خسر الإخوان دولتهم في مصر. كان ذلك حدثا موجعا. مصر ليست كسواها من الدول بالنسبة للإخوان. فالجماعة التي كانت محظورة إلى أن استلمت السلطة كانت قد خططت للانتقام من المصريين بسبب موقفهم المناوئ لها. غير أن سنة واحدة لم تكن كافية لإنجاز ذلك الهدف.
لقد استفادت الجماعة من انهيارات النظام السياسي المصري عبر مراحله السابقة. وليست شعبيتها سوى تكريس لواقع، صار بمثابة ماض يجب الانتهاء منه. ذلك ما تقاومه الجماعة التي قررت أن تقاتل إلى النهاية. فمعركتها الحقيقية هي على أرض مصر.
لن تصدق الجماعة أنها خسرت مصر. واتساقا مع الخطاب العربي فإن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب كلها فإن الجماعة تتحين الفرص لكي تكون قريبة من مصر. حتى في مرابع الليل الأوروبية والأميركية وفي المنتجعات هناك مَن يرفع علامة رابعة تأييدا للإخوان. ما فعله ممثلو حزب الكرامة الإسلامي في مجلس النواب التونسي حين رفعوا صورة محمد مرسي باعتباره رئيسا مغدورا هو جزء من تلك الحرب.
أما حين فتح الرئيس التركي أردوغان باب فرج جديد في ليبيا فإن الجماعة ألقت بكل ثقلها من أجل أن تحسم الحرب لصالحها فقد تكون آخر حروبها. إن خسرتها فإنها ستدخل في غياب طويل. لذلك جهزت لأردوغان ما يحتاج إليه من عدة بشرية من بين أتباعها السوريين المغسولة أدمغتهم بحيث لم تعد سوريا قضيتهم الوحيدة بل صاروا يقاتلون كمرتزقة أينما تتطلب الحاجة الاخوانية. إنهم جيش الإخوان الخفي الذي حط ركابه قريبا من مصر.
لو نجح أردوغان في مغامرته الليبية فإن جماعة الإخوان ستكون مستعدة لإعلان دولتها في ليبيا. تلك دولة سيكون الهدف من إنشائها تهديد الأمن المصري مستفيدة من حدود طويلة لا يمكن ضمان السيطرة عليها. يومها يكون الإخوان قد استعادوا عنصر المبادرة التي ستشجع خلاياهم النائمة داخل مصر على إرباك المشهدين السياسي والاجتماعي وممارسة مختلف نشاطاتهم الإرهابية.
ومنذ بدء التدخل التركي كانت مصر تراقب تطورات الموقف العسكري وحين تبيّن لها أن الهدف من ذلك التدخل لم يكن الدفاع عن طرابلس وإبعاد خطر الجيش الليبي عنها من أجل تحقيق نوع من توازن القوى تمهيدا لمفاوضات سياسية، بل تخطى ذلك إلى محاولة انتزاع مدن تدخل في إطار الأمن المصري أدركت أن المخطط الإخواني قد وضع على الطاولة ولم يكن أردوغان إلا المنفذ لذلك المخطط.
رد الفعل المصري لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا وجاء في وقته.
الخط الأحمر الذي تحدث عنه الرئيس المصري إنما يؤكد عزم مصر على إفشال المخطط الإخواني، حتى لو تطلب الأمر الدخول في حرب، سيكون على مصر أن تحسمها بسرعة خاطفة من أجل أن لا تكون مقدمة لتورط طويل الأمد.
وفي كل الأحوال فإن خيار الحرب مستبعد. فلا تركيا ولا حكومة الوفاق على استعداد لتوسيع رقعة الحرب في ظل استنفار دولي ضد التدخل التركي الذي يمكن أن يقود إلى تحويل ليبيا إلى نسخة من سوريا.
دولة الإخوان لن تقوم في ليبيا، غير أن مجرد التخطيط لها والسعي إلى إنشائها يمليان على دول المنطقة كلها مسؤولية التفكير في اتخاذ إجراءات موحدة من أجل تضييق الخناق على جماعة الإخوان المسلمين وقطع طرق التمويل من خلال تجفيف منابعه. وهو ما يجب أن يُطبق على تركيا أولا طالما أن رئيسها قد وضع نفسه وحزبه في خدمة الإرهاب الإخواني.
لا يمكن هزيمة المشروع الإخواني في ليبيا من غير الاتفاق دوليا على إنهاء المغامرة الأردوغانية. في انتظار ذلك الاتفاق سيكون على مصر أن تجهض ذلك المشروع قبل أن يتحول إلى دولة ستكون مضطرة إلى إعلان الحرب عليها.
العرب