العراق.. ما بين الرؤيتين الأميركية والإيرانية

العراق.. ما بين الرؤيتين الأميركية والإيرانية

يعيش العراق على وقع الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية، فعراق ما بعد عام 2003م منقسم عرقيًا وطائفيًا بشكل لم يسبق له مثيل على أقل تقدير في التاريخ المعاصر، ففي العراق يوجد محور إيراني وآخر تركي وثالث عربي، وهي محاور تتصارع فيما بينها داخل مجلس النواب العراقي وخارجه، ويغيب عن هذا المشهد المحور العراقي الجامع للهوية العراقية الموحدة.. أما اقتصاديًا، يعاني العراق من أزمة مالية نتيجة تراجع أسعار النفط الذي أثر وسيؤثر على إيراداته المالية في تغطية نفقات الدولة.
أما أمنيًا.. لا تزال المليشيات الولائية تساهم في دور كبير في تخريب العراق طالما ذلك الأمر يخدم المشروع الإيراني، وتجند العراق ومقدراته كجندي في الصراع الإيراني الأمريكي في العراق والمشرق العربي..
لك أن تتخيل العراق صاحب الحضارة الإنسانية الأصيلة، وقد تحول وأصبح مجرد رقم تعبث به المليشيات من أجل إيران!!، أما صحيًا، فالعراق مع فيروس كورونا المستجد يعاني من أزمة صحية شديدة نتيجة تدهور القطاع الصحي فيه.
أمام هذا الواقع المرير، ترى التحليلات السياسية الأمريكية، أن على الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق للخروج بالبلد من أزماته، وأن لا تترك العراق لقمة سائغة لإيران ومليشياتها، وعليها أن تقف إلى جانب مصطفى الكاظمي في حرب إعادة الاعتبار لهيبة الدولة العراقية، ولعل في مقدمة ذلك إجراء الانتخابات النيابية، هذه الانتخابات التي من شأنها أن تفشل الأحزاب السياسية المرتبطة بالمليشيات الولائية التي وقفت ضد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحرير البلاد من النفوذ الإيراني ومحاربة الفساد، هذه المليشيات التي تجاوزت مهامها حتى وصلت سوريا.
فإجراء الانتخابات في هذه الظروف سترفع نسبة المشاركة فيها حسب التقديرات الأمريكية إلى 65%، لتؤسس مرحلة نيابية جديدة، بدماء جديدة يمثلها شباب عراقي وطني، تنهي معها سيطرة أحزاب سياسية عاثت في العراق فسادًا وقتلاً عبر مليشياتها.. وبهذا يصبح مجلس النواب العراقي “السلطة التشريعية” الذي يعد وفق النظام السياسي النيابي السلطة الدستورية الحقيقية التي تحكم العراق، تحكم من قبل أبناءها الوطنيين الذي يسعون إلى رفعة العراق.
كما أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقف إلى جانب الحكومة العراقية التي يترأسها مصطفى الكاظمي في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، فخطره لا يزال ماثلًا، وهذا الأمر يتطلب التنسيق الأمني الأمريكي العراقي على أعلى المستويات.
سياسيًا، ترى التحليلات السياسية الأمريكية أنها على استعداد الى تقديم الدعم المالي إلى حكومة مصطفى الكاظمي، من أجل تنفيذ جدول أعمال ضد إيران وحلفائها في العراق، لإنقاذ العراق، وإلا فإن واشنطن لن تستمر في تقديم الدعم للحكومة العراقية، وستنهي علاقتها معها، طالما ليس لديها القدرة على مواجهة الأحزاب الفاسدة والمليشيات المنفلتة، وستقدم كل الدعم للشعب العراقي.
خلاصة القول.. على إدارة الرئيس ترامب أن تقف إلى جانب العراق ولا تخضعه لمساومات مع إيران، وتعمل على إزالة الكارثة التي ارتكبتها إدارة جورج دبليو بوش، وقدمت العراق على طبق من ذهب إلى إيران.
أما التحليلات السياسية الإيرانية والقريبة من الحرس الثوري الإيراني، ترى أن مصطفى الكاظمي انحرف عن مهام حكومته، وهي تحسين الظروف المعيشية وإنقاذ الاقتصاد العراقي من الانهيار، وثانيها الاستعداد للانتخابات النيابية المبكرة، وثالثها تخليص العراق من الاحتلال الأمريكي، ورابعها محاربة الفاسدين وتسليمهم إلى القضاء.. وهنا نفتح قوس ونقول (ماذا عن عبث المليشيات الولائية والتي لا يقل خطرها عن خطر تنظيم داعش الإرهابي؟).
وترى هذه التحليلات أن مصطفى الكاظمي جاء خدمة لأهداف الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الحشد الشعبي من خلال إعفاءه فالح الفياض من منصبي رئيس جهاز الأمن الوطني ومستشار الأمن الوطني.
وتذهب التحليلات السياسية الإيرانية إلى أبعد من ذلك، عندما رأت في تعيين “عبد الغني الأسدي” رئيسًا لجهاز الأمن الوطني العراقي.. فهو من وجهة نظرها عضو سابق في النظام العراقي السابق من قبل رئيس الوزراء السابق “عادل عبد المهدي” قبل نحو عامين.
وترى هذه التحليلات أيضًا أن مصطفى الكاظمي لم يحافظ على سيادة الدولة العراقية عندما قامت منظومة الدفاع الأمريكية بالتصدي لصواريخ إيران عبر مليشياتها.
واضح جدًا أن التحليلات السياسية الإيرانية لا تحتكم في تحليلاتها للمنطق السليم، وتطلق التهم جزافاً على مصطفى الكاظمي، لأن قراراته ببساطة لا تنسجم مع المصلحة الإيرانية، كون الأسدي خدم في النظام العراقي السابق، هذا الأمر لا يجرمه ولا يعيبه لأنه كان يخدم في الدولة العراقية وخدم بشرف ونزاهة، وهنا نتساءل.. هل إيران الثورة تخلت عن ضباط الجيش الإيراني في عهد البهلوي؟!
على التحليلات السياسية في إيران أن تتذكر بشكل عميق عندما تتناول قرارات وسياسات مصطفى الكاظمي في تحليلاتها أن مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق وليس محافظ إيران في العراق!!
لا شك أن مهمة الكاظمي في ظل الظروف العصيبة التي يعيشها العراق في غاية الصعوبة، وكان ضميره الوطني هو الدافع في تحمل تلك المسؤولية الوطنية للوصول بالعراق -قدر الإمكان- إلى بر الأمان..

وحدة الدراسات العراقية