في 27 تموز/يوليو، أطلقت الميليشيات المدعومة من إيران في التاجي في العراق خمسة صواريخ على القاعدة العسكرية المحلية، التي تضم وحدة أمريكية صغيرة. وبالفعل، تقوم «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» وجماعات أخرى بتصعيد حملة المضايقة ضد وجود التحالف بقيادة الولايات المتحدة باستخدامها مجموعة من التكتيكات:
هجمات على مواكب لوجستية. وفقاً لجهات الاتصال العسكرية الأمريكية، شنت الميليشيات 51 هجوماً هذا العام على شاحنات تنقل إمدادات إلى القوات الأمريكية وقوات التحالف والمواقع الدبلوماسية في العراق. وتم تنفيذ جميع تلك الهجمات تقريباً بواسطة قنابل يدوية أو قنابل “مولوتوف”، على الرغم من أن بعضها شمل إطلاق المدافع أو الأجهزة المتفجّرة المرتجلة المزروعة على جوانب الطرق. وألحقت الهجمات أضراراً بالشاحنات والأعتدة الأمريكية، لكنها لم تشكل تهديداً على حياة الأمريكيين هناك لأن الشاحنات يقودها مقاولون عراقيون ترافقهم شركات أمنية عراقية. ومن غير المستغرب أن يصبح العراقيون أقل رغبة في العمل على مثل هذه المواكب.
هجمات بالصواريخ. شنت الميليشيات ما لا يقل عن 27 هجوماً صاروخياً على مواقع أمريكية في العراق هذا العام، وأطلقت ما يزيد قليلاً على 80 صاروخاً وقذيفة هاون. وقُتل جنديان أمريكيان وجندية بريطانية في هجوم شُنّ في 11 آذار/مارس على التاجي. وفي الهجوم الذي شنّ في 27 تموز/يوليو، دمرت الصواريخ مروحية عراقية في القاعدة وألحقت أضراراً بموقع تصنيع عسكري عراقي.
تهديدات بالطائرات بدون طيار. في 22 تموز/يوليو، اكتشفت قوات الأمن طائرة بدون طيار رباعية الدوارات تحمل قنبلة صغيرة على سطح مبنى في الجادرية، عبر نهر دجلة مباشرة [على الجانب الثاني] من السفارة الأمريكية ومركز الحكومة العراقية. وكانت طائرات الميليشيات بدون طيار قد حلقت سابقاً فوق السفارة والقواعد الأمريكية في عدد من المناسبات.
التهديدات للأسلحة الجوية. أطلقت الميليشيات النار على مروحيات أمريكية تتنقل بين القواعد على غرار قاعدة “كي وان” (K-1) في كركوك. كما نشرت صوراً تدّعي أنها تُظهر عملية (فاشلة) لإطلاق “نظام دفاع جوي محمول” على مروحية أمريكية من طراز “شينوك” بالقرب من قاعدة التدريب في بسماية. وفي حالات أخرى، عرض قادة الميليشيات خرائط ادعوا أنها تظهر تتبع الرادار لطرق النقل الجوية [لقوات] التحالف.
أخذ الرهائن. تُعتبر حادثة الاختطاف الأخيرة للناشطة الثقافية الألمانية الفنانة هيلا مويس التي دامت ثلاثة أيام في بغداد بمثابة تذكير على أن الميليشيات المدعومة من إيران قد تحاول الضغط على الولايات المتحدة من خلال اختطاف مواطنين أمريكيين، بمن فيهم مواطنون عراقيون مزدوجو الجنسية.
تحدي سلطة الحكومة. أظهرت بعض الميليشيات تحديها من خلال نشرها المستمر لرسائل عبر وسائل الإعلام والإنترنت. وينتقد المسؤول الأمني لـ «كتائب حزب الله» أبو علي العسكري ويهدّد بانتظام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي و”أعداء” آخرين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تمّ تصوير مقاتلي «كتائب حزب الله»، الذين تستخدمهم «قوات الحشد الشعبي»، وهي جهاز حكومي رسمي، وهم يدوسون على صور قائدهم العام مصطفى الكاظمي. وفي الوقت نفسه، تتمتع مواكب الميليشيات الكبيرة بحرية التجول في مركز الحكومة وتهدّد مسؤولين عراقيين.
وكثيراً ما تُستخدم العديد من هذه التدابير بالتضافر مع تصوير جهود المضايقة بشكل زائف على أنها مقاومة عسكرية فعالة. على سبيل المثال، غالباً ما تعلم الميليشيات عن عملية إعادة انتشار وشيكة [لقوات] التحالف من قاعدة إلى أخرى، لكي تقوم بعد ذلك باستخدام مختلف منصاتها الإعلامية للتنبؤ علناً بانسحاب القوات، ثم قيامها بإطلاق صواريخ على القاعدة، وبعد ذلك تسجيلها عملية إعادة النشر المقررة كدليل مصور مزعوم على تكتيكات مقاومة ناجحة. وهذا ما حصل عندما تعرضت بسماية للقصف بصواريخ في 24 تموز/يوليو – قبل يوم واحد من انتقال القاعدة إلى قيادة عراقية بشكل كامل في حفل أُعلن عنه منذ فترة طويلة.
الرد الصحيح على التحرش غير الفتاك
إذا قُتل أي جندي أمريكي أو رصدت السلطات جهود جديدة أو متقدمة بشكل خاص من قبل الميليشيات لقتل الأمريكيين، فمن المؤكد أن يكون للرد الناشط والقوي ما يبرره. وكلما تصدر مثل هذه الردود، يجب أن تكون أقوى من الانتقام الضعيف الذي حصل في 13 آذار/مارس عندما ضربت القوات الأمريكية مبان خالية مرتبطة بـ «كتائب حزب الله» بعد مقتل أمريكييْن إثنين في التاجي.
ومع ذلك، فإن الخيارات الأمريكية أقل وضوحاً في ظروف أخرى، لذلك من المهم تقييم أنشطة المضايقة التي تقوم بها الميليشيات وترتيبها بشكل صحيح، والتمييز بين تلك التي تتطلب تحركاً أمريكياً طارئاً وتلك الأقل أهمية. ويبدو النمط الحالي لهجمات المضايقة التي تقوم بها الميليشيات ضد الجنود الأمريكيين غير مميت عن قصد، لدرجة أن الهجمات الصاروخية للميليشيات على المجمّعات العسكرية الكبيرة والتي “تهدف إلى تجنب” الإصابة بإهدافها، لها أمل ضئيل بأن تؤدي إلى قتل أمريكيين أو إصابتهم بجروح خطيرة، [علماً بأنه] لا يوجد جنود أمريكيين في المواكب اللوجستية. ويمكن القول إن جعل هذا الشكل الواضح للخيارات العملياتية للميليشيات محصوراً بهجمات غير فتاكة وأقرب إلى هجمات ترويجية دعائية ذات أثر محدود أو مزيفة، يُعتبر نجاحاً للردع.
ومع ذلك، لا تزال هناك تكاليف تتعلق بعدم الردّ على مثل هذه الهجمات. أولاً، هناك مخاطر متبقية للبعض منها تتمثل بإلحاق الضرر بالأمريكيين، الأمر الذي قد يجر الولايات المتحدة والحكومة العراقية إلى أزمات غير مرغوب فيها. ثانياً، تُعتبر هجمات المضايقة منحدراً زلقاً – فهي تعزز ثقة الميليشيات وتشجع على سلوك المخاطرة الذي يمكن أن تكون نتائجه مميتة (على سبيل المثال، إذا أسفرت العمليات التي تقوم بها الجماعات التي تطلق القذائف على الطائرات الأمريكية عن إسقاط إحدى هذه الطائرات). ثالثاً، تطرح هذه الهجمات خطراً أكبر حتى على حياة العراقيين، والمعدات، والبنية التحتية في البلاد. رابعاً، حتى الهجمات غير الفتاكة تلحق الضرر بشرعية الحكومة العراقية في نظر المواطنين والشركاء الدوليين، الأمر الذي يحتمل أن يقوّض قدرة بغداد [على القيام بما تراه مناسباً] في الوقت الذي تحاول فيه كبح نفوذ الميليشيات في المطارات، ومراكز الحدود، والوكالات الحكومية العراقية عبر إصلاحات متميزة.
توصيات في مجال السياسة العامة
من أجل إحياء الدعوات لانسحاب عسكري أمريكي كامل من العراق، قد تسعى الميليشيات على غرار «كتائب حزب الله» وشركاؤها في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني إلى جرّ الولايات المتحدة إلى دورة انتقامية. وبالتالي، بينما لا يمكن لواشنطن أن تتجاهل حملة المضايقات الحالية، يجب ألا تبالغ في الوقت نفسه في ردّ فعلها. وبشكل عام، يعني ذلك أنه يتعين على الولايات المتحدة الردّ مباشرة وبقوة على الهجمات المميتة، والطلب في الموازاة من الحكومة العراقية مواجهة هجمات المضايقة الأدنى مستوى. يجب أن تكون بغداد في الصدارة بصورة حازمة في هذه القضية الأخيرة، مع دعم واشنطن السري لها من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:
التعاون لضمان أمن المواكب. تتمتع الولايات المتحدة بخبرة لا مثيل لها في إدارة أنظمة المواكب على الطرق العراقية، لذا يمكنها بسرعة وسهولة توفير التخطيط لدعم مشغلي المواكب العراقيين وتدريبهم. فمنذ عام 2003 ولغاية 2011، عملت على تشغيل نظام يُسمّى “نسيج” (Tapestry) بالإضافة إلى مركز تنسيق باسم “مركز عمليات إعادة الإعمار”، الذي سمح بتعقب شامل وآمن للمواكب ومكّن قدرات قوة الرد السريع. ومن الممكن إحياء هذا النموذج على نطاق أضيق وينبغي القيام بذلك.
استخبارات الأسلحة. على السلطات العراقية معالجة مسارح الجريمة، ومعدات العدو التي تمّ الاستيلاء عليها بأقل درجة من التدخل الأجنبي، والطريقة الأفضل للقيام بذلك هي عبر تدريب دولي مكثف للأخصائيين العراقيين في مجال استخبارات الأسلحة. فكل صاروخ وطائرة بدون طيار وفيديو وجهاز إلكتروني وموقع هجوم يتضمن بيانات متعلقة بتحليل الأدلة الجنائية يمكن إدخالها إلى نظام تحليل المقاييس الحيوية والأنماط، مما يوفر في النهاية أدلة صالحة لتقديمها في المحاكم، أو على الأقل محتوى لحملات علنية تفضح قادة الميليشيات المجرمين. كما يشكّل اللجوء إلى الاستشارات الجنائية الدولية وسيلة أخرى غير مكلفة لمساعدة الدولة على الإفصاح علناً عن مصدر الأسلحة المستخدمة في العراق.
البيانات التحذيرية. تتخذ الحكومة العراقية حالياً إجراءات وقائية لوقف الهجمات والتحقيق في الخلايا الإرهابية المعروفة. وبناء على ذلك، يتعين على الولايات المتحدة مشاركة البيانات التحذيرية بشأن الهجمات المحتملة من خلال خلية عمليات استخباراتية مشتركة تركز بشكل خاص على جماعات الميليشيات. وحتى إن لم يسفر مثل هذا التعاون دائماً عن اعتقالات، فإن منع الهجمات قبل وقوعها أفضل بكثير من اعتراض صواريخ في الجو أو التفاوض حول إعادة الرهائن.
عمليات استخباراتية. في كل مرة تطلق فيها الميليشيات صاروخاً أو تهاجم موكباً، يبرز احتمال أكبر بكثير بأنها ستلحق الضرر بمواطنين عراقيين أو ممتلكات عراقية وليس بالجنود أو الممتلكات الأمريكية. وكان هذا هو الحال في التاجي هذا الأسبوع. وقد صنّفت الحكومة العراقية الهجوم بشكل صحيح على أنه اعتداء على ثلاثة أهداف عراقية: “السرب الخامس” لـ “فيلق طيران الجيش العراقي”؛ ومصنع للمدفعية والأسلحة تابع للجيش؛ و”السرب 201” التابع لـ “القوة الجوية العراقية”. كما أشار المسؤولون إلى تدمير ممتلكات حكومية قيّمة وضرورية. وبالتالي، على الحكومة الأمريكية تعزيز هذه الرسالة العراقية، واستنكار هجمات الميليشيات ضد الدولة ومواطنيها. يجب على واشنطن أيضاً الاستعداد لاحتمال أن يحاول «الحرس الثوري» الإيراني مساعدة الميليشيات على تجنّب الأضرار الجانبية العراقية من خلال تزويدها بأسلحة أكثر دقة، على غرار مزيج الطائرات بدون طيار/المتفجرات التي تم اكتشافها في 22 تموز/يوليو.
مايكل نايتس
معهد واشنطن