يبدو أن شكلاً من أشكال “الحرب النووية” قد بدأ في الشرق الأوسط. فقد تمّ تدمير محطة تجميع أجهزة الطرد المركزي في منشأة التخصيب الرئيسية في موقع ناتانز (نطنز) الأسبوع الماضي، ربما بواسطة قنبلة، وفقاً لبعض التقارير. وما حدث حقاً هو موضوع الكثير من التكهنات. وكان مسؤولون إيرانيون قد ذكروا أنهم على علم بما حصل ولكنهم سيعلنون عن الأمر “في وقت لاحق”.
لا تتوقّعوا الكشف عن الحقيقة. فقد انطوى التقرير الإيراني الأول عن الحادثة على صورة أشارت إلى تضرّر زاوية واحدة فقط من المبنى، وإلى انفجار بعض الأبواب. ويوم الأحد، تمّ نشر صورة من القمر الصناعي للمنشأة تُظهر أنها دُمّرت إلى حد كبير. وتم التقاط الصورة الأصلية من زاوية واحدة تشكك في مثل هذا التفسير.
ويعتقد الكثيرون أن إسرائيل تقف وراء ما حدث، بالإضافة إلى سلسلة من الأحداث الأخرى غير المفسرة التي شهدتها إيران في الآونة الأخيرة – انفجار في عيادة في طهران، وانفجار في منشأة بحوث صاروخية، وحريق في محطة كهرباء. وفي هذا الإطار، علّق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس يوم الأحد قائلاً إن إسرائيل ليست “بالضرورة” وراء كل حادثة غامضة في إيران. وسواء كان ذلك مقصوداً أم لا، يُعتبر الأمر، وفقاً للغة واشنطن، إنكاراً ظاهرياً وليس فعلياً.
وعلى الرغم من أن منشأة ناتانز للتخصيب كانت بحدّ ذاتها هدفاً واضحاً، إلا أن واقع كونها مغطاة عميقاً بسقف سميك من الإسمنت والفولاذ المشبك يجعلها غير قابلة للاختراق أمام معظم القنابل باستثناء القذائف الأمريكية “الخارقة للتحصينات”، أو قنبلة نووية بحد ذاتها. والخوف الإسرائيلي المحتمل هو أن إيران تستأنف إنتاج أجهزة الطرد المركزي من نوع “آي آر-2م” .
وتعتمد إيران حالياً على أنواع “آي أر -1” التي لا يمكنها، لأسباب مرتبطة بالتصميم، تخصيب اليورانيوم إلى المستوى المطلوب لصنع قنبلة ذرية. وتجدر الملاحظة أن مخزون إيران الحالي من أجهزة الطرد المركزي الأكثر قدرة من نوع “آي آر-2 م”، والتي سُمح لها بالاحتفاظ ببعضها بعد «خطة العمل الشاملة المشتركة» الموقعة عام 2015، تمّ تخزينه بشكل سيئ وربما لم يعد صالحاً للاستعمال.
ومن المفترض أن إيران قد استأنفت إنتاج أجهزة الطرد المركزي من نوع “آي آر-2 م” على نطاق واسع – أو كانت على الأقل تقوم بذلك حتى الأسبوع الماضي. ويمكن تشبيه جهاز الطرد المركزي بغسالة يتمّ تحميلها من الأعلى، إلا أنه أطول (عدة أقدام) وله قُطُر أصغر (ربما قدم أو أقل). ويتألف جهاز الطرد المركزي الواحد من أسطوانة عمودية دوارة أساسية – روتور (محرك دوار) – بالإضافة إلى ربما 200 قطعة أصغر حجماً. وتصْدِر غسالات كهذه، التي يتمّ تحميلها من الأعلى، أصواتاً مزعجة إذا لم يتمّ وضع الغسيل فيها بشكل صحيح. وبلمسة بسيطة يمكن زعزعة توازن روتور جهاز الطرد المركزي للتخصيب، الذي يدور بسرعة 60 ألف دورة في الدقيقة.
ولم يعد من الممكن استخدام مصنع تجميع أجهزة الطرد المركزي في ناتانز – الذي لحقت به أضرار جسيمة – لتجميع الأجهزة من نوع “آي آر-2 م”. وعاجلاً أم آجلاً، ستتكشف حقيقة ما إذا كان السبب هو تخريب داخلي أو هجوم مستهدف بواسطة طائرة بدون طيار. لكن من المشكوك فيه أن تملك إيران منشأة بديلة. وبالتالي، توقف صنع أجهزة “آي آر-2 م”، ومن وجهة نظر إسرائيل فإن احتمال حصول إيران على كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع أول سلاح نووي قد تأخر لعدة أشهر، وربما حتى لسنوات.
غير أن القصة لا تنتهي عند هذا الحدّ. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف سترد إيران على هذه الانتكاسة؟ وإذا كانت إسرائيل متورطة، فكيف سيتعامل النظام الإسلامي مع الإحساس المحتمل بالإذلال العلني؟
وفقاً للمعلّقين الذين يبرزون فور حصول مثل هذه الأحداث، إذا كانت إسرائيل تقف وراء التفجير فربما يكون ذلك رداً على الهجوم الإلكتروني الذي شنته إيران على محطة إسرائيلية لتحلية المياه قبل بضعة أشهر. والخطر هو أن تفكر طهران برد “نووي” – (على سبيل المثال) هجوم يستهدف منشأة نووية إسرائيلية كـ “مفاعل ديمونا البحثي” في جنوب إسرائيل.
وببرودة أعصاب (ففي النهاية، أنا من بريطانيا في الأصل)، يمكنني أن أشير إلى أن المملكة العربية السعودية فضّلت تفادي مباشرة إلقاء اللوم على إيران حول هجماتها على منشأتين سعوديتين للنفط في أيلول/سبتمبر الماضي، كما أن الرئيس ترامب تجنب ضرورة الرد على الهجمات الصاروخية الإيرانية على المنشآت الأمريكية في العراق بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير، رغم أن تلك الهجمات أثارت موجة من الصدمة بين العديد من الأفراد الأمريكيين.
فهل سستتقيد طهران بنفس الدرجة في ردها؟ نحن على وشك أن نكتشف ذلك.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن