تمحور الصراع على دور بشار الأسد في الحل السياسي في سورية، وموقعه في المرحلة الانتقالية، منذ الأشهر الأولى للثورة في العام 2011، حين صعّد المتظاهرون، في مواجهة الحملة الدموية التي تعرضوا لها من قوى الأمن والجيش والشبيحة، من مطالبهم، وتبنوا إسقاط الأسد، بينما جعل الموالون له من شعار “الأسد أو نحرق البلد” ديناً جامعاً، وتأكيداً لرفضهم، أي تعديل في قواعد الحكم والسيطرة والنظام.
وحصل ما يشبه ذلك أيضاً على صعيد السياسة الدولية، فتبنى من سموا أنفسهم أصدقاء الشعب السوري فكرة تنحي الأسد، رداً على سياسة إفراط النظام في العنف. وبرز تشبث حلفاء النظام الإقليميين والدوليين، في طهران وموسكو، بشعار الدفاع عن وجود الأسد في أي صيغة تسوية سياسية، ورفض أي نقاش عنه. وكانت عقدة الأسد قد برزت بشكل قوي، أيضاً، منذ بدء المداولات الدولية لإصدار قرار مجلس الأمن الذي سمي، لاحقاً، بيان جنيف1، والذي أقرت فيه تسوية تقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، من دون أي إشارة إلى دور الأسد، سلباً أو إيجاباً. والواقع أن مسودة مشروع القرار كانت تتضمن جملة تنحي الأسد، وهذا ينسجم مع فكرة هيئة الحكم التنفيذية كاملة الصلاحيات. ولكن، تم التوافق على حذفها، والإبقاء على الغموض في موضوع دور الأسد، لضمان تصويت موسكو على القرار الأممي.
وإذا كان هناك من يتحدث، اليوم، عن بارقة أمل في الحل السياسي، بعد خمس سنوات من الأزمة، كما عبر عن ذلك الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في آخر خطبه، فذلك لأن الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها، في الأشهر الأخيرة، قوى ودول معنية عديدة، خصوصاً المملكة العربية السعودية، توحي بأن موسكو أصبحت تبدي مرونة أكثر في هذه المسألة، ولا ترد على من يطرحها من الأطراف الأخرى بالأسلوب نفسه من النزق والغضب الذي كانت ترد به على محدّثيها من قبل.
يبدو مستقبل الحل السياسي، إذن، مرتبطاً في سورية، بعد خمس سنوات من أزمة كارثية، بتقرير مصير شخص، هو بالأساس إشكالي، حتى داخل أسرته ونظامه، لم يحظ، يوماً، باحترام أقرانه، واتهمه رؤساء دول عديدون بالكذب والمراوغة، ولم يبد، خلال خمسة عشر عاماً من حكمه، أي نضج أو حنكة سياسية، ولا تميّز بأي شعور بالمسؤولية، ولم يكفّ عن محاولة إصلاح الخطأ بخطأ أعظم منه، حتى وصلت سورية إلى الحالة المأساوية التي تعيشها اليوم، والتي لم يسبق لها مثيل في الصراعات السياسية في العصر الحديث.
وإذا كان هناك من يتحدث، اليوم، عن بارقة أمل في الحل السياسي، بعد خمس سنوات من الأزمة، كما عبر عن ذلك الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في آخر خطبه، فذلك لأن الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها، في الأشهر الأخيرة، قوى ودول معنية عديدة، خصوصاً المملكة العربية السعودية، توحي بأن موسكو أصبحت تبدي مرونة أكثر في هذه المسألة، ولا ترد على من يطرحها من الأطراف الأخرى بالأسلوب نفسه من النزق والغضب الذي كانت ترد به على محدّثيها من قبل.
يبدو مستقبل الحل السياسي، إذن، مرتبطاً في سورية، بعد خمس سنوات من أزمة كارثية، بتقرير مصير شخص، هو بالأساس إشكالي، حتى داخل أسرته ونظامه، لم يحظ، يوماً، باحترام أقرانه، واتهمه رؤساء دول عديدون بالكذب والمراوغة، ولم يبد، خلال خمسة عشر عاماً من حكمه، أي نضج أو حنكة سياسية، ولا تميّز بأي شعور بالمسؤولية، ولم يكفّ عن محاولة إصلاح الخطأ بخطأ أعظم منه، حتى وصلت سورية إلى الحالة المأساوية التي تعيشها اليوم، والتي لم يسبق لها مثيل في الصراعات السياسية في العصر الحديث.
كيف حدث هذا؟ وكيف قبل العالم أن يعلق مصير شعب من 23 مليون نسمة بمصير شخص يعترف الجميع، بما فيه أنصاره، أنه ارتكب من الأخطاء القاتلة والانتهاكات الخطيرة والجرائم اللاإنسانية ما لا يمكن إحصاؤها، بحق طائفته وشعبه والشعوب العربية المجاورة، وكيف ترك هذا العالم طاغيةً دموياً مغرقاً في النرجسية والانفصال عن الواقع، يستمر في تدمير بلد كبير ونشر الموت والخراب في مجتمع آمن، وخلق أكبر كارثة إنسانية في القرن، وتهديد الأمن والسلام العالميين، من دون أن يحرك ساكناً، أو يقوم بأي رد فعل جدي؟
وكيف استسلم العالم أمام مثل هذه المعادلة التي تركت نظاماً موغلاً في الاستبداد والعنف، يستمر في تدمير بلد عريق في الحضارة والمدنية، وفي نشر الموت والخراب في مجتمع آمن، ودفع ملايين السوريين إلى مخيمات اللجوء، لإحداث أكبر كارثة إنسانية في القرن، وتهديد الأمن والسلام العالميين، من دون أن يحرك ساكناً؟مصير شخص ومصير شعب
من الصعب تفسير الحرص الذي أظهرته أطراف دولية، ولا تزال، على التمسك بشخص على قمة نظام ارتكب من الانتهاكات ما ملأ آلاف الصفحات في تقارير المنظمات الإنسانية والحقوقية، حوّل سورية إلى معتقل كبير، وجرد أبناءها من حقوقهم المدنية والسياسية، وجعلهم فريسة أجهزته الأمنية خارج أي حماية قانونية أو سياسية، وهو لا يزال يقتل، يومياً، مئات من السوريين منذ أربع سنوات من دون انقطاع، ويقصف، عشوائياً، المدن والقرى السورية بالبراميل المتفجرة والصواريخ والمدفعية، ويدفع إلى طرق الهجرة والتشرد بملايين الأفراد الأبرياء من أجل القضاء على حاضنة الثورة الاجتماعية. ومن المستغرب أن يحظى مثل هذا الشخص بالتعاطف والمداراة التي سمحت له بالاستمرار في أعماله المخالفة أي عرف أو قانون، والتهرب من أي محاسبة أو عقاب.
هذا الشخص هو أول من استخدم سلاح الإرهاب وسيلة لترويع الخصوم والمختلفين معه وفرض سيطرته في الداخل والخارج، ودفع واشنطن إلى تسجيل سورية على قائمة الدول المدعمة للإرهاب حتى وقت قريب. وهو الذي صنع منظمات إرهاب عديدة، واستخدمها ضد دول الجوار، وكان أبرزها إرسال المقاتلين الجهاديين إلى العراق، لزعزعة استقرار السلطة الجديدة في العقد الماضي، وخطط مع حزب الله لعملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، وشخصيات سياسية وإعلامية وفكرية لبنانية عديدة، وصنع السلاح الكيمياوي خارقاً المعاهدات الدولية لحظر الأسلحة الكيمياوية، واستخدم هذا السلاح ضد المحتجين المدنيين من شعبه. وكانت هذه أول مرة يستخدم فيها سلاح كيمياوي على نطاق واسع في صراعات سياسية، ومارس القتل الجماعي، كما في معسكرات الاعتقال النازية، ما أثبته بالدليل القاطع مصور الجيش المنشق المعروف باسم القيصر، والذي عرض صور آلاف المعتقلين الأبرياء الذين قضوا تحت التعذيب والتجويع والتمثيل بجثامينهم، ويحتفظ، حتى الآن، بمئات الألوف منهم تحت التعذيب في أقبية سجونه؟
وكيف استسلم العالم أمام مثل هذه المعادلة التي تركت نظاماً موغلاً في الاستبداد والعنف، يستمر في تدمير بلد عريق في الحضارة والمدنية، وفي نشر الموت والخراب في مجتمع آمن، ودفع ملايين السوريين إلى مخيمات اللجوء، لإحداث أكبر كارثة إنسانية في القرن، وتهديد الأمن والسلام العالميين، من دون أن يحرك ساكناً؟مصير شخص ومصير شعب
من الصعب تفسير الحرص الذي أظهرته أطراف دولية، ولا تزال، على التمسك بشخص على قمة نظام ارتكب من الانتهاكات ما ملأ آلاف الصفحات في تقارير المنظمات الإنسانية والحقوقية، حوّل سورية إلى معتقل كبير، وجرد أبناءها من حقوقهم المدنية والسياسية، وجعلهم فريسة أجهزته الأمنية خارج أي حماية قانونية أو سياسية، وهو لا يزال يقتل، يومياً، مئات من السوريين منذ أربع سنوات من دون انقطاع، ويقصف، عشوائياً، المدن والقرى السورية بالبراميل المتفجرة والصواريخ والمدفعية، ويدفع إلى طرق الهجرة والتشرد بملايين الأفراد الأبرياء من أجل القضاء على حاضنة الثورة الاجتماعية. ومن المستغرب أن يحظى مثل هذا الشخص بالتعاطف والمداراة التي سمحت له بالاستمرار في أعماله المخالفة أي عرف أو قانون، والتهرب من أي محاسبة أو عقاب.
هذا الشخص هو أول من استخدم سلاح الإرهاب وسيلة لترويع الخصوم والمختلفين معه وفرض سيطرته في الداخل والخارج، ودفع واشنطن إلى تسجيل سورية على قائمة الدول المدعمة للإرهاب حتى وقت قريب. وهو الذي صنع منظمات إرهاب عديدة، واستخدمها ضد دول الجوار، وكان أبرزها إرسال المقاتلين الجهاديين إلى العراق، لزعزعة استقرار السلطة الجديدة في العقد الماضي، وخطط مع حزب الله لعملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، وشخصيات سياسية وإعلامية وفكرية لبنانية عديدة، وصنع السلاح الكيمياوي خارقاً المعاهدات الدولية لحظر الأسلحة الكيمياوية، واستخدم هذا السلاح ضد المحتجين المدنيين من شعبه. وكانت هذه أول مرة يستخدم فيها سلاح كيمياوي على نطاق واسع في صراعات سياسية، ومارس القتل الجماعي، كما في معسكرات الاعتقال النازية، ما أثبته بالدليل القاطع مصور الجيش المنشق المعروف باسم القيصر، والذي عرض صور آلاف المعتقلين الأبرياء الذين قضوا تحت التعذيب والتجويع والتمثيل بجثامينهم، ويحتفظ، حتى الآن، بمئات الألوف منهم تحت التعذيب في أقبية سجونه؟
ذرائع واهية وأوهام
يعزو الموالون للأسد تمسكهم به رئيساً أبدياً إلى خوفهم من الأعمال الانتقامية والمجازر التي يمكن أن يتعرض لها العلويون والأقليات عموماً، كما سوقت ذلك أجهزة الأسد وطهران السياسية والإعلامية والمخابراتية، وضرورة الوقوف صفاً واحداً وراء “الرئيس” وسلطته الشرعية، في مواجهة التنظيمات الإسلامية التكفيرية. وهذا ما يشرحه بالتفصيل علي عباس، في مقالة طويلة، عنوانها معبر “لماذا نحن (العلويون) مع بشار الأسد”؟ كتبها في نوفمبر/ تشرين أول 2011.
أما طهران فتبرر تمسكها بالأسد بذريعة الدفاع عن حليف رئيسي في محور الممانعة ضد إسرائيل، وتعتبر خروجه من الحكم تهديداً لهذا المحور، وبالتالي، لقضية العرب والمسلمين الأولى في مواجهة الصهيونية والإمبريالية. بينما تعتقد موسكو أن بقاء الرئيس “الشرعي” واستمراره في لعب دور رئيسي، في أي مرحلة انتقالية، يشكل ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة وتجنيبها الانهيار. وقد بدأت هذه الفكرة تجذب عواصم أخرى، أخيراً، لاعتقادها أن البديل المنظور للنظام القائم الذي تراجعت قوته كثيراً، يمكن أن يكون، على الأغلب، سيطرة التنظيمات الجهادية أو المتشددة، مثل القاعدة وتنظيم الدولة. وهي ترى أن وجود الأسد يمكن أن يشكل حاجزاً أمام الانهيار المفاجئ للجيش والدولة والنظام.
وأكثر فأكثر، تنزع الدبلوماسية الدولية إلى النظر إلى وجود الأسد ضامناً ما تبقى من مؤسسات الدولة، وإلى دعم هذه المؤسسات وعدم التفريط فيها، في انتظار التسوية السياسية خياراً وحيداً مقبولاً في مواجهة مخاطر تمدد تنظيم الدولة والقاعدة والحركات الجهادية، وتفاقم خطر انتشار الفوضى وعدم الاستقرار.
والواقع ليس للدور الذي لعبه الأسد، في السنوات الخمس الماضية، والذي يريده بعضهم أن يستمر في لعبه في المرحلة الانتقالية، أي علاقة بقوة الأسد ولا بحماية الأقليات أو منع تفكك الدولة والمؤسسات، ولا من باب أولى بالحفاظ على سياسة الممانعة ومحورها. بالعكس، كانت أساليبه الإجرامية في التعامل مع السوريين السبب الأكبر في انقلاب الأوضاع وانفلاتها، وتفكك أجهزة الدولة، وتعرية البلاد أمام أعدائها وخصومها، وفي انتشار الفوضى والحرب الأهلية والإرهاب.
بالعكس، استمراره في الحكم وفي خطبه الاستفزازية التي قرر فيها، أن من يدافع عن سورية من المليشيات الطائفية هو صاحب الحق فيها، لا سكانها ومواطنوها، هو أكبر محرّض على استمرار العنف وتعميق مشاعر الكراهية والانتقام، والدفع نحو مذابح طائفية محتملة، وهو، بالقدر نفسه، أقوى دافع لإفراغ فكرة الدولة من مضمونها، وتعزيز نشوء الإمارات الموازية وتفكيك مؤسسات الدولة وتدميرها. ويشكل وجوده في السلطة، كما ذكر سياسيون دوليون كثيرون، يجعل منه قطباً مغناطيسياً جاذباً للتطرف والإرهاب من كل مكان.
يعزو الموالون للأسد تمسكهم به رئيساً أبدياً إلى خوفهم من الأعمال الانتقامية والمجازر التي يمكن أن يتعرض لها العلويون والأقليات عموماً، كما سوقت ذلك أجهزة الأسد وطهران السياسية والإعلامية والمخابراتية، وضرورة الوقوف صفاً واحداً وراء “الرئيس” وسلطته الشرعية، في مواجهة التنظيمات الإسلامية التكفيرية. وهذا ما يشرحه بالتفصيل علي عباس، في مقالة طويلة، عنوانها معبر “لماذا نحن (العلويون) مع بشار الأسد”؟ كتبها في نوفمبر/ تشرين أول 2011.
أما طهران فتبرر تمسكها بالأسد بذريعة الدفاع عن حليف رئيسي في محور الممانعة ضد إسرائيل، وتعتبر خروجه من الحكم تهديداً لهذا المحور، وبالتالي، لقضية العرب والمسلمين الأولى في مواجهة الصهيونية والإمبريالية. بينما تعتقد موسكو أن بقاء الرئيس “الشرعي” واستمراره في لعب دور رئيسي، في أي مرحلة انتقالية، يشكل ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة وتجنيبها الانهيار. وقد بدأت هذه الفكرة تجذب عواصم أخرى، أخيراً، لاعتقادها أن البديل المنظور للنظام القائم الذي تراجعت قوته كثيراً، يمكن أن يكون، على الأغلب، سيطرة التنظيمات الجهادية أو المتشددة، مثل القاعدة وتنظيم الدولة. وهي ترى أن وجود الأسد يمكن أن يشكل حاجزاً أمام الانهيار المفاجئ للجيش والدولة والنظام.
وأكثر فأكثر، تنزع الدبلوماسية الدولية إلى النظر إلى وجود الأسد ضامناً ما تبقى من مؤسسات الدولة، وإلى دعم هذه المؤسسات وعدم التفريط فيها، في انتظار التسوية السياسية خياراً وحيداً مقبولاً في مواجهة مخاطر تمدد تنظيم الدولة والقاعدة والحركات الجهادية، وتفاقم خطر انتشار الفوضى وعدم الاستقرار.
والواقع ليس للدور الذي لعبه الأسد، في السنوات الخمس الماضية، والذي يريده بعضهم أن يستمر في لعبه في المرحلة الانتقالية، أي علاقة بقوة الأسد ولا بحماية الأقليات أو منع تفكك الدولة والمؤسسات، ولا من باب أولى بالحفاظ على سياسة الممانعة ومحورها. بالعكس، كانت أساليبه الإجرامية في التعامل مع السوريين السبب الأكبر في انقلاب الأوضاع وانفلاتها، وتفكك أجهزة الدولة، وتعرية البلاد أمام أعدائها وخصومها، وفي انتشار الفوضى والحرب الأهلية والإرهاب.
بالعكس، استمراره في الحكم وفي خطبه الاستفزازية التي قرر فيها، أن من يدافع عن سورية من المليشيات الطائفية هو صاحب الحق فيها، لا سكانها ومواطنوها، هو أكبر محرّض على استمرار العنف وتعميق مشاعر الكراهية والانتقام، والدفع نحو مذابح طائفية محتملة، وهو، بالقدر نفسه، أقوى دافع لإفراغ فكرة الدولة من مضمونها، وتعزيز نشوء الإمارات الموازية وتفكيك مؤسسات الدولة وتدميرها. ويشكل وجوده في السلطة، كما ذكر سياسيون دوليون كثيرون، يجعل منه قطباً مغناطيسياً جاذباً للتطرف والإرهاب من كل مكان.
تقاطع المصالح الدولية
لا يرتبط التمسك بالأسد ودوره في أي تسوية قادمة، لا بالحيلولة دون حصول المذابح الجماعية التي أصبحت برنامجه اليومي، في المدن والقرى المعرضة للقصف الدائم بالصواريخ الفراغية والبراميل، ولا بالخوف من انهيار النظام وانتشار الفوضى وسيطرة التنظيمات المتطرفة، أو بضرورة احترام الشرعية والقانون الدولي، ولا بالحفاظ على مؤسسات الدولة والحاجة إليه، وإلى قواته، لمواجهة التنظيمات الإرهابية، كما يشير بعضهم.
ما يفسر بقاء الأسد، حتى الآن، تقاطع مصالح متعددة، أو بالأحرى غياب مصالح مشتركة لدى الأطراف الدولية، للانخراط جدياً في العمل على وقف الحرب، ووضع حد لتطبيق برنامج القتل اليومي والتطهير العرقي، ومواجهة الأطراف التي تجد، في الحفاظ على نظام الإقصاء واحتكار السلطة والانفراد بالقرار، مصلحة استراتيجية ترفض النقاش فيها. ومن هذه الأطراف، العائلة الحاكمة وطبقة المحاسيب الملتفة حولها، وبعض الدول التي جعلت من سورية ورقة ضغط في حساباتها الاستراتيجية، أو جزءاً من مشروع هيمنتها الإقليمية، وفي مقدمتها طهران الخامنئية التي أعلن مسؤولوها، مرات، أن سورية أهم بالنسبة لهم من أي محافظة إيرانية أخرى، وأن طهران ليست متمسكة بنظام الأسد فحسب، وإنما هي مستعدة للقتال عنه.
ما تهدف إليه طهران من التشبث بالأسد ليس الحفاظ على محور الممانعة، كما تدعي، والسوريون هم أولى به، وإنما الحفاظ على بنية النظام القائم على احتكار السلطة والاستفراد بالقرار والإقصاء الدائم لأغلبية الشعب، للاحتفاظ بهامش مناورة كامل في ما يتعلق بتقرير مصير البلاد والتصرف بأرضها ومواردها وحقوق شعبها ومصالحه. فبوجود مثل هذا النظام وحده تستطيع طهران أن تؤمّن لنفسها الغطاء الشرعي والقانوني، لتمرير مشروعها الطائفي الاستراتيجي، القائم على العمل على تغيير البنية السكانية والمذهبية لبعض المناطق السورية في إطار تغيير التوازنات السياسية الداخلية، والجيوسياسية الإقليمية، وتشكيل الهلال الشيعي، الممتد من قم إلى بيروت، وتعزيز وضع حزب الله، الذي يمثل القاعدة العسكرية والسياسية والأيديولوجية الرئيسية لطهران في المشرق، بأحزاب “إلهية” جديدة. وقد استغلت طهران مناسبة الأزمة التي أعقبت ثورة آذار (مارس)، 2011، إن لم تختلقها، من أجل التخلص من الدولة الوطنية لصالح دولة المحاصصة بين أمراء المليشيات، وتسهيل اختراق المجتمعات والسيطرة المديدة عليها.
ومن دون الإبقاء على نظام احتكار السلطة الذي يمثله الأسد، ولم يعد من الممكن استمراره من دونه، لن يكون في وسع طهران أن تستمر في خطتها هذه، وأن تمرّر قراراتها وتستكمل مشروعها المذهبي والجيوسياسي الإقليمي. وهذا هو نموذج السيطرة الذي طبقته من قبل في عراق ما بعد صدام، حيث حالت دون إعادة بناء الدولة الوطنية، واستبدلتها بحكم ائتلاف المليشيات الطائفية والمذهبية التابعة لها، وشجعت النخبة السياسية الجديدة على الاستئثار بالحكم على أساس طائفي، وعارضت بقوة، ولا تزال، مشاركة السنة في القرار السياسي، ولا تزال تراهن على تعبئة الصراعات المذهبية وتأجيجها، لتبقي على سيطرتها في العراق، وللتمدد نحو بلدان المنطقة الأخرى.
باختصار، بمقدار ما يشكل ترحيل الأسد بالنسبة للمعارضة الإشارة لانطلاق قطار الإصلاح والدخول في المرحلة الانتقالية التي تأمل أن تقود إلى دولة العدالة والحق والحرية والقانون، يشكل بقاؤه صمام الأمان بالنسبة لمصالح إيران في إطار استراتيجية التوسع والهيمنة الإقليمية.
في هذه الحالة، كيف يمكن التوصل إلى حل سياسي؟ وما هي الطريقة لإيجاد مصالح مشتركة لدى الأطراف غير المعنية ببقاء الأسد، تدفعها إلى الضغط على طهران والدول الحليفة لها، لوضع حد لنزيف الدم والحرب المدمرة؟
كان من الممكن للحرب ضد الإرهاب أن تكون محور هذه المصالح المشتركة بالفعل، لتشكيل فريق من الدول يضغط على طهران، ويجبرها على الحد من أطماعها، والتراجع عن سياسات التأجيج الطائفي، وزعزعة الاستقرار الإقليمي. لكن، ما حصل عكس ذلك تماماً، فقد طرحت واشنطن طهران على أنها الشريك الرئيسي الإقليمي في الحرب ضد الإرهاب، ليس في العراق فحسب، وإنما في سورية أيضاً، عن طريق دعم حلفائها. وها هي، الآن، تعزز من ضغوطها في سورية، لتأكيد دورها، وما تعتبر أنه مصالحها الاستراتيجية المستقبلية، من دون أن يطالبها أحد من الدول الكبرى، أو الصديقة، بسحب مليشياتها، أو وضع حد لهجومها المستمر على مواقع المعارضة، بالتعاون مع براميل الأسد التفجيرية.
حتى نتقدم نحو الحل السياسي، ينبغي على أحد الأطراف أن يتراجع، المجتمع الدولي الباحث عن تسوية، أو طهران المتشبثة بابتلاع سورية. وفي نظري، لن تتراجع طهران عن حلمها بالإبقاء على الأسد، وتأكيد استتباعه ونظامه، لا بوساطة روسية، ولا بضغوط دولية عادية، خبرتها واعتادت عليها. لن يجبر طهران على العودة إلى ميزان العقل في سورية سوى هزيمة مليشياتها العاملة، وفي مقدمتها مليشيا حزب الله، أو موقف حاسم وجدّي من الأمم المتحدة والدول الرئيسية، وقرار ملزم من مجلس الأمن يجبرها على احترام سيادة السوريين، وإخراج مليشياتها من سورية. وهذا يستدعي، منذ الآن، التعاون بين المعارضة السورية والدول الكبرى والأمم المتحدة على تشكيل البديل المقنع والمقبول، ليس لنظام الأسد الديكتاتوري والطائفي فحسب، وإنما لمنظومة العلاقات الإقليمية التي أصبحت سورية أحد أركانها الرئيسية.
ليست عقدة الأسد، في النهاية، إلا تغول طهران وتمردها على الشرعية الدولية، من دون أن تجد رادعاً لها. هذه هي المشكلة، وهي العقدة الحقيقية.
لا يرتبط التمسك بالأسد ودوره في أي تسوية قادمة، لا بالحيلولة دون حصول المذابح الجماعية التي أصبحت برنامجه اليومي، في المدن والقرى المعرضة للقصف الدائم بالصواريخ الفراغية والبراميل، ولا بالخوف من انهيار النظام وانتشار الفوضى وسيطرة التنظيمات المتطرفة، أو بضرورة احترام الشرعية والقانون الدولي، ولا بالحفاظ على مؤسسات الدولة والحاجة إليه، وإلى قواته، لمواجهة التنظيمات الإرهابية، كما يشير بعضهم.
ما يفسر بقاء الأسد، حتى الآن، تقاطع مصالح متعددة، أو بالأحرى غياب مصالح مشتركة لدى الأطراف الدولية، للانخراط جدياً في العمل على وقف الحرب، ووضع حد لتطبيق برنامج القتل اليومي والتطهير العرقي، ومواجهة الأطراف التي تجد، في الحفاظ على نظام الإقصاء واحتكار السلطة والانفراد بالقرار، مصلحة استراتيجية ترفض النقاش فيها. ومن هذه الأطراف، العائلة الحاكمة وطبقة المحاسيب الملتفة حولها، وبعض الدول التي جعلت من سورية ورقة ضغط في حساباتها الاستراتيجية، أو جزءاً من مشروع هيمنتها الإقليمية، وفي مقدمتها طهران الخامنئية التي أعلن مسؤولوها، مرات، أن سورية أهم بالنسبة لهم من أي محافظة إيرانية أخرى، وأن طهران ليست متمسكة بنظام الأسد فحسب، وإنما هي مستعدة للقتال عنه.
ما تهدف إليه طهران من التشبث بالأسد ليس الحفاظ على محور الممانعة، كما تدعي، والسوريون هم أولى به، وإنما الحفاظ على بنية النظام القائم على احتكار السلطة والاستفراد بالقرار والإقصاء الدائم لأغلبية الشعب، للاحتفاظ بهامش مناورة كامل في ما يتعلق بتقرير مصير البلاد والتصرف بأرضها ومواردها وحقوق شعبها ومصالحه. فبوجود مثل هذا النظام وحده تستطيع طهران أن تؤمّن لنفسها الغطاء الشرعي والقانوني، لتمرير مشروعها الطائفي الاستراتيجي، القائم على العمل على تغيير البنية السكانية والمذهبية لبعض المناطق السورية في إطار تغيير التوازنات السياسية الداخلية، والجيوسياسية الإقليمية، وتشكيل الهلال الشيعي، الممتد من قم إلى بيروت، وتعزيز وضع حزب الله، الذي يمثل القاعدة العسكرية والسياسية والأيديولوجية الرئيسية لطهران في المشرق، بأحزاب “إلهية” جديدة. وقد استغلت طهران مناسبة الأزمة التي أعقبت ثورة آذار (مارس)، 2011، إن لم تختلقها، من أجل التخلص من الدولة الوطنية لصالح دولة المحاصصة بين أمراء المليشيات، وتسهيل اختراق المجتمعات والسيطرة المديدة عليها.
ومن دون الإبقاء على نظام احتكار السلطة الذي يمثله الأسد، ولم يعد من الممكن استمراره من دونه، لن يكون في وسع طهران أن تستمر في خطتها هذه، وأن تمرّر قراراتها وتستكمل مشروعها المذهبي والجيوسياسي الإقليمي. وهذا هو نموذج السيطرة الذي طبقته من قبل في عراق ما بعد صدام، حيث حالت دون إعادة بناء الدولة الوطنية، واستبدلتها بحكم ائتلاف المليشيات الطائفية والمذهبية التابعة لها، وشجعت النخبة السياسية الجديدة على الاستئثار بالحكم على أساس طائفي، وعارضت بقوة، ولا تزال، مشاركة السنة في القرار السياسي، ولا تزال تراهن على تعبئة الصراعات المذهبية وتأجيجها، لتبقي على سيطرتها في العراق، وللتمدد نحو بلدان المنطقة الأخرى.
باختصار، بمقدار ما يشكل ترحيل الأسد بالنسبة للمعارضة الإشارة لانطلاق قطار الإصلاح والدخول في المرحلة الانتقالية التي تأمل أن تقود إلى دولة العدالة والحق والحرية والقانون، يشكل بقاؤه صمام الأمان بالنسبة لمصالح إيران في إطار استراتيجية التوسع والهيمنة الإقليمية.
في هذه الحالة، كيف يمكن التوصل إلى حل سياسي؟ وما هي الطريقة لإيجاد مصالح مشتركة لدى الأطراف غير المعنية ببقاء الأسد، تدفعها إلى الضغط على طهران والدول الحليفة لها، لوضع حد لنزيف الدم والحرب المدمرة؟
كان من الممكن للحرب ضد الإرهاب أن تكون محور هذه المصالح المشتركة بالفعل، لتشكيل فريق من الدول يضغط على طهران، ويجبرها على الحد من أطماعها، والتراجع عن سياسات التأجيج الطائفي، وزعزعة الاستقرار الإقليمي. لكن، ما حصل عكس ذلك تماماً، فقد طرحت واشنطن طهران على أنها الشريك الرئيسي الإقليمي في الحرب ضد الإرهاب، ليس في العراق فحسب، وإنما في سورية أيضاً، عن طريق دعم حلفائها. وها هي، الآن، تعزز من ضغوطها في سورية، لتأكيد دورها، وما تعتبر أنه مصالحها الاستراتيجية المستقبلية، من دون أن يطالبها أحد من الدول الكبرى، أو الصديقة، بسحب مليشياتها، أو وضع حد لهجومها المستمر على مواقع المعارضة، بالتعاون مع براميل الأسد التفجيرية.
حتى نتقدم نحو الحل السياسي، ينبغي على أحد الأطراف أن يتراجع، المجتمع الدولي الباحث عن تسوية، أو طهران المتشبثة بابتلاع سورية. وفي نظري، لن تتراجع طهران عن حلمها بالإبقاء على الأسد، وتأكيد استتباعه ونظامه، لا بوساطة روسية، ولا بضغوط دولية عادية، خبرتها واعتادت عليها. لن يجبر طهران على العودة إلى ميزان العقل في سورية سوى هزيمة مليشياتها العاملة، وفي مقدمتها مليشيا حزب الله، أو موقف حاسم وجدّي من الأمم المتحدة والدول الرئيسية، وقرار ملزم من مجلس الأمن يجبرها على احترام سيادة السوريين، وإخراج مليشياتها من سورية. وهذا يستدعي، منذ الآن، التعاون بين المعارضة السورية والدول الكبرى والأمم المتحدة على تشكيل البديل المقنع والمقبول، ليس لنظام الأسد الديكتاتوري والطائفي فحسب، وإنما لمنظومة العلاقات الإقليمية التي أصبحت سورية أحد أركانها الرئيسية.
ليست عقدة الأسد، في النهاية، إلا تغول طهران وتمردها على الشرعية الدولية، من دون أن تجد رادعاً لها. هذه هي المشكلة، وهي العقدة الحقيقية.
برهان غليون
صحيفة العربي الجديد