في 10 أبريل/نيسان الماضي، تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفخر متباهيا بجهود إدارته في محاربة فيروس كورونا، وقال إن إجمالي عدد الوفيات قد يصل إلى أقل من 100 ألف حالة، “وهو ما سيعد نجاحا كبيرا لسياستنا”؛ بيد أن الأمور سارت بعد ذلك بشكل تصاعدي في اتجاه غير الذي يهواه ترامب.
واعتبر ترامب -الذي كان يتحدث حينها في المؤتمر الصحفي اليومي لفريق العمل المشرف على جهود مكافحة الفيروس- أن بلاده تمر “بذروة انتشار فيروس كورونا”، حيث أصيب نصف مليون أميركي وتوفي ما يقرب من 20 ألفا آخرين.
وبعد أكثر من شهرين على توقف ظهور ترامب في الإيجاز الصحفي بشأن مواجهة فيروس كورونا، استمرت أرقام الإصابات والوفيات بالتصاعد في الولايات المتحدة بشكل جعلها متقدمة وبفارق كبير على غيرها من دول العالم، بعد أن وصلت الإصابات المؤكدة إلى أكثر من 3 ملايين، وتخطت الوفيات 130 ألف شخص.
وأدى ذلك لابتعاد الرئيس ترامب أكثر فأكثر عن قيادة الجهود الحكومية لمواجهة الفيروس.
وخلال الأسبوع الماضي، تخطت معدلات الإصابات اليومية حاجز 50 ألف إصابة طبقا لبيانات جامعة جونز هوبكنز، وتركزت الإصابات في الولايات الجنوبية والغربية.
تجاهل متعمد من ترامب
وأدى ظهور ترامب اليومي في إفادة البيت الأبيض بشأن الفيروس إلى نتائج عكسية، ظهرت في انخفاض ثقة الأميركيين في قيادة وإشراف الرئيس على جهود مكافحة كورونا.
وخلال خطابين بمناسبة عيد الاستقلال الأميركي، ألقى أولهما على تلال مونت راشمور بولاية داكوتا الجنوبية واستغرق 40 دقيقة يوم الجمعة الماضي، لم يخصص ترامب إلا أقل من دقيقة واحدة للحديث عن فيروس كورونا المستجد، مكتفيا بالتأكيد على أن “الأميركيين يقدّرون جهود الأطباء والممرضين والعلماء الذين يعملون بلا توقف للقضاء على الفيروس”.
وفي اليوم التالي تحدث ترامب في حديقة البيت الأبيض أمام حشد كبير من الأطباء والممرضين ورجال المطافئ والشرطة، ولم يتطرق كذلك لموضوع فيروس كورونا إلا في جملة واحدة قال فيها “إن 99% من الإصابات بفيروس كورونا غير مؤذية، وسيكون لدينا علاج أو لقاح قبل نهاية العام”، ومن غير الواضح ما الذي استند إليه ترامب في هذا الادعاء.
ومن الواضح أن ترامب تعمد تجاهل أنباء ارتفاع الإصابات بالفيروس خاصة في ولايات فلوريدا (حيث يعقد المؤتمر العام للحزب الجمهوري الشهر المقبل) وتكساس وكاليفورنيا، وتحدث بدلا من ذلك عن موضوعات تتعلق بالحفاظ على القانون والنظام، ومن وصفهم بالراديكاليين اليساريين، وضرورة حماية الإرث التاريخي الأميركي وتماثيل الجنوبيين، وتأكيده على حماية الشرطة الأميركية.
ثقة الناخبين
وطبقا لاستطلاع رأي أجراه الراديو القومي الأميركي على 1640 شخص في الأسبوع الأخير من يونيو/حزيران، رأى 56% منهم أن ترامب قد أساء إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد.
وأظهر الاستطلاع تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس ترامب بـ11 نقطة من حيث ثقة الناخبين في أفضلية إدارته لأزمة فيروس كورونا، حيث يثق 52% من الناخبين في بايدن، مقابل 41% في الرئيس ترامب.
تراجع ترامب على غير المعتاد
مع بداية ظهور فيروس كورونا، طالب ترامب فريق مواجهة فيروس كورونا بالظهور إلى جانبه يوميا في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، وهو المؤتمر الصحفي الذي شاهده ملايين الأميركيين المتخوفين من انتشار الفيروس.
وسعى ترامب لاستغلال المؤتمر الصحفي للهجوم على الديمقراطيين تارة وعلى الصين تارة أخرى، وحاول دون جدوى التقليل من خطورة تأثيرات انتشار الفيروس وضرورة إعادة فتح الاقتصاد سريعا، وهو ما كان يتناقض بشدة مع تقديرات الخبراء والمعنيين.
ومنذ آخر إفادة يومية حول الفيروس شارك فيها في نهاية أبريل/نيسان الماضي، ظهر ترامب يوم الخميس الماضي للمرة الأولى متحدثا من المركز الصحفي بالبيت الأبيض، ليس عن تفاقم انتشار فيروس كورونا المستجد بل للحديث عن أرقام إيجابية تتعلق بنسب البطالة، حيث قال “ستشاهدون ربعا ثالثا (يوليو/تموز، وأغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول) ممتازا هذا العام على مستوى الأوضاع الاقتصادية”.
حسنات عدم ظهور ترامب
وبالنسبة للأطباء والخبراء في مجال الصحة، فإن ظهور ترامب المتكرر للحديث عن فيروس كورونا أدى لنتائج سلبية، فقد أكد مرارا فعالية دواء هيدروكسي كلوروكين المستخدم في علاج الملاريا، وذكر أن “هناك أدلة على أنه يحقق نجاحا”، وأكد أن لدى بلاده “29 مليون جرعة من هذا الدواء حاليا، وليس هناك ما يخسره المريض إذا كان فعالا، وإذا لم يكن فلا ضرر”.
وحذر ترامب من أنه “إذا ثبت نجاح العقار فسيكون من العار أننا لم نستخدمه مبكرا”.
ولكن هيئة الأغذية والدواء الأميركية رفضت العقار بعد خضوعه للتجارب السريرية اللازمة التي أكدت أن لعقار هيدروكسي كلوروكين أضرارا جانبية شديدة الخطورة، ويجب عدم استخدامه إطلاقا قبل الرجوع للطبيب المشرف على المريض.
ويرى الدكتور خالد الشامي الأستاذ المساعد في جامعة جونز هوبكنز أن “الرئيس ترامب قام بكل الأخطاء الممكنة في إدارته لمواجهة الفيروس، إذ أكد في البداية عدم وجود أخطار كبيرة، ثم تحدث خطأ عن أدوية فعالة ضد الفيروس، ولم يرتد بعد كمامة الوجه، وكلها أخطاء كان يمكن تجنبها”.
وبات كبار مساعدي الرئيس ترامب يأملون في أن يكون ابتعاده عن الإدارة اليومية والتفصيلية لجهود مكافحة فيروس كورونا، أمرا جيدا يمكن أن يقلل من تسييس قضية الفيروس.
وشهدت الأسابيع الأخيرة ترك ترامب الساحة بصورة كاملة لخبراء الصحة ونائبه مايك بنس، للتحدث عن تطورات مواجهة الفيروس.
لكن بيانا رسميا صدر من البيت الأبيض أكد أن “اعتقاد البعض أن الرئيس لا يعمل على مدار الساعة لحماية صحة وسلامة جميع الأميركيين وقيادة استجابة الحكومة بأكملها لهذا الوباء، بما في ذلك تسريع تطوير اللقاحات، وإعادة بناء اقتصادنا؛ هو أمر خاطئ تماما”.
من ناحية أخرى ذكرت مصادر من داخل البيت الأبيض لشبكات إخبارية أميركية أن الرئيس ترامب يُبلَّغ مرة واحدة يوميا بأرقام إصابات ووفيات فيروس كورونا، ولكنه لا يحضر أي اجتماعات متعلقة بمكافحة انتشاره.
وتوقعت تلك المصادر أن يقدم ترامب بيانا استثنائيا للأمة الأميركية خلال الأيام القادمة عن جهود مكافحة الفيروس.
ودافع المستشار بالحزب الجمهوري سيث دينسون عن تواري ترامب عن صدارة مشهد المعركة ضد الوباء بالقول “ستتم إدانة ترامب والهجوم عليه في الحالتين: إذا فعل شيئا، وإذا لم يفعله. من الصعوبة أن يخرج ترامب منتصرا في هذه الظروف”.
المصدر : الجزيرة