إيران ومصير سوريا

إيران ومصير سوريا

الأسد-وقادة-ايران

المفاوضات حول وضع الزبداني بين تنظيم أحرار الشام وإيران أظهرت أمرين حاسمين، الأول يتمثل في أن إيران هي التي تفاوض، وهي التي تقرر على الأرض، وليس النظام الذي بات هامشيا في معادلة الصراع.

أما الأمر الثاني فهو أن إيران تفاوض على تغيير ديمغرافي طائفي، حيث طرحت مبادلة سكان الزبداني بسكان كفريا والفوعة، ولهذه الخطوة معنى ربما يؤكد ما كان يتردد سابقا من ميل إيران للحفاظ على الساحل وحمص والقلمون إلى دمشق، وتشكيل “كيان طائفي” فيها.

هل هذا هو خيار إيران الأخير؟ ربما، لكنها نشرت في الأيام الأخيرة مبادرة تتعلق بالحل في سوريا قامت في المرة الأولى فيها بالموافقة على تقليص صلاحيات بشار الأسد وتشكيل “حكومة وحدة وطنية” تدير البلاد، وأيضا تعديل الدستور وإجراء انتخابات جديدة، وربما كانت المرة الأولى التي تقدم إيران هذا التنازل.

لا شك أن إيران دعمت النظام السوري في سياسته الوحشية منذ البدء، وشارك خبراء وقناصون إيرانيون منذ البدء أيضا، وكان واضحا أنها تزيد دعمها له كلما توسعت الثورة، لكن تطور الأمر بعد أن ظهر وهن النظام، حيث دخلت بشكل مباشر في الصراع عبر حزب الله والمليشيا الطائفية العراقية والحرس الثوري من كل حدب وصوب.

لقد ظهر واضحا نهاية سنة 2012 أن قوى السلطة ضعفت بعد أن باتت عاجزة عن تحريك معظم الجيش الذي عانى حالة احتقان نتيجة ما يرى من وحشية ضد الشعب الذي هو منه، وبعد أن تهتك حال الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وظهر عجز الشبيحة، وهو الوضع الذي أظهر أن السلطة تتهاوى ودفع بعض كبار مسؤوليها لطرح الانتقال إلى حل سياسي بعد أن ظهر “الاستعصاء” كما أشار فاروق الشرع نائب الرئيس حينها نهاية سنة 2012.

وبات يظهر أن هناك إمكانية انشقاق في السلطة، وميلا لقبول التخلي عن الأسد وعقد اتفاق مع المعارضة ربما على ضوء مبادئ جنيف1 التي صدرت قبل ستة أشهر من ذلك التاريخ.

لكن إيران لعبت دورا محوريا حينها في إفشال هذا المسار، حيث طرحت أنها سوف تدافع عن النظام وتمنع سقوطه، وهو أمر يوافق طموحات آل مخلوف ونظام الأسد، ولهذا بدأ تدخل حزب الله في مدينة القصير تحت حجج وهمية تلمس ما هو طائفي (الدفاع عن مقام السيدة زينب)، ومنذ ذلك الحين أخذ التواجد العسكري الإيراني يتوسع، خصوصا مع تهاوي قوات الأسد، وتوسع الطابع المسلح للثورة.

وهكذا تم الزج بعشرات الآلاف من قوى حزب الله والمليشيا الطائفية والحرس الثوري، حيث شاركت في كل الجبهات، ووصلت لأن تصبح هي المقرر عسكريا، وأرسلت ضباطا كبارا لقيادة المعارك، كما أرسلت هذه القوة خيرة جنودها للمشاركة في الجهد الحربي.

لكن هذه القوى لم تستطع حسم الصراع، على العكس فقد تراجع وضع النظام، فانسحبت قواته من مناطق واسعة، وحاول أن يحصر وجوده في مناطق مركزية، حيث حاول البقاء في حلب ودرعا، وتمتين السيطرة على الساحل، وعلى الشريط الممتد من دمشق إلى حمص فالساحل.

في الوقت ذاته، كان وضع إيران يضعف كذلك اقتصاديا نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض من قبل أميركا، وعسكريا نتيجة تشعب الصراعات التي هي معنية بها من اليمن إلى العراق الذي هي أكثر تمسكا به، وهذا ما جعلها عاجزة عن رفد النظام بقوى جديدة وعن دعمه ماليا، لكنها ظلت تصر على التمسك ببشار الأسد، وتحاول حماية تلك المنطقة التي أشرت إليها من قبل.

وإذا كان النظام السوري حاول الحفاظ على “مبدأ حافظ الأسد” الذي يمنع الحلفاء من “مد اليد” إلى الداخل السوري فقد ظهر واضحا أن هذه “الاستقلالية” سقطت، وأن القرار بات بيد إيران نتيجة سيطرتها العسكرية على الأرض.

وحتى روسيا التي تطمح للسيطرة على سوريا واستغلت الثورة لكي تساوم للحصول على مصالح هائلة مقابل دعمها النظام تدرك أن إيران هي “الحاكم الفعلي” في دمشق، فمن يمتلك القوة يمتلك القرار السياسي، وهذا الأمر يجعل كل حل سياسي لا بد من أن يحظى بموافقة إيران.

سنلحظ أن إيران هي التي أسهمت في انتقال الصراع من طابعه الذي ميزه خلال المرحلة الأولى من انتقال الثورة إلى السلاح، والذي أدى إلى إضعاف السلطة ودفع فئات فيها محاولة للوصول إلى حل إلى الشكل الأكثر وحشية الذي بدأ منذ تدخلها المباشر في الصراع وزجها بآلاف المقاتلين، وحتى تحويلها “تنظيم دولة العراق الإسلامية” -التنظيم الذي كانت تتحكم فيه- إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) بعد “نقله” إلى سوريا، وتصعيد التدمير والقتل في كل مناطق سوريا.

هذا مع تعزيز وضع الفئات “الموافقة على سياستها” داخل السلطة، وحتى قتل قيادات عسكرية وأمنية كانت تبدي امتعاضها مثل خلية الأزمة، فضلا عن تحكمها بالقرار على الأرض، وبالتالي بالقرار المتعلق بالحل السياسي، أو استمرار الصراع.

لهذا حينما نجد أنها تقوم بخطوتين متخالفتين في الوقت ذاته لا بد من تلمس ما يمكن أن تفعله، هل الحفاظ على “جيب الساحل مع الشريط الممتد إلى دمشق”، أم تريد التناغم مع السياسات الإقليمية والدولية التي يبدو أنها باتت تميل للوصول إلى حل؟

حتى وإن أرادت “الدفاع” عن هذا الشريط فإن الوضع العسكري قد اختل بشكل كبير، وبات واضحا أن الأمور تسير نحو تراجع سيطرة السلطة عن مناطق كبيرة، وأن مواقع النظام في دمشق عبر الجبهة الجنوبية ربما تصبح في وضع صعب إذا جرى تحرير درعا، وأن التقدم في سهل الغاب يمكن أن يفتح الطريق إلى تهديد الساحل، وهي لم تعد قادرة على إرسال قوات جديدة، سواء من حزب الله أو المليشيا الطائفية، أو حتى من الحرس الثوري.

لهذا يمكن النظر إلى “المبادرة” التي قدمتها بجدية أكبر -ليس بما تحوي حيث ما زالت تتمسك ببشار الأسد- بل كخطوة أولى نحو التخلي عنه، وربما يكون طرح المبادرة بهذا المستوى هو جزء من تهيئة الأجواء في المجال الممانع لقبول التخلي عن النظام، بالضبط كما جرى مع الاتفاق النووي الذي كان قد أنجز منذ أشهر، وجرى الشغل الإعلامي لتمريره طوال تلك الأشهر.

وزير خارجية إيران نشط في الأيام الماضية عبر جولة إلى بيروت ودمشق، وقبلها إلى عمان، ثم باكستان وتركيا وروسيا لنقاش الحل السياسي في سوريا، ويبدو واضحا أن النتيجة ربما تكون “التنازل” عن شرط بقاء الأسد، خصوصا حين يلمس أنه حتى روسيا باتت مقتنعة بأنه لا حل مع بقاء الأسد، وأن المطلوب الآن هو الوصول إلى حل سريع كما صرح لافروف، فـروسيا تريد خروج إيران من سوريا، بالضبط لأنها هيمنت على الدولة ودمرتها كما تسرب من بعض المسؤولين الروس، بينما تريد هي أن تكون الرابح الأول في سوريا.

وإذا كان ما تسرب عن الملاحق السرية بالاتفاق النووي صحيحا، وهو المتعلق بالتوافق على خروج إيران من سوريا فإن مسار التنازلات الإيرانية سوف يبدأ في الفترة القادمة، وربما كانت روسيا أكثر حرصا من أميركا خلال المفاوضات حول الوضع الإقليمي على إبعاد إيران من سوريا، بالضبط لأنها تريد أن تكون هي المستفيد من الحل السياسي وليس إيران، سواء تعلق الأمر بمصالح اقتصادية كبيرة أو تعلق بتوسيع القاعدة البحرية في طرطوس.

لم يعد أمام إيران سوى التخلي عن النظام وسحب قواتها ووقف دعمها، ربما “تناكف” من أجل بعض المصالح، أو لضمان سداد الديون التي سجلتها على نظام كانت هي التي أغرقته أكثر في هذه المجزرة الدموية لكي ينتصر ضد الشعب لتتحكم هي في مصيره، لكن لم يعد ذلك ممكنا وبات عليها أن تغادر.

وما سيسجله الشعب السوري هو أنها كانت مشاركا أساسيا في مجزرة كبيرة، وأنه يجب أن يحاكم قادتها على ذلك، كما يحاكم رجالات النظام الذين أوغلوا في الدم السوري، وسببوا كل هذا الدمار.

سلامة كيلة

الجزيرة نت