ـ اقتحمت عناصر من كتائب حزب الله العراقي المقربة من إيران، الجمعة، مقرا لجهاز مكافحة الإرهاب التابع للجيش العراقي، بالمنطقة الخضراء، وسط العاصمة بغداد، وفق مصدر أمني.
يأتي ذلك عقب ساعات قليلة من توقيف الأمن العراقي، 13 شخصا، بينهم إيراني الجنسية، خلال عملية مداهمة مقر كتائب حزب الله العراقي، جنوب بغداد.
وقال المصدر الأمني في تصريحات صحفية، إن مجموعة من عناصر كتائب حزب الله العراقي، اقتحمت مقرا لـ”جهاز مكافحة الإرهاب” في المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، وسط بغداد.
وأوضح المصدر، مفضلا عدم ذكر اسمه كونه غير مخول للحديث مع الإعلام، أن مشادة كلامية وقعت بين عناصر كتائب حزب الله العراقي وحراس المقر، إثر محاولة الاقتحام.
وأضاف أن مقر جهاز مكافحة الإرهاب الذي تم اقتحامه كان خاليا، نظرا لاتخاذ مقر جديد قرب مطار بغداد، ما أدى إلى انسحاب عناصر الكتائب.
وأكد المصدر الأمني أن تلك العناصر انتشرت في محيط المنطقة الخضراء (بها مقر السفارة الأميركية)، دون تفاصيل أكثر.
وفي تعليق على الموضوع، أعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية الجمعة أن جهاز مكافحة الإرهاب قام بعملية أمنية بمهنية عالية واعتقل 14 متهما بتنفيذ عمليات إرهابية .
وأوضح البيان “بهدف إحاطة الشعب العراقي والرأي العام بالحقيقة لما يتعلق بهذا الموضوع والتطورات الحاصلة بشأنه ليلة 26/25 يونيو الجاري نبين أنه توفرت معلومات استخبارية دقيقة عن الأشخاص الذين سبق وأن استهدفوا المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي بالنيران غير المباشرة عدة مرات ورصدت الأجهزة المعنية نوايا جديدة لتنفيذ عمليات إطلاق نار على أهداف حكومية داخل المنطقة الخضراء”.
وذكر البيان أنه “تم تحديد أماكن تواجد المجموعة المنفذة لإطلاق النيران استخبارياً، وأعدّت مذكرة إلقاء قبض أصولية بحقهم مِن القضاء العراقي وفق قانون مكافحة الإرهاب وتم تكليف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ واجب إلقاء القبض والحيلولة دون تنفيذ العمل الإرهابي ضد مواقع الدولة، حسب الاختصاص، ونفذ الجهاز المهمة بمهنية عالية، ملقياً القبض على أربعة عشر متهماً”.
وفي وقت سابق الجمعة، داهم الأمن العراقي مقر الكتائب، في عملية هي الأولى من نوعها في العراق ضد فصيل مسلح نافذ، إذ تعد كتائب حزب الله جزءا من الحشد الشعبي الذي يتبع رسميا للجيش، غير أن العديد من فصائله مقربة من إيران.
وردا على تصاعد الأحداث، دعا رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، في بيان، إلى “ضبط النفس والحذر من محاولات الوقيعة بين شركاء الوطن الواحد”.
متابعا أن “الدولة دولتنا وقوات مكافحة الاٍرهاب أبناؤنا الذين نعتز بجهادهم وبسالتهم، ولا يجوز الانتقاص منه، ومن كل قوة وطنية للدولة”، وفق البيان ذاته.
وتعد عملية الاعتقال الأكثر جرأة منذ سنوات من قوات الأمن العراقية ضد فصيل شبه عسكري قوي تدعمه طهران واستهدفت كتائب حزب الله، التي يتهمها مسؤولون أميركيون بإطلاق صواريخ على قواعد تستضيف القوات الأميركية ومنشآت أخرى في العراق.
وأشار رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي إلى أنه سيكون صارما مع الفصائل المسلحة التي تستهدف منشآت أميركية. وهذه المداهمة التي وقعت بعد منتصف الليل أول إشارة عزم الكاظمي تنفيذ وعوده بالحد من خطر الميليشيات الإيرانية والسيطرة على المنافذ الحدودية في البلاد.
وقال مصدر حكومي ومسؤولان أمنيان آخران إن الأشخاص الذين تم اعتقالهم في منطقة الدورة في جنوب بغداد، ضبطوا وفي حوزتهم صواريخ معدة للإطلاق.
ومنذ أكتوبر 2019، استهدف أكثر من 33 صاروخا منشآت عراقية تستضيف دبلوماسيين أو جنودا أجانب، منها ستة هجمات خلال الأسبوعين الماضيين فقط.
وتبنت جهات غامضة عدداً قليلاً من تلك الهجمات، اعتبرها محللون واجهة مزيفة للفصائل الموالية لإيران.
وفي دلالة على خطورة الوضع، عقد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الأسبوع الماضي اجتماعاً لمجلس الأمن الوطني لمناقشة مسألة الصواريخ، وتعهد ملاحقة المسؤولين عنها.
كما تعهد، بتنفيذ حملة لاستعادة السيطرة على المنافذ الحدودية في البلاد، وإعادة الاعتبار لها.
وفي بيان صادر عن مكتبه قال “نتكبد خسائر بمليارات الدولارات سنويا في المنافذ، من عصابات وجماعات وقطّاع طرق وأصحاب نفوذ يسيطرون في بعض الأحيان على المنافذ”.
وهو ما يشير إلى أن الكاظمي يسعى إلى استعادة أمن وسيادة العراق من ميليشيات ايران، وإعادة هيبة الدولة العراقية بتجفيف منابع الإرهاب.
يذكر أن جهاز مكافحة الإرهاب في العراق يضم قوات النخبة الأفضل عتاداً وتدريباً، وقد أنشأه الأميركيون بعيد الغزو في العام 2003، وعادة ما تناط به المهمات الأكثر صعوبة.
وقبل بداية الانتفاضة الشعبية التي شهدها العراق في أكتوبر الماضي، أعفى رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، قائد قوات مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي من منصبه، ليعود الكاظمي ويعينه رئيساً للجهاز مؤخراً. وينظر كثيرون إلى الكاظمي والساعدي على أنهما مقربان من الأميركيين.
وبلغ التوتر ذروته بين واشنطن وطهران في يناير عندما قتلت الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بغارة نفّذتها طائرة مسيّرة في بغداد.
وردا على العملية، صوّت النواب الشيعة في البرلمان العراقي على إنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد بينما هددت واشنطن بفرض عقوبات مشددة على بغداد.
وأواخر مارس، تراجعت حدة السجال بينما تباطأت بشكل كبير وتيرة الهجمات الصاروخية التي أسفرت عن مقتل ثلاثة أميركيين وبريطانية، لكنها تسارعت مجددا قبل أسبوعين مع بدء الولايات المتحدة والعراق محادثات ثنائية.
وتهدف المحادثات التي انطلقت في 11 يونيو إلى وضع إطار عمل لوجود القوات الأميركية في البلاد وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية.
وفي إطار الحوار “الاستراتيجي” بين البلدين، تعهّدت واشنطن مواصلة خفض عديد جنودها في البلاد والذين بلغ عددهم نحو 5200 العام الماضي.
في الأثناء، تعهّد العراق أن يحمي على أراضيه العسكريين المنضوين في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش.
وكتائب حزب الله جزء من الحشد الشعبي الذي تشكل بفتوى دينية في العام 2014 لمواجهة تنظيم داعش وتم اعتباره في ما بعد جزءاً من القوات العراقية الرسمية.
وبات الحشد الشعبي الذي قاتل الجهاديين إلى جانب القوات الأمنية العراقية وتحت مظلة طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، قوّةً لها حسابها في البلاد مع عشرات المقاتلين وثاني أكبر تمثيل في البرلمان.
لكن الحشد يؤكد مراراً أن لا علاقة له بالهجمات الصاروخية.
من جهته، رحّب فصيل كتائب حزب الله بالهجوم الصاروخي الذي أودى بجنود أميركيين وبريطانيين دون أن يتبناه، مندداً بما أسماه “قوات الاحتلال”.
وأكد الخبير بالشأن العراقي مايكل نايتس أن عديد ومستوى تدريب مقاتلي كتائب فصيل حزب الله يجعله “القوة الثالثة في محور المقاومة في الشرق الأوسط، بعد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني” الذي يتشارك معه الاسم ولكن لا يرتبط به تنظيمياً.
وتستبق عملية المداهمة زيارة لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى طهران يرى مراقبون أنها لتحديد ملامح الموقف الإيراني الحقيقي من حكومته وسياساتها في المرحلة المقبلة.
العرب