هل يشكل اغتيال الهاشمي “لحظة فارقة” في “تاريخ العراق الدموي؟

هل يشكل اغتيال الهاشمي “لحظة فارقة” في “تاريخ العراق الدموي؟

تبرز قضية اغتيال الباحث في الشأن السياسي هشام الهاشمي كتحد جديد أمام حكومة مصطفى الكاظمي، وإمكانية أن تتحول هذه القضية إلى منطلق للكشف عن سجل طويل من تورط جماعات مسلحة بعمليات اغتيال ممنهجة تعود إلى سنوات بعيدة سبقت انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويبدو أن الكاظمي يتقدم بحذر في محاولة لمنع ملف التحقيق باغتيال الهاشمي من الانضمام إلى قائمة الاغتيالات التي طواها النسيان من دون نتائج، فبعد إعلان وزارة الداخلية تسمية رئيس الفريق التحقيقي بالقضية، وكيل الاستخبارات عامر صدام، أعلن مجلس القضاء الأعلى تشكيل هيئة قضائية إضافية، وهو تطور غير معهود في الحالات المشابهة.

مسارات القضية

وتمتد احتمالات مسار القضية بين خيارين في أقصى اليمين وأقصى اليسار، فبينما ينتظر طيف واسع من الجمهور أن تتمكن اللجان التحقيقية من الكشف عن هوية الجهة المسلحة التي تورطت بالاغتيال، كباكورة لسلسلة “كشوفات” بأثر رجعي، لا يخفي آخرون يأسهم وتوقعهم بأن تدخل اللجان التحقيقية في دوامة اللجان المألوفة، إلا أن خياراً ثالثاً “معتدلاً” يبرز بين الاحتمالين المتطرفين، يتحدث عنه الباحث والخبير غالب الدعمي، إذ يمكن بمقتضاه اتخاذ إجراء حذر في ما إذا تصاعدت الضغوط السياسية على الكاظمي، ويفترض الدعمي أن السلطات قد تتوصل لاحقاً إلى تسمية المنفذين الفعليين كأفراد، مع التغاضي عن خلفياتهم إن وجدت لهم خلفيات سياسية أو فصائلية حساسة.

وفي آخر تطورات القضية أعلن مجلس القضاء الأعلى، الخميس التاسع من يوليو (تموز)، تشكيل هيئة مختصة بالتحقيق بقضايا الاغتيالات في بغداد والمحافظات مكونة من ثلاثة قضاة ونائب المدعي العام.

إلى ذلك، يؤشر الخبير القانوني علي التميمي إلى الفرق بين الهيئة القضائية واللجان التحقيقية السابقة، بالقول “اللجان ليست قضائية بل إدارية ولا تملك صلاحيات في إصدار أوامر قبض وتحرّ وتوقيف وتتطلب إشراف أكثر من طرف، على عكس الهيئة القضائية”، ويضيف لـ “اندبندنت عربية”، “هذه الهيئة ستكون ثابتة ومتخصصة بهذه الجرائم، وتستطيع فتح تحقيقات جرائم اغتيال سابقة وبإمكان أي مدع بالحق الشخصي تقديم شكوى لها”، ويشير إلى أن “جريمة اغتيال الهاشمي ينطبق عليها قانون مكافحة الإرهاب المادة الرابعة منه، وقانون منع استخدام الأسلحة الكاتمة 38 لعام 2016 وكلها تعاقب بالإعدام”، مبيناً أن “الهدف من هذه الجرائم زرع الخوف في نفوس الناس وإحداث الفتنة والفوضى المتواصلة، فضلاً عن إرهاب الآخرين”، ويتابع أن “اشتراك فريق دولي بالتحقيقات يتطلب موافقة الحكومة العراقية”.

حرب الرسائل السياسية

ويرى مراقبون أن اغتيال الهاشمي جزء من “حرب الرسائل السياسية”، ما يعطي انطباعاً بأن الإشارة الصريحة إلى القتلة قد تؤدي إلى بدء صراع بين الدولة والقوى خارج إطارها، وهو الأمر الذي لا تبدو مقوماته مكتملة لدى الكاظمي.

وفي الحديث عن أدوات الدولة في مواجهة الجماعات المسلحة، يقول السياسي العراقي مشعان الجبوري في مقابلة متلفزة، “أدوات الكاظمي في مواجهة الخارجين عن القانون أو في تطبيق قراراته أو في التصدي لمن يرغمونه على التراجع ضعيفة وغير كافية ولا يعتد بها”، ويستشهد الجبوري بحادثة “الدورة” المتعلقة باعتقال عناصر تابعين لـ “كتائب حزب الله”، والتي يقول إن لديه تفاصيل غير معلنة عنها، ويؤكد أن “رئيس الوزراء اتصل بقائد حماية المنطقة الخضراء لمنع مسلحي الفصيل من الدخول للمنطقة المحصنة، لكنه رفض تطبيق أوامر القائد العام”، ويضيف “على الرغم من إعلان الكاظمي إقالة القائد الذي رفض تطبيق الأوامر إلا أنه اضطر تحت الضغط لإعادته لمنصبه سراً، وما زال يمارس عمله”، ويؤكد الجبوري أن الكاظمي يفتقر إلى وجود ضباط في القوات المسلحة يطبقون توجيهاته في ما لو أراد الإقدام على خطوات جريئة أو تصعيدية.

نقطة تحوّل في حصر السلاح بيد الدولة

وتصاعدت وتيرة الاغتيالات منذ الاحتجاجات العراقية في أكتوبر الماضي، ويعلل مراقبون عدم إحراز تقدم في ملف نتائج التحقيقات إلى ارتباط بعض الجهات المتهمة بتنفيذ تلك الاغتيالات بأطراف سياسية نافذة.

إلى ذلك، يقول الباحث والأكاديمي غالب الدعمي في حديث لـ “اندبندنت عربية”، “التحقيقات في قضية الهاشمي لحظة فارقة ونقطة تحوّل في تفكير الدولة بقضية ضبط السلاح بيد الدولة”.

وحول قدرة الحكومة على الإشارة للجهات المتورطة، يذهب الدعمي بالقول “الحكومة ستلقي القبض على العصابة التي قامت بعملية الاغتيال من دون الإشارة للجهة المتورطة، لكون أدواتها في الفترة الحالية غير قادرة على ضبط النظام “، مبيناً أن “الإعلام سيتكفل بالكشف عن تلك الجهات”، ويرجح أن يمرّ العراق بـ “أزمة شبيهة بما حدث عام 2007 مع التيار الصدري وجيش المهدي إذا مست الحكومة أطرافاً نافذة”، ويختم أن “الفصائل المسلحة تقع تحت الضغط الدولي والمحلي التي تتعرض له، ما يضعها في موقف حرج جداً إزاء الرأي العام”، مشيراً إلى أن “الضغط الدولي وعزم الولايات المتحدة على ضبط النظام في العراق وإخراجه من دائرة التأثير الإيراني عوامل محفزة لرئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي”.

إعادة ترسيم خريطة النفوذ السياسي

أما الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني فيرجح أن “اغتيال الهاشمي لن يكون لحظة مفصلية”، مبيناً أن “الاغتيال بات نمطاً سياسياً في العراق، خصوصاً عند محاولات إعادة ترسيم نفوذ القوى السياسية على الدولة، لكنه قد يؤسس لمرحلة جديدة على المدى البعيد”، ويضيف لـ “اندبندنت عربية”، “الإشكالية التي يعيشها الكاظمي ليست افتقاره للأدوات فحسب، بل للقدرة على خلق واقع سياسي جديد، لأن التمثيل السياسي للجماعات المسلحة راسخ ومؤثر”، ويشير إلى أن “الضغوط الدولية في سياق حسم التحقيقات سلاح ذو حدّين، فبينما تسهم على المدى البعيد في خلق مناخ وآليات جديدة للحكم، لكنها قد تأتي أحياناً بنتائج سلبية، لأنها تعطي الجماعات المسلحة مساحة التشكيك والتخوين وكيل الاتهامات بالعمالة”.

وكان الكاظمي قد تعهد أمام عائلة الهاشمي بالكشف عن المتورطين باغتياله، مشدداً على أن “دم الهاشمي لن يضيع”، في وقت يستمر الجدل بشأن إمكانية الحكومة العراقية ضبط النظام وحصر السلاح بيد الدولة، فضلاً عن إمكانية شروعها بحملة كبيرة على الجماعات المسلحة.

أحمد السهيل

اندبندت عربي