بلغت أسعار النفط مستوى يبعث على التفاؤل (40 دولارا للبرميل) لأكثر من أسبوع، لتصبح بذلك أسوأ مرحلة في انهيار أسعار النفط من الماضي.
وحتى الآن، يبدو أن تخفيض الإنتاج الذي قام به تحالف “أوبك بلس” يسير على ما يرام، خاصة مع التزام المنتجين المترددين (مثل العراق وكازاخستان وأذربيجان ونيجيريا وأنغولا)، وزيادة الأمل في إعادة التوازن الفعلي للأسواق.
وفي تقرير نشره موقع “أويل برايس” الأميركي، قال الكاتب أليكس كيماني إن بعض المراهنين على النفط يعتقدون أن هذه المرحلة ليست سوى البداية، وأن أسعار النفط ستصل إلى مستويات خيالية. وعلى وجه التحديد، سلط بنك “جيه بي مورغان” الضوء على توقعاته السابقة بشأن تجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل، وذلك بالنظر إلى العجز الكبير في الإمدادات.
في هذا الصدد، كرر رئيس قسم أبحاث النفط والغاز لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في بنك “جيه بي مورغان”، كريستيان مالك ملاحظة متفائلة سابقة، تنبأ فيها بأن أسعار النفط قد ترتفع إلى 190 دولارا للبرميل؛ بسبب التخفيضات الحادة للنفقات الرأسمالية من قبل المنتجين من بين عوامل أخرى. وفي الواقع، لم تصل أسعار النفط العالمي إلى 100 دولار للبرميل منذ عام 2014، علما بأن سعر 145 دولارا للبرميل يعد أعلى مستوى سُجل طيلة عقدين.
صراع البقاء
وذكر الكاتب أن مالك كان متشائما منذ عام 2013، لكنه أصبح متفائلا الآن بسبب ما يراه “عجزا كبيرا للغاية في العرض والطلب”، وهو ما يمكن أن يبرز في عام 2022، وربما يصل إلى 6.8 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2025 إذا حافظت الأسواق على مسارها الحالي.
ومع انخفاض أسعار النفط مؤخرا إلى أدنى مستوياتها منذ عدة أعوام، وتضرر الطلب بشدة بسبب أزمة كوفيد-19، دخل منتجو النفط الصخري الأميركي في مرحلة الصراع من أجل البقاء، وخفضوا النفقات الرأسمالية لعام 2020 بنحو 85 مليار دولار تقريبا؛ في محاولة لحماية الميزانيات العمومية والحفاظ على مدفوعات المساهمين والسيولة.
ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، ستنخفض إمدادات النفط بأكثر من 45 مليون برميل يوميا إذا لم يقع استثمار رأس المال في حقول النفط الحالية أو الجديدة في الفترة الممتدة بين 2017 و2025.
ولو افترضنا أن الطلب العالمي على النفط سيتراجع بمعدل 10 ملايين برميل في اليوم في حقبة ما بعد كوفيد-19، فإنه سيترك مع ذلك فجوة ضخمة في العرض والطلب بنحو 17.5 مليون برميل في اليوم، وهو ما يشير إلى أن الإنتاج يمكن أن يتأثر ماديا إذا حافظ الإنفاق الرأسمالي على المستويات الحالية لمدة عامين أو ثلاثة.
تخفيضات الإنتاج التي قام بها تحالف “أوبك بلس” ما زالت تسير بشكل جيد (أسوشيتد برس)
ذكاء شركات النفط الصخري
يحتمل أن يعاني الإنتاج عجزا إذا لم ترتفع مستويات النفقات الرأسمالية، إلا أنه لا يتوقع أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل مثل ما اقترح كل من “جيه بي مورغان” ومالك.
وتقلبات الأسعار الأخيرة تسلط الضوء على حقبة جديدة من عدم اليقين التي تجتاح أسواق الطاقة العالمية، وبينما يعمل منتجو النفط العالميون بأهداف غير متطابقة، يقع استبدال دورة الانتعاش والكساد التقليدية في الصناعة بتقلبات أسعار أسرع استنادا إلى التغيرات في الإنتاج.
هذا ما يجعل تحركات الأسعار أقل حدة ولكن يصعب التنبؤ بها، والتقلب المستمر لعدد براميل النفط الخام المتاحة من عمليات النفط الصخري الذكية يعد المحرك الأساسي، هذا بالإضافة إلى التأثيرات طويلة المدى لزيادة كفاءة الوقود، والتحول العالمي غير المنتظم بعيدا عن الوقود الأحفوري حسب الطلب العالمي، وتعتبر كل هذه الأخبار جيدة للعملاء، لكنها تجعل تخطيط اللاعبين في الصناعة أكثر صعوبة.
ويبقى السؤال الأهم قائما حول مدى قدرة النفط الصخري الأميركي على الارتداد من الأزمة المستمرة بالمرونة نفسها التي أظهرها في الماضي؟
في الواقع، بعد أزمة النفط 2015-2016، تمكن منتجو النفط الصخري من تجاوز حرب الأسعار السعودية السابقة، من خلال خفض التكاليف بنحو 50% واستقطاب المستثمرين، وهي خطوة أدت إلى مرحلة نمو جديدة مذهلة، ومع بدء أوبك خفض الإنتاج مرة أخرى، قفز إنتاج النفط الصخري الأميركي بنحو 4 ملايين برميل يوميا في غضون نحو 3 أعوام ونصف العام.
ولسوء الحظ، فإن اللعبة مختلفة تماما هذه المرة؛ فشركات النفط الصخري الأميركية تصارع من أجل البقاء، خاصة بعد أن خفضت النفقات الرأسمالية بنسبة 30% تقريبا العام الحالي.
والنفقات الرأسمالية لم تعد بعد إلى المستويات السابقة المسجلة قبل آخر أزمة للنفط، مما يعني أنه ليس لديها الكثير من الوقت لإجراء أي تخفيضات أخرى من دون الإضرار بالإنتاج بشكل كبير، وما زاد الطين بلة أن هذا القطاع مثقل بالديون بالفعل.
النمو بالسعر المناسب
من المحتمل أن تظل وول ستريت من دون تغيير حتى يصل التنافس على أسعار النفط إلى مستوى حرج، وستراقب كل من المملكة العربية السعودية وروسيا صراعات النفط الصخري على أمل الحصول على حصة أكبر من السوق، لكن هذه الإستراتيجية لا تخلو من المخاطر لأي من الطرفين، خاصة الرياض.
ويلوم صانعو السياسة الأميركيون في الغالب السعودية -وليس ترامب- على انهيار النفط الأخير. وفي الآونة الأخيرة، هدّد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن الولايات المنتجة للنفط بسحب المساعدة العسكرية للرياض، وقد يكونون أكثر صرامة مع المملكة إذا بقيت أسعار النفط متدنية. من جانبها، تخضع موسكو بالفعل لعقوبات الطاقة الأميركية، كما أن انخفاض أسعار النفط سيجعل قيود واشنطن أكثر إيلاما.
من غير المرجح أن تهتم وول ستريت بالتنافس الجديد على أسعار النفط، ولكن من المحتمل أن تدعم القطاع بمجرد أن تبدأ الأسعار في الاقتراب من 80 دولارا للبرميل، وهو ما تحتاجه الرياض لموازنة ميزانيتها.
ويعتقد الكاتب أن يؤدي الصعود السريع لمصادر الطاقة المتجددة إلى الحد من المكاسب طويلة الأجل لقطاع النفط، لأنه سيجعل النفط غير اقتصادي. وفي العام الماضي، أخبرت مجموعة “بي إن بي باريبا” شبكة “سي إن بي سي” أن أسعار النفط يجب أن تبقى في حدود 10-20 دولارا للبرميل حتى تحافظ على تنافسيتها في قطاع التنقل المحوري.
المصدر : مواقع إلكترونية