تقليديًّا، شكَّل المنظور الأمني مدخلًا أساسيًّا لعلاقات تركيا مع جوارها الجنوبي لفترة طويلة من الزمن، تاركًا تأثيره كذلك على السياسة الخارجية التركية تجاه العراق لاسيما فيما يتعلق بالمثلث الأمني الأكثر أهمية لأنقرة، وهو: حزب العمال الكردستاني، والمياه، والطاقة. وفي هذا السياق وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فإنه من المقرر يوم الخميس الموافق 13 آب/أغسطس الحالي، أن يزور خلوصي آكار وزير الدفاع التركي العراق، وسيلتقي خلال زيارته برهم صالح رئيس جمهورية العراق، ورئيس وزرائه مصطفى الكاظمي، ووزير الدفاع جمعة عناد. وبعدها يغادر إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق ليلتقي بالقيادة الكوردية.
وأنه من المقرر في هذه الزيارة مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك ومنها حزب العمال الكوردستناني الذي يشكل مصدر تهديد أمني للدولة التركية، والتعاون العسكري وحماية المنفذ الحدودي الجديد الذي لا يمر في إقليم كردستان وإنما عبر الموصل.
شكَّلت بداية العام 2019، مناسبة جيدة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين لاسيما بعد انتخاب برهم صالح رئيسًا للبلاد، وتشير الزيارات الدبلوماسية إلى وجود زخم سياسي لدى الطرفين؛ إذ قام الرئيس العراقي الجديد، برهم صالح، بزيارة تركيا مرتين خلال خمسة أشهر (يناير/كانون الثاني ومايو/أيار)، وزار وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، العراق في أبريل/نيسان الماضي (2019) قاصدًا بغداد والبصرة وأربيل.
خلال هذه الزيارات، عادت الملفات التقليدية إلى الواجهة مجددًا إلى جانب بعض الملفات الجديدة التي ناقشها الطرفان، ومن أهمها:
الملف الأمني: ويتضمن مكافحة التنظيمات الإرهابية؛ حيث يشدِّد الطرفان على ضرورة تطبيق الاتفاقات السارية بفعالية مع الاعتراف بوجوب التوصل إلى اتفاقات جديدة في مجال التعاون العسكري، والأمني، والصناعات الدفاعية…إلخ.
أمن الطاقة: ويتضمن تفعيل خط النفط الأساسي كركوك-جيهان بعد أن توقف بشكل كلي مع صعود تنظيم دولة في العام 2014.
أمن المياه: وقد قام الجانب التركي بتعيين “فيسل أرأوغلو” كمبعوث رئاسي خاص في مسألة كتعبير جاد عن رغبته في حل مشكلة المياه العالقة منذ زمن، كما عرض على الجانب العراقي الخبرات اللازمة في إدارة المياه.
التجارة والاستثمار: وتتضمن السعي إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 20 مليار دولار، ويأمل الجانب التركي في أن يتم افتتاح معبر آخر مع العراق إلى جانب المعبر القائم عبر إقليم كردستان العراق.
الإنشاءات وإعادة الإعمار: وتتضمن التعهدات التركية المتعلقة بتخصيص تسهيلات وقروض بقيمة 5 مليارات دولار للمساهمة في إعادة إعمار العراق، بالإضافة إلى توسيع مجال عمل شركات الإنشاء التركية وإمكانية إنشاء خط سكة حديد بين تركيا والعراق.
وتقوم مقاربة تركيا الجديدة إزاء العلاقة مع العراق على الموازنة بين ثنائيات مختلفة بدلًا من الاعتماد الأحادي الذي كان سائدًا من قبل على الفاعلين السياسيين أو على المناطق أو على المكونات العراقية أو على الملفات الثنائية. إذ وبينما تسعى أنقرة إلى توطيد علاقاتها مع حكومة بغداد، تقوم بموازاة ذلك بتطبيع علاقاتها أيضًا مع حكومة أربيل بعد تجاوز مسألة الاستفتاء. وفي الوقت الذي لا تزال تحتفظ فيه بعلاقات جيدة جدًّا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، فإنها تقوم كذلك بمد جسور جديدة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس والمحسوب تقليديًّا على إيران. تقليديًّا، يتركز جل النفوذ الاقتصادي لأنقرة في شمال العراق في أربيل، لكنها تسعى الآن إلى زيادة تأثيرها في السليمانية أيضًا ومحاولة زيادة نفوذها لكي يتجاوز شمال العراق إلى بغداد ومنها إلى جنوب العراق، أي البصرة تحديدًا. وبينما تبقى الأولوية دومًا للعامل الأمني، إلا أن هناك جهودًا مؤخرًا لتحقيق توازن بين الأمني والاقتصادي والسياسي.
وحدة الدراسات التركية