في 25 حزيران/ يونيو، ألقت قوّات “جهاز مكافحة الإرهاب” العراقي القبض على 14 عنصراً من «كتائب حزب الله» أثناء قيامهم بإعداد هجمات صاروخية على مطار بغداد والسفارة الأمريكية. وردّاً على ذلك، قامت قيادة «الكتائب» – منظمة إرهابية مدرجة من قبل الولايات المتحدة على لائحتها للإرهاب، والتي هي أكبر الميليشيات المدعومة من إيران في «قوات الحشد الشعبي» العراقية – بعرض قوّتها في “المنطقة الدولية” ببغداد، مطالبةً الحكومة بإطلاق سراح الرجال المحتجزين ووضعهم في عهدتها. وتُظهر الحادثة أنّ الحكومة العراقية مستعدة بل غير قادرة بَعْدْ على حماية نفسها من الميلشيات القوية أو فرض سيادة القانون وإصلاح قطاع الأمن.
شرح موجة الأعمال
استهدفت عملية المداهمة التي قام بها “جهاز مكافحة الإرهاب” قاعدةً تابعة لـ «كتائب حزب الله» في منطقة الدورة في بغداد التي تقع جنوب “المنطقة الدولية”. وقد استولى عددٌ من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على مساحات من الأراضي في هذه المنطقة منذ عام 2003، وهي غالباً مزارع مملوكة لأعضاء سابقين في نظام صدام حسين.
وقد توصّلت المخابرات العراقية إلى جمع الأدلّة اللازمة لتأمين [إصدار] مذكّرة تفتيش واعتقال للقيام بعملية المداهمة. ولطالما استخدم “جهاز مكافحة الإرهاب” آليّة قضائية داخلية تسمح بشنّ عمليّات مداهمة تستند إلى مذكّرات وتُنفَّذ في الوقت المناسب. وفي هذه الحالة، تم استخدامها لإصدار أمر قانوني لمنع الهجوم الصاروخي واحتجاز أي مشتبه بهم في الموقع. وهذه هي المرة الأولى التي حاولت فيها الحكومة العراقية إحباط مثل هذا الهجوم ونجحت فيه، استناداً إلى معلومات استخباراتية استباقية.
وتُعتبر الاعتقالات استثنائية بسبب الحصانة التي تمتّعت بها «كتائب حزب الله» في السنوات الأخيرة، وكان من المحتّم أن تقوم «الكتائب» بالردّ على ذلك. وبعد عملية المداهمة، قام قائد عمليات «الكتائب» الملقّب بـ “أبو فدك” (المعروف أيضاً باسم عبد الكريم الزيرجاوي) بتجميع قوّة مكونة من حوالي 150 مقاتلاً جرى نقلهم في ما يقرب من 30 شاحنة صغيرة، من بينها واحدة على الأقل تحمل مدفعاً مزدوجاً مضاداً للطائرات من عيار 23 ملم والعديد من الشاحنات الصغيرة الأخرى المدرعة المحملة بمدافع رشاشة. وتوجّهت القوة إلى مقرّ إقامة رئيس الوزراء وطالبت بإطلاق سراح المشتبه بهم ووضعهم في عهدتها.
وفي خطوة توفيقية، وُضِع السجناء على ما يبدو تحت رعاية مديرية أمن «الحشد الشعبي»، اسمياً لأنهم أعضاء في «قوات الحشد الشعبي» وبالتالي خاضعين للانضباط العسكري في «قوّات الحشد». إلّا أنّ المديرية هي تحت قيادة أبو زينب اللامي (حسين فلاح اللامي)، قيادي في «كتائب حزب الله»، مما يلقي بظلال الشك على النوايا التي أدّت إلى نقل المحتجزين. ومنذ ذلك الحين، دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جميع أجهزة الأمن العراقية إلى إجراء تحقيق مشترك بين القوّات المسلّحة في القضيّة. وإذا أَجبَر الضغط السياسي «كتائب حزب الله» على احترام آلية اللجنة القضائية، فسيتولّى القضاء العسكري العراقي الرسمي البت في القضية بدلاً من الانضباط الداخلي لـ «قوات الحشد الشعبي».
أهمية الخطوة للعراق
إذا تمكّنت الحكومة العراقية من مواصلة مسارها في هذا الاتجاه ومقاضاة المشتبه بهم، فستكون القضيّة بمثابة تعريف رسمي غير مسبوق لأعمال عنف مرتكبة ضدّ الولايات المتحدة، كونها جريمة إرهابية ضد الدولة العراقية. فقبل عام 2011، كانت اعتقالات مقاتلي «كتائب حزب الله» المتعلقة بمكافحة الإرهاب نادرة للغاية واستندت عادة على المخابرات الأمريكية التي لم يكن بالإمكان تقديمها كدليل في المحاكم العراقية. وكانت ما يسمى بـ “أنشطة المقاومة” ضد الأفراد الأمريكيين والبريطانيين قد وُصفت بأنها أعمال غير إرهابية في قرارات العفو الخاصة بالسجناء العراقيين. وبالكاد تحسّن هذا الوضع في السنوات اللاحقة – فبعد تجديد مهمة الولايات المتحدة في العراق عام 2014، لم يُتهم حتى مقاتل واحد من «كتائب حزب الله» بالقيام بأعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة، رغم الهجمات الصاروخية العديدة التي هددت أمريكيين وعراقيين وجرحت وقتلت [العديد منهم]. وبشكل ملحوظ، تم توجيه الاتهامات إلى العناصر الحالية المشتبه بها بموجب قوانين مكافحة الإرهاب العراقية.
ونظراً إلى التداعيات العميقة المحتملة للحادثة، فقد تشعر «كتائب حزب الله» بأنّها مضطرّة إلى تصعيد الموقف. وقد عانت «الكتائب» انتكاسةً تلو الأخرى في الأشهر الأخيرة، وهي: الضرر الذي أُلحِق بسمعتها بسبب الدور الذي اضطلعت به في تنسيق عمليّات قتل المتظاهرين وحالات الاختفاء؛ ومقتل قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني (“عرّاب” «كتائب حزب الله») وأبو مهدي المهندس (المؤسس العراقي لـ «كتائب حزب الله»)؛ والضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية على مواقع «كتائب حزب الله» في العراق وسوريا؛ والاحتجاجات الدينية ضد ترقية “أبو فدك” ليحلّ محل المهندس؛ وتعيين الكاظمي رئيساً للوزراء، وهو ما منعته «كتائب حزب الله» صراحة.
وبالتالي، قد تكون «الكتائب» بالغة الحساسية في حال تعرّضها لإذلال آخر؛ فهناك دلائل سابقة تبيّن الخلل الذي حلّ بتوازنها بسبب سلسلة من الانتكاسات. وتبدو «كتائب حزب الله» أكثر انتظاماً وأقلّ انضباطاً مما كانت عليه في الماضي، حيث تتوعّد القادة العراقيين بإرسال عصابات كبيرة من المقاتلين إلى قلب “المنطقة الدولية” وهم مسلحين ببنادق هجومية وحتى بقذائف صاروخية.
ويجدر بالذكر، أن لدى «كتائب حزب الله» حامية عسكرية كبيرة داخل تلك المنطقة، يبلغ مجموع عناصرها أكثر من ألفي مقاتل في أي يوم معين، ويمكن تعزيزها بسهولة في وقت قصير. وتقع إحدى قواعد «الكتائب» وراء مقر رئيس الوزراء مباشرة، بينما يقع مقر آخر داخل “القصر الجمهوري”، الذي هو الموقع الرسمي لاستقبال الزيارات الرسمية إلى البلاد. وتهدف هذه المراكز إلى تخويف رئيس الوزراء، الأمر الذي جعل من الصعب عليه العمل خارج أي من الموقعين.
وإذا نجحت «كتائب حزب الله» في حماية مقاتليها من العدالة، فستُحرِج حكومة الكاظمي. وسيتم تحديد أوجه الشبه الواضحة بين هذه الحادثة وبين “معركة شارع فلسطين” التي وقعت في بغداد في تموز/ يوليو عام 2018، عندما تم محاصرة عناصر من «كتائب حزب الله» بـ 5 سيّارات مسروقة، إلا أن العناصر قامت بإطلاق النار ورفضت تسليم أنفسها للشرطة. وخلال المواجهة اللاحقة في أحد مكاتب «كتائب الحزب»، رفضت هذه العناصر الاستسلام، حتّى بعد تدخّل وزير الخارجية نفسه، وهو شخصية بارزة في «منظمة بدر» المدعومة من إيران. وبدلاً من ذلك، قامت مديرية أمن «الحشد الشعبي» بإخفائها عن العدالة.
التداعيات على السياسة الأمريكية
إنّ أكثر تدابير الإصلاح الأمني فعاليّة في العراق هي تلك التي يصوّرها العراقيون، وينفّذوها ويفسّروها بأنفسهم، دون أي تدخل دولي علني. وفي هذه الحالة، أطلقت الحكومة رصاصة تحذيرية على «كتائب حزب الله»، ولكنها لم تفلح بالكامل كما كان متوقّعاً، بل لا تزال تشكّل تقدّماً ضمن مجموعة متداعية. ولمساعدة بغداد على مواصلة اتّخاذ قرارات شجاعة وسياديّة، يجب على واشنطن اتخاذ العديد من الإجراءات التعزيزية على النحو التالي:
تشجيع الحكومات الأجنبية على إدراج «كتائب حزب الله» [على لائحة الإرهاب]. تميل بريطانيا كما يميل حلفاء آخرون للولايات المتحدة وبقوة نحو إدراج «الكتائب» على لائحة الإرهاب؛ يجب على المسؤولين الأمريكيين مواصلة حث هؤلاء الحلفاء على المضي قدماً في هذا الاتّجاه، لأنّ مثل هذه الخطوة ستملأ فجوة صارخة في قوائم الإدراجات. وفيما يتعلق ببريطانيا، على سبيل المثال، يُفترض على نطاق واسع أنّ «كتائب حزب الله» نفّذت الهجوم الصاروخي في 11 آذار/ مارس في التاجي والذي أسفر عن مقتل جندي بريطاني. وقد تعطي طبيعة الاعتقالات الأخيرة زخماً أكبر لبريطانيا في عمليّة الإدراج على لائحة الإرهاب، الأمر الذي قد يحفّز بدوره حدوث تحرّكات مماثلة في أوروبا.
مساعدة العراق على ضمان استمراريّة الحكومة. إنّ الواجب الأوّل الذي تتحمّله أي حكومة هو حماية قدرتها الخاصّة على اتّخاذ قرارات مستقلّة، لكنّ حكومة الكاظمي تكافح من أجل العثور على مواقع آمنة يمكنها العمل فيها دون خوف من أن يتم تجاوزها من قبل الميليشيات. ويحتاج العراق إلى تشجيع ودعم قويين لتطوير قوّة أمنية حقيقية بشكل سريع لـ “المنطقة الدولية” والمركز الحكومي – قوة مستعدة وقادرة أيضاً على منع الميليشيات بالقوّة من جلب الأسلحة الثقيلة إلى المرافق الحكومية. ويمكن للجهات الفاعلة الدولية توفير معلومات استخباراتية وقائية وتشجيع من خلال تسجيلات الدخول المنتظمة المتعلقة بالوضع الأمني للحكومة.
دعم السلطة القضائية التي تعمل على مكافحة الإرهاب. أعرب رئيس الوزراء الكاظمي عن ضرورة حماية القضاة العراقيين إذا أُريد للإصلاحات المتعلّقة بسيادة القانون أن تزدهر. وبناءً على ذلك، يجب على الجهات الفاعلة الدولية أن تتفحّص ميزانيّاتها وبرامجها المتعلقة بسيادة القانون بحثاً عن خيارات مساعدة ملموسة وسريعة، التي يمكنها دعم القضاة العراقيين المعنيين بمكافحة الإرهاب ومكافحة الفساد.
مساءلة «كتائب حزب الله» من خلال إطار عمل «الحشد الشعبي». استلزم الأسلوب الذي ضمنت فيه «كتائب حزب الله» نقل رجالَها، تحديدهم صراحةً كأعضاء في الخدمة العسكرية في «قوّات الحشد الشعبي». ويبطّل هذا الادّعاء الذي يصدر عن «الكتائب» بصورة متكرّرة بأن الهجمات الصاروخية وغيرها من هجمات “المقاومة” تقوم بها عناصر من «الكتائب» لا تتقاضى رواتب من «قوات الحشد الشعبي». وعلى هذا النحو، يفتح ذلك المجال أمام الحكومة العراقية لخفض رواتب عناصر «كتائب حزب الله» داخل «قوات الحشد الشعبي»، ومعاقبة، وتدقيق، وربما تفكيك «وحدات الحشد الشعبي» التابعة لـ «الكتائب» (أي الألوية 45 و 46 و 47).
دعم الطبّ الشرعي. لا شكّ أن الاعتقالات ستكشف عن مجموعة كبيرة من الأدلّة. وعلى افتراض أنّ هذه البراهين الكتابية لن تُعاد إلى «كتائب حزب الله» كما حصل مع المشتبه بهم، يجب على الولايات المتحدة مشاركة معرفتها ذات الصلة بـ «الكتائب» للمساعدة في فهم قطع اللغز الجديدة. فعلى سبيل المثال، سيحمل المشتبه بهم والمواد المصادَرة توقيعات بيومتريّة من الممكن أن تتطابق مع الهجمات الصاروخية الأخرى، من بينها الضربات الفتاكة ضد أفراد أمريكيين في 27 كانون الأول/ديسمبر و 11 آذار/مارس. ووفقاً لبعض التقارير تم الاستيلاء على أكثر من اثني عشر هاتفاً ذكيّاً في عمليّة المداهمة، وربما تم العثور أيضاً على العديد من أجهزة الحاسوب، ومحركات الأقراص الصلبة، وأجهزة مختلفة لتحديد المواقع. وقد تؤدّي كلّ هذه المعدات إلى إضافة رؤى جديدة مهمّة عن شبكات «كتائب حزب الله» وأنظمة اتصالاتها. وقد توفّر أيضاً دليلاً على أنّه يبدو أن هناك حركات “جديدة” تندرج تحت المظلّة المعادية للولايات المتحدة مثل «عصبة الثائرين» و «ثأر المهندس» التي ترتبط فعليّاً بـ «كتائب حزب الله».
مايكل نايتس
معهد واشنطن