيت بتأييد عالمي وإقليمي واسع، ورفضها من تركيا ومن حكومة فايز السراج، لم يعد مقبولا من مصر أن تسكت، وهي ترى حدودها الغربية مهددة بالاجتياح.

وبإعلان السيسي أن مدينتي سرت والجفرة في ليبيا خط أحمر يكون قد حزم أمره على خوض ما ليس من خوضه بد، رغم مرارة خيار الحرب وتكاليفها.

والآن أصبح علينا أن نرى ما يكون لو دخل الجيش المصري والجيش التركي عمليا وعلنيا في حرب حقيقية داخل ليبيا، وفي مياهها وأجوائها؟وأول ما نسجله هنا في هذا الخصوص أن أردوغان أعلن صراحة أن هدفه استغلال الثروات الليبية وفرض الهيمنة على الهلال النفطي قبل سواه، وبالمقابل يؤمن المواطن الليبي بأن مصر لم يثبت عليها طمع من هذا النوع.

وشيء آخر، إن أردوغان صرح علنا بأنه قادم لإحياء الاستعمار العثماني السابق لليبيا، دفاعا عن ليبيين من أصول تركية، وهذا لوحده يعيد إلى الشعب الليبي ذكريات الأيام الخوالي التي ذاق فيها مرارة المستعمر العثماني المتخلف المستبد.

فقد خاطب كتلته النيابية قائلا إن ليبيا كانت “لعصور طويلة جزءا هاما من الدولة العثمانية”، “إن نصرة أحفاد أجدادنا في شمال أفريقيا تأتي على رأس مهامنا”، و”إن أبناء كور أوغلو سواء عندنا مع تركمان سوريا والعراق وأتراك البلقان وأتراك الأهسكا في القوقاز”.

أما السيسي فآت لدعم الشعب الليبي ممثلا ببرلمان منتخب، ولنجدة القبائل العربية الليبية التي استغاثت به، ولمناصرة الجيش الليبي الذي برهن عمليا على رغبته وقدرته على فرض سلطة القانون، وتحقيق الأمن في المناطق التي حررها من سطوة الميليشيات.

أردوغان آت للابتزاز والاستعمار، بدعمه لميليشيات أجمع الليبيون على أنها عصابات منفلتة عبثت بأمنهم، واعتدت على حرماتهم، وقتلت أبناءهم. والمقابر الجماعية في ترهونة شاهدة على ذلك بغير جدال.

وكما كان متوقعا فإن مصر لن تكون وحدها في حربها مع أردوغان وحلفائه في ليبيا. فقد توالت عليها المواقف الداعمة والمؤيدة لموقفها الأخير، وخصوصا من حكومات عربية أغنى كثيرا من قطر، وأقدر منها على رفد الجيش المصري بالأسلحة والمعدات، وربما بالمتطوعين، دون أن ننسى المواقف الفرنسية والروسية واليونانية والقبرصية من تركيا ومن الأضرار التي يلحقها أردوغان بمصالحها العليا.

يكفي لمضاعفة الحقد الأردوغاني على غريمه السيسي فشل ست سنوات من التشويه والتلفيق والتشويش الإعلامي والسياسي، والدعم والتمويل والتسليح والتدريب لعصابات (الجهاد) الإسلامي في سيناء وفي غيرها

والأهم مما سبق هو بعد المسافة بين تركيا وليبيا، وعدم وجود وسيلة لنقل المقاتلين والسلاح من تركيا إلى ليبيا سوى البحر والجو، والجيش الليبي، بمساعدة الجيش المصري، قادر، ببساطة، على تعطيل هاتين الوسيلتين.

أما مصر الملتصقة بليبيا فإن أحدا لن يستطيع أن يمنع تدفق الإمدادات العسكرية والتموينية منها إلى الداخل الليبي.

وأخيرا، فإن الموقف المصري الحاسم والحازم الأخير يضع أردوغان في الزاوية، فإما أن يتعقل ويجنح للسلم ويرحل ويدع الليبيين يقررون مستقبل بلادهم بحرية، أو أن يخوض حربا تشير الدلائل كلها إلى أنها لن تكون بردا وسلاما عليه وعلى ضباطه وجنوده وحلفائه القطريين وبقايا أعوانه الإخوان المسلمين.

العالم اليوم هو غير عالم السلطان عبدالحميد؛ منطق أردوغان العنصري الطائفي المستفز، يفسد المحبة والمودة لدى ملايين العرب لأشقائهم الأتراك، ويحول رغبتهم في التعايش والتفاهم إلى بغض له، شخصيا، وللشعب التركي الشقيق.

العرب