«حزب الله» اللبناني هو منظمة عالمية متعددة الأوجه، تنخرط في مجموعة واسعة من الأعمال، بما فيها الأنشطة الاجتماعية والسياسية العلنية في لبنان، والأنشطة العسكرية في لبنان وسوريا ومختلف أنحاء الشرق الأوسط، إلى جانب الأنشطة القتالية والإجرامية والإرهابية السرية في جميع أنحاء العالم.
ولا ينبغي الاستغراب من انخراط التنظيم في مثل هذه المجموعة الواسعة من الأنشطة، أو ممارسته هذه الأعمال في جميع أنحاء العالم. ففي الرسالة المفتوحة لقيادة «حزب الله» من شباط/فبراير 1985 والمتضمّنة أهداف التنظيم ومبادئه، أعلنت ما يلي: “فيما يتعلق بقوتنا العسكرية، لا يستطيع أحد تصوّر أبعادها لأننا لا نملك جهازاً عسكرياً منفصلاً عن الأجزاء الأخرى من منظمتنا. كل واحد منّا هو جندي مقاتل متى استدعت الدعوة للجهاد، وكل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد”.[1] وبعد ذلك بعامين، لفت محللون في “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية إلى أن “«حزب الله»، مثل إخوانه الإيرانيين، يؤكد على ضرورة أن تكون الثورة الإسلامية ظاهرةً عالمية ولا يمكن حصرها داخل حدود بلد واحد”.[2] وكتبوا أن “«حزب الله» يطمح لأن يكون راعياً للأصولية الإسلامية في العالم”.[3]
ولا يتوانَ «حزب الله» عن المجاهرة علانيةً بأنشطته الاجتماعية والسياسية، لكنه يبذل جهداً كبيراً لإخفاء ملاحقاته السرية وغير المشروعة. وعلى حد قول أحد عناصر الحزب، فإن “القاعدة الذهبية” لـ «منظمة الجهاد الإسلامي» (المعروفة أيضاً باسم «منظمة الأمن الخارجي») – وهي الكيان المسؤول عن عمليات الإرهاب الدولية لـ «حزب الله» – هي “كلما قلّت معرفتك بالوحدة، كان ذلك أفضل”[4]. وعندما تظهر معلومات حول الأنشطة السرية وغير المشروعة لـ «حزب الله» على الملأ، فإنها تحدث عادة في دفعات صغيرة – حقيقةٌ من هنا، قصاصة من هناك. وأحد الأسباب الأخرى لقلة المعلومات المتوفرة علناً عن عمليات الحزب هو أن الحكومات، بالرغم من جمعها كميات كبيرة من المعلومات حول هذا الموضوع، تحذر من استخدام هذه المعلومات السرية بأي شكلٍ علني خوفاً من الكشف عن مصادر جمع المعلومات الاستخبارية وطرقه.
ونتيجة لذلك، لم يظهر حتى اليوم أي مركز واحد للمعلومات المفتوحة المصدر التي تم جمعها حول أنشطة «حزب الله» في العالم. وقد أدى الافتقار إلى الشفافية والمعلومات المتاحة إلى عرقلة شديدة أمام ظهور نقاش عام مطّلع حول مجمل أنشطة «حزب الله». وفي هذا السياق، قدّم كتابي المعنون “«حزب الله»: البصمة العالمية لـ «حزب الله» اللبناني” (“مطبعة جامعة جورج تاون”، 2013) العرض التفصيلي الأول لأنشطة الحزب السرية حول العالم، ومع ذلك بقيت الحاجة إلى مورد آخر أكثر سهولة وتفاعلية وقابل للتحديث المنتظم.
وتستند “الخريطة التفاعلية والجدول الزمني لمجموعة مختارة من أنشطة «حزب الله» العالمية” إلى الأبحاث التي أجريتها عند تأليف كتابي وإلى مجموعة أعمال لاحقة، تهدف إلى سد هذه الفجوة المعرفية. وهذه الخريطة هي عبارة عن أداة تفاعلية متعددة الوسائط، يمكن البحث فيها وفق الفئة والموقع والجدول الزمني والكلمات الرئيسية النصية. ويشمل كل بند صوراً أو مقاطع فيديو، وملخصاً للحدث، وروابط جغرافية و/أو مواضيعية لبنود أخرى ذات صلة على الخريطة، بالإضافة إلى وثائق من مصادر أساسية. ومع ما يقارب ألف بند، مكمّلة بمئات الوثائق – تشمل تقارير حكومية رُفعت عنها السرية، ووثائق محاكم، وشهادات تم الإدلاء بها أمام الكونغرس، وتقارير بحثية – يشكل هذا العمل أكبر قاعدة بيانات للوثائق المفتوحة المصدر حول أنشطة «حزب الله» الخبيثة وإجراءات مكافحة الإرهاب المتخذة ضده. وكونها مشروعاً “حيّاً”، سيتم تحديث هذه الواجهة الرقمية مع توفّر المزيد من المعلومات والوثائق.
ويسلط هذا المشروع الضوء على النطاق الجغرافي والزمني الكامل لأنشطة «حزب الله»، من المسائل اللوجستية الدقيقة كمسارات السفر والتنقل، والأسماء المستعارة، والعناصر، والمدرّبين، إلى المواضيع الأوسع المتعلقة بتأسيس التنظيم وتطوره، وعلاقته بالدول الراعية الرئيسية، وطبيعته الوحدوية. ويصف المدير السابق لـ “المركز الوطني لمكافحة الإرهاب” في الولايات المتحدة نيكولاس راسموسن، الخريطة بأنها “مصدر هائل”، مضيفاً، “أنها تساعد على استنتاج الروابط بين جميع الأجزاء المختلفة من الأنشطة المرتبطة بـ «حزب الله» في جميع أنحاء العالم بطريقة لم تنجح بها أي أداة أخرى رأيتُها”. وتم تصميم الأداة لصانعي السياسات ومحللي الاستخبارات ومسؤولي أجهزة إنفاذ القانون والصحفيين والأكاديميين والباحثين والطلاب على حدٍّ سواء.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن