الباحثة شذى خليل*
على الرغم من تمكن الحكومة الجديدة من تأمين رواتب الموظفين إلا ان المشكلة المالية تبقى أساسية في الاقتصاد العراقي ، ومدى قابليتها للاستمرار والاستدامة في ظل تقلبات أسعار النفط الدولية التي تسبب العجز المالي للموازنة العراقية التي تعتمد في الأساس على إيرادات النفط ، وارتفاع حجم الدين العام، وكذلك المخاطر الناجمة عن التوزيع غير العادل في الموازنة؛ استناداً إلى الاتفاقات السياسية في توزيع الإنفاق العام على المحافظات والإقليم، وكذلك التخصيصات المنخفضة للموازنة الاستثمارية، فضلاً عن تردي شركات القطاع العام وتحولها من شركات منتجة رابحة إلى شركات خاسرة.
إن انخفاض القدرة المالية العامة في تحقيق الكفاءة في الإنفاق يعود إلى تأثير الجانب السياسي في الموازنة العامة ، فضلاً عن عدم اتباع معايير الكفاءة في الإنفاق، واعتماد الاقتصاد العراقي على الإيرادات النفطية بنسبة تتخطى حاجز (88 %)؛ مما يعرضه إلى الصدمات المالية وارتفاع حجم الدين العام، وبالتالي عدم الاستدامة المالية.
وبالنظر لجميع موازنات ما بعد (2003) يلاحظ أن السياسة المالية لم تقم على أساس تنمية الاقتصاد الكلي، وإنما في جانب كبير منها توجه الموارد للجانب التشغيلي في الموازنة العامة.
وكذلك انعدام الانسجام المؤسساتي وتصاعد شبح المحاصصة بالإضافة الى التهديدات الامنية التي يمر بها البلد بشكل مستمر. مما ينعكس على الجانب الاجتماعي، تضمن العديد من المشاكل وخصوصا المتعلقة بالمواطنين عامة منها انتشار الافكار الدخيلة على المجتمع مع توسع حالات الفساد الاخلاقي والتفكك الاسري والمشاكل الاجتماعية الاخرى.
اما المشاكل الاقتصادية، فهي تتضمن الكثير من المعوقات والتي تكون على تماس خاص مع المواطن حيث ان انتشار الفقر والفساد في الدوائر الحكومية بالإضافة إلى البطالة والبطالة المقنعة في أكثر دوائر الدولة والكثير من المشاكل في الادارة الحكومية.
ان هذه المشاكل مترابطة مع بعضها بطريقة طردية مع المشاكل الاخرى حيث ان المشاكل السياسية هي جذر من جذور المشاكل الاقتصادية والأخيرة هي اساس للمشاكل الاجتماعية وهذا ما يعني أن زيادة المشاكل الاقتصادية يؤدي الى زيادة المشاكل الاخرى والعكس صحيح.
وهذا ما يجعل من حل هذه المشاكل ازمة حقيقية تواجه الادارة السياسية بالدرجة الاولى لأنها صاحبة القرار في ذلك، فضلا عن الضرورة الكبيرة للاستشارات العلمية المتخصصة لكل مشكلة على حدة.
تكبد العراق خسائر مالية فادحة جراء تدهور أسعار النفط الناجم عن وباء كورونا، حيث اعدت ميزانية العراق لعام 2020 بعجز قدره 50 ترليون دينار أي ما يعادل 42 مليار دولار. واعتمد هذا الحساب على سعر قدره 54 دولاراً لبرميل النفط.
لكن صدمة الوباء والخلافات بين أعضاء أوبك+ أديا إلى هبوط حاد لسعر الخام الذي وصل في نهاية مارس إلى 23 دولاراً، مما يظهر الفرق الشاسع بين السعر المنخفض الذي وصل الية النفط وبين السعر المعتمد في الميزانية قدره 34 دولاراً. ولما كانت صادرات العراق 3.8 ملايين ب/ي فإن الخسارة اليومية تصل إلى 129 مليون دولار.
انها خسارة فادحة لأن العوائد النفطية تمثل 89% من إيرادات الميزانية العامة و99% من حصيلة الصادرات الكلية، وجرى في الآونة الأخيرة تعديل مشروع الميزانية فأصبح السعر المعتمد 30 دولاراً للبرميل. لكن هذا الإجراء لن يعالج التداعيات الخطيرة للأزمة المالية.
ارتفاع المديونية العامة وحسب مسؤولين ومختصين ، أدى إلى تفاقم الديون العامة التي تصل إلى 125 مليار دولار أي ما يعادل 56% من الناتج المحلي الإجمالي؛ حتى الدين الخارجي لن يكون بشكل يسير بسبب، ازمة كورونا العالمية، وان التصنيف الائتماني للعراق ضعيف جداً. فقد حصل على درجة “بي سلبية” من قبل وكالة فيتش ووكالة ستاندرد آند باورز، والاهم فقدان الثقة بالسياسة الاقتصادية فقد دلت التجربة على أن الأموال الممنوحة بعد القضاء على تنظيم داعش لم تستخدم بصورة مقبولة في إعادة البناء.
وهنا نصل الى حقائق مهمة يجب ان توضع ضمن خطط الدولة والاستفادة من الازمات وما نخرج به من دروس لتصحيح مسار الإصلاح الاقتصادي في العراق:
أثبتت جائحة كورونا بما لا يقبل الشك أن الدول التي تعتمد على استيراد المواد الغذائية والأدوية والمعدات الصحية تعاني من أزمة خطيرة خاصة إذا كانت قابليتها المالية محدودة. وترتفع الخطورة كلما زاد هذا الاعتماد؛ والاعتماد على الصادرات التي تمول الواردات على مادة واحدة كالنفط الذي تدهور سعره بصورة سريعة. والعراق في مقدمة الدول التي تنطبق عليها هذه المواصفات.
• ولمعالجة الازمة المالية الحالية يتعين على الحكومة العراقية اتباع خطوات مختلفة ومنها: تشجيع الاستثمار المحلي الزراعي والصناعي، وتقديم مختلف أشكال الدعم لهذا الإنتاج عن طريق المزيد من الإنفاق العام على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، والتركيز على جميع القطاعات واعتبارها مكملة لبعضها وذات الأهمية لقيام دولة قوية .
• إعطاء دور كبير وتشجيع القطاع الزراعي واعتباره من اهم القطاعات وإعادة الحياة للزراعة العراقية عن طريق تبني مشروع (من يزرع يملك الارض) وهذا يعني كل من يريد ارض عليه ان يجتهد فيحصل عليها وتنظم ذلك بقانون معين يضمن عدم الاستغلال ويجرم توزيعها الى مقاطعات سكنية.
• وضع قرارات استثمارية جديدة تساعد المستثمرين على العمل حتى لو كانت الفائدة منخفضة في بادئ الامر الا انها سوف تنتعش لو نجح هذا الاستثمار في منطقة او محافظة معينة مثلا قد نخسر الارض لكن نربح 5000 فرصة عمل في كل مشروع جديد تقريبا للقضاء على البطالة وتشغيل اليد العاملة كي يقضي او على الأقل يبدأ بخفض مستوى الفقر بالعراق لأنه بات يشكل مستوى خطيرا .
ومن جانب آخر حتى تتمكن الدولة من احاطة المشكلة بشكل جيد وعلاج كل مشكلة يكون من الجانب السياسي بشكل أساس، فرسم السياسة العامة المعتمدة على ثوابت استقراء حقيقي للمشكلة هو الذي يجنبنا الوقوع في معالجات غير واقعية او غير حقيقية ، ومن هذه الخطوات التي يمكن من خلالها معالجة الازمة المالية ، تبني سياسة اقتصادية خاصة بالدولة العراقية تعتمد على اساسيات العمل الرأسمالي، حيث اوضحت المشاكل الحاصلة بأن هناك عدم ترابط او انسجام بين النظام السياسي الديمقراطي والنظام الاقتصادي الاشتراكي، ويجب مثلا ان يتحول في النظام المصرفي الحكومي من التقليدي الى الالكتروني وهذا يجنب الدولة الاستمرار بالتداول العيني للنقود وهذا يجعل السيولة في المصارف بشكل مستمر مع تبني برامج توعوية للمواطنين على الادخار.
وإعطاء أهمية كبيرة للقطاع الخاص ووضعه داخل اطار قانوني ، حتى يضمن للعاملين فيه حقوق ما بعد الخدمة وهذا يخفف من الاعباء الحكومية بشكل كبير خصوصا في مسألة التعينات حيث ان نسبة 80% من المطالبين بالتعيين يطمحون للحصول على الامتيازات التقاعدية التي تضمن حياتهم .
والاهم هو التنسيق بين القطاعيين( العام والخاص ) بقانون تشغيل العمال الحكوميين في الشركات الخاصة واستقطاع رواتبهم من الشركة مثلا عمال شركات التصنيع العسكري او الشركات المتوقفة عن العمل كعمال شركة الحديد والصلب مع ضمان عدم استغلالهم من قبل الشركات بواسطة بروتوكول قانوني معين.
نصل الى استنتاج مهم وهو ضرورة إصلاح السياسة المالية بحيث تعطي أهمية خاصة للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية وسائر الخدمات الأخرى، وكذلك للأنشطة الإنتاجية المحلية الصناعية والزراعية.
وضع خطط تعتمد سياسة انفاق اقتصادي في حقول مهمة تحول هذه السياسة القدرة على التصدي للأزمات الصحية ودون معالجة المشاكل المالية الطارئة ، وبات من اللازم إجراء تعديلات جوهرية عليها بتقليص الإنفاق العسكري والأمني، والاكتفاء بالجيش النظامي وتقويته، والاستغناء كلياً عن هيئات الأوقاف لجميع الأديان والمذاهب وحصر مهامها بيد الدولة في أضيق الحدود.
كما يتعين معالجة الفقر الذي أصبحت بمستوى خطر، كونه بات يشكل ثلث سكان العراق. ولا يمكن الاستفادة من هذه المحن إلا بعد القضاء على جميع معوقات إدارة الدولة كي يعيد البلد توازنه من جديد.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية