من سيركب موجة تظاهرات العراق؟

من سيركب موجة تظاهرات العراق؟

Supporters of anti-U.S. Shiite cleric Muqtada al-Sadr gather in central Baghdad, Iraq, Thursday, April 9, 2009, for a rally marking the sixth anniversary of the fall of the Iraqi capital to American troops. (AP Photo/Karim Kadim)
بدأت المعادلة العراقية من جديد تأخذ مناحيَّ ملتوية، بعد أن بدت استقامة المطالب الوطنية التي عبرت عنها تظاهرات محافظات بغداد والوسط والجنوب، والتي أفرزت مجموعة المحن التي يعيشها الشعب في هذا البلد الغني بموارده وملكات أبنائه؛ فبعد أن لاحت رؤوس الفاسدين والمتحكمين في العملية السياسية في العراق قاب قوسين أو أدنى من قصاص المحرومين والمهمشين والمعذبين بكل أطيافهم، خرج رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بقرارات وصفت بـ”الإصلاحية”، ساهمت في تخفيف حدة الحماس للمتظاهرين، ومنحت العملية السياسية التي وصلت إلى مفترق طرق نهائي واضح بعض الوقت، لتعيد ترتيب أوضاعها وأوضاع العاملين فيها.
كانت حركة العبادي، والتي باركتها كل القوى السياسية في البرلمان وكل حكومته، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة، وربما حاسمة من تاريخ العراق السياسي بوضعه (الأعرج) الحالي؛ هذه المرحلة التي ستقطف فيها رؤوسٌ فاسدة، وتترك أخرى، أعلنت بسرعة فائقة عن نفسها كأول الجهات التي تشد على يد العبادي لمحاربة الفساد، وكانت البداية من السيد مقتدى الصدر الذي هدد العبادي بتظاهرات مليونية لأتباعه، في حال لم ينفذ برنامجه الإصلاحي الأخير، ثم انبرى مثال الآلوسي، والذي لا يملك إلا مقعداً واحداً في مجلس (النواب)، ويتخذ من أربيل مقره، للقول، في فضائية عربية، إنه كان لحزبه، الذي يترأسه، الدور الرئيسي في التظاهرات في بغداد. أما نوري المالكي، والذي يعتبر أساس الفساد ومصدر كل مشكلات العراق (بحسب شهادات سياسيي العملية السياسية في العراق)، فقال، إنه يؤيد كل ما دعا إليه العبادي من إجراءات إصلاحية، ثم فعل عمار الحكيم الفعل نفسه، وتهافت بعده آخرون، لتقديم السمع والطاعة، ليس إيماناً بقرارات العبادي، وإنما خوفاً من استمرار الحركة الشبابية الغاضبة، والتي باتت قريبة جداً من المنطقة الخضراء التي يتحصنون فيها بشكل كامل، وسط بغداد.
ليس المشهد الحقيقي في العراق، كما يبدو في وسائل الإعلام. نعم، هناك خواء تام للعملية السياسية، وهناك شعور عام بأن كل الكتل السياسية متورطة، بدرجات مختلفة، في عمليات فساد سلبت من خلالها إيرادات بيع النفط العراقي عبر أكثر من 12 عاماً تقدر بترليون دولار، وعلى الرغم من خواء الخزينة العراقية، تماماً، من أي مبالغ فعلية تذكر، فإن مافيا الفساد ما زالت في حالة نشطة لتأمين استمرارها في الوجود في مناطق النفوذ المالي والقضائي والإداري في العراق، كما هي حريصة وبدرجات متفاوتة، لكنها شاملة، على حماية نفسها، بتقديم أسماء وعناوين معينة أكباش فداء، تؤجل إلى زمن آخر انهيار البناء العنكبوتي الذي شيّد داخل المؤسسات العراقية، بحجج المحاصصة والمظلومية وسياسة تهميش الآخرين، والتي أسس لها الدستور المثير للجدل هناك. ومن هذا تحديداً، تحسس نائبي رئيس الجمهورية، أسامة النجيفي وإياد علاوي، من قرار العبادي إقالة نواب رئيس الجمهورية، وهم، بالإضافة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء، يعتبرون أن قرارات العبادي أمر دبرته، بليل، جهات متربصة بهم في العملية السياسية، وخصوصاً حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي، بغرض الخلاص منهم بعملية قيصرية، أو تحت ضغط الجماهير الغاضبة، وعاطفتها الجياشة والمطالبة ثم المؤيدة لتغييرات العبادي (الإصلاحية).
من بعيد، وفي قلب الحدث، نجد أن هناك طرفاً صامتاً تماماً، هو، في الحقيقة، أكبر القوى وأكثرها فاعلية على الأرض، وأكثرها قدرة على تنفيذ التغيير الذي ينشده بالقوة، ذاك هو قادة الحشد الشعبي، والذي يرى مراقبون كثر أنه سيكون المستفيد النهائي من تظاهرات العراق الوطنية، وأنه من سيركب موجتها في نهاية المطاف، بعد أن تتساقط الأسماء والعناوين بحمى وفوضى الإصلاحات (المزعومة) للعبادي، ويخرج أساطين العملية السياسية من المكونات والشخصيات التي تشكل مصدر (إزعاج)، سواء بمطالباتها الخاصة بالمصالحة الوطنية، أو إلغاء سياسة التهميش وغيرها من الشعارات التي لا يمكن تحقيقها، الآن، في ظل عدم تمكن إيران التي تأتمر قيادات (الحشد) بإمرتها، من بسط كامل نفوذها على العراق بشكل عام. الحشد نفسه، وبعد أن يسيطر على الحكم في العراق، سيتكفل حمايةَ من خرج الشعب للقصاص منهم، لكنه، أيضاً، سيقوم بإجراءات شديدة في حق آخرين، يتقاطعون مع نهجه، أو عارضوا نشاطاته في المناطق التي تشكل مساحة كبيرة من الاتهامات لمليشيات الحشد، في تعمدها القيام بتجاوزات عرقية ومذهبية في حق سكانها.
من سيركب موجة التظاهرات في العراق؟ أنتج هذا السؤال رؤية للمتبصرين بالشأن العراقي، وفي مراكز البحث العلمي، فهؤلاء يعتقدون أن عملية كبيرة، وكبيرة جداً، تستهدف إنقاذ ما تبقى من نظام الاحتلال المسمى (العملية السياسية)، وقد تكون الأحداث وتداعياتها وإجراءات الجميع فيها تمثل الصفحة الأخيرة من كتاب (الاحتلال المزدوج)، حيث إنه، وبعد ذلك، إما أن يكون العراق في إحدى الحاضنتين؛ الأميركية أو الإيرانية، وهنا تشير الدلائل إلى وجود سباق محموم بين الدولتين، من أجل وضع بصمة الإنقاذ (الديمقراطية) بالنسبة للولايات المتحدة، أو بسط الهيمنة المطلقة والتبعية التامة لولاية الفقيه بالنسبة لإيران. وفي حالة إحساس الطرفين، أن الغلبة قد تكون للشعب العراقي ولقواه الثورية، إن وجدت بقوة، عند ذاك، قد يرعى الأميركيون والإيرانيون (ربيعاً) عراقياً بمواصفات خاصة، وبنموذج مثالي، ربما يكون الأبرز بين نماذج الربيع العربي السابقة.
ليس ما جرى في مجلس النواب العراقي صحوة وطنية حقة، ولا هي استجابة لمطالب الجماهير في التغيير، فالأيادي التي رفعها أصحابها تأييداً لقرارات العبادي هي نفسها التي طالما عارضت، أو أخرّت، أو شوهت، قرارات وقوانين تتعلق بالمصالحة الوطنية والعفو والمحاسبة وغيرها، وهي نفسها من تمرّغ أصحابها في وحل الفساد والثراء، على حساب المال العام. ومن اللافت لكل متابع أن يصوّت مجلس النواب بالإجماع (100%) على ما قدم له من توصيات خاصة بالإصلاح، ما يؤكد الحقيقة الواضحة، والتي كما ذكرنا آنفاً (أمر دبرّ بليل) أفضى إلى التنسيق بين العبادي وحكومته وبين البرلمان ممثلاً برئيسه وبرؤساء الكتل وأعمدة المحاصصة الطائفية، تنسيق مفاده “احموا أنفسكم واحموني من غضبة الشعب، وكلما أسرعنا في اتخاذ القرارات فوتنا على هذا الشعب فرصة الثورة، أو الربيع الحقيقي”.
فارس خطاب
صحيفة العربي الجديد