المعتدلون الإيرانيون يواجهون عوائق كبيرة في انتخابات عام 2016

المعتدلون الإيرانيون يواجهون عوائق كبيرة في انتخابات عام 2016

IranAssemblyExpertsRTR2YWR0-639x405

في 26 شباط/فبراير 2016، ستُجرى عمليتا انتخاب متزامنتان في إيران: إحداها لـ “مجلس الشورى” (البرلمان) والأخرى لـ “مجلس الخبراء” – هيئة فخرية الى حد كبير، قد تزيد أهميتها بشكل كبير في السنوات المقبلة نظراً لدورها في تحديد خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي في نهاية المطاف. وتاريخياً، لطالما كانت نسبة المشاركة في انتخابات “مجلس الشورى” مرتفعة جداً، بينما كانت هذه النسبة في انتخابات “مجلس الخبراء” هي الأدنى بين نسب المشاركة في جميع عمليات الاقتراع الإيرانية. وبالإضافة إلى المزايا التقنية والمالية التي ترافق تنظيم عمليتي انتخاب في آن واحد، يأمل النظام أن يشارك مصوتو “مجلس الشورى” في انتخابات “مجلس الخبراء” أيضاً، إذ يعتقد أن الإقبال العالي قد يعزز شرعية هيئة سياسية لطالما كانت محط انتقادات كبيرة على مدى العقود الثلاثة الماضية. وعندئذ سيتركز السؤال الرئيسي حول إذا ما إذا كان حلفاء الرئيس حسن روحاني وغيره ممن يُطلق عليهم بالمعتدلين سيكونون قادرين على الحصول على عدد كبير من المقاعد في كلتا المؤسستين في آن واحد.

انتخابات في ظل نظام غير ديمقراطي

يُنتخب أعضاء “مجلس الشورى” لمدة أربع سنوات، بينما يُنتخب أعضاء “مجلس الخبراء” لمدة سبع سنوات. وتجري هذه الانتخابات تحت إشراف المرشد الأعلى و «الحرس الثوري الإسلامي» وغيرهما من دوائر السلطة غير المنتخبة من خلال وسائل مختلفة.

أولاً، عادةً ما تحتاج الرموز البارزة التي تتطلع إلى المشاركة في الترشح إلى التحديد مسبقاً فيما إذا كان خامنئي يعارض ترشحها. فالمرشد الأعلى لا يثني أحداً بصراحة عن الترشح، ولكن مكتبه أو مسؤولين آخرين رفيعي المستوى غالباً ما يكشفون عن آرائه حول قضايا معينة. على سبيل المثال، في أيار/مايو عام 2013، بينما كان النائب المعتدل محمد رضا خباز يعرب عن دعمه لترشح أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي للانتخابات الرئاسية في ذلك العام، أضاف ما يلي: “بالطبع قبل أن يعلنا عن ترشحهما، يجب أن يجتمعا مع المرشد الأعلى ويحصلا على موافقته الضمنية، لأنه ستتعذر معالجة المشاكل الراهنة في البلاد من دون دعم المرشد الأعلى”.

ثانياً، عندما يسجل المرشحون أسماءهم، يتعين على “مجلس صيانة الدستور” أن يعلن عن أهليتهم بناءً على عدة معايير، لا سيما ولاؤهم “العملي” الكامل للمرشد الأعلى واعترافهم بسلطته على جميع شؤون الدولة (أي مبدأ ولاية الفقيه). ويضم “مجلس صيانة الدستور” ستة رجال دين بدرجة “آية الله” وستة محامين، وتُتخذ قراراته الرئيسية على يد رجال الدين بدرجة “آية الله”، المعيّنين مباشرةً من قبل المرشد الأعلى. وتجدر الإشارة إلى أن الأمين العام النافذ لـ “مجلس صيانة الدستور” هو آية الله أحمد جنتي، المتشدد البارز الذي لا يخفي نهجه المناهض للإصلاح والاعتدال في السياسة الداخلية والخارجية.

ثالثاً، عند انتهاء الانتخابات، يضطلع “مجلس صيانة الدستور” بالمسؤولية الحصرية عن تبني النتيجة النهائية، على الرغم من من مشاركته في سلطة الإشراف على عملية فرز الأصوات مع وزراة الداخلية. وعند أخذ هذه الإجراءات مجتمعة، فهي وغيرها من الإجراءات، تضمن عادة ألا تحيد نتائج الانتخابات كثيراً عن مخططات وتوقعات المرشد الأعلى و «الحرس الثوري الإسلامي» و”مجلس صيانة الدستور” ومؤسسات أخرى، ما لم تكن القيادة قد أخطأت بشكل فادح في تقدير القاعدة الشعبية لمرشح معين.

“مجلس الشورى” كأداة للسيطرة على الرئيس

تُعزى أهمية الانتخابات البرلمانية إلى عدة أسباب. فكما هو الحال في الانتخابات البلدية، لا يصوت الكثير من الإيرانيين، وخاصة في المدن الصغيرة، في انتخابات “مجلس الشورى” لأسباب سياسية بل بالأحرى استجابةً للشؤون الاقتصادية والإدارية المحلية. وفي السنوات الأخيرة، استغل «الحرس الثوري الإسلامي» هذا الواقع، معيِناً العشرات من رموزه السابقين في “مجلس الشورى” من خلال حثهم على الترشح في مناطق صغيرة ومهمشة. وقد ساعدت هذه الاستراتيجية المتشددين على استخدام السلطة التشريعية كأداة لتقييد سلطة الرئيس، لا سيما قدرته على تعيين أعضاء مجلس الوزراء والتأثير على تخطيط الميزانية العامة. علاوةً على ذلك، حاول “مجلس الشورى” الحالي أيضاً أن يلعب دوراً أكثر جرأة في السياستين الخارجية والنووية، اللتين لا تندرجان عادةً ضمن جدول أعماله.

وهكذا، من خلال توجيه “مجلس الشورى” بشكل غير رسمي بهذه الطريقة، يستطيع المرشد الأعلى التحكم بالرئيس من دون أن يتحمل أي مسؤولية عن السياسات التي تتبناها الحكومة نتيجة لذلك. فكما صرح الناطق باسم الحكومة محمد باقر نوبخت بينما كان يلقى خطاباً أمام البرلمان في 12 أيار/مايو: “إنه العرف المعتاد، بأن يعبّر المرشد الأعلى عن آرائه – حول بعض مشاريع القوانين – لمجلس الوزراء عن طريق كبار مسؤولي «مجلس الشورى»”.

قوى مُحافِظة مقابل قوى مُحافِظة؟

مع اقتراب موعد الانتخابات، استُبدل الصراع التقليدي بين الإصلاحيين والمحافظين إلى حد كبير بانقسامات بين الفصائل المحافظة القوية، مع تهميش الإصلاحيين/المعتدلين. ويقيناً، ما زال الإصلاحيون يحاولون حشد صفوفهم وتوحيدها. ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلن العضو في “حزب كرغوزاران” حسين ماراشي، أن فصيله كان يخطط للعمل ضمن “جبهة عريضة إصلاحية” بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي، سعياً لإيصال المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين إلى “مجلس الشورى”. وبالمثل، أعلن النائب السابق للرئيس خاتمي، محمد رضا عارف، عن ترشحه؛ وتشير مصادر إصلاحية أن خاتمي نفسه يدرس احتمال الترشح أيضاً.

إلا أن حظوظ المعتدلين بالنجاح محدودة. فعلى سبيل المثال، ذُلّ خاتمي على يد المرشد الأعلى عام 2009، وما زال مُحظراً رسمياً على الإعلام الإيراني نشر أي أنباء عنه وهو ممنوع من السفر إلى الخارج. أما بالنسبة إلى الرئيس الايراني حسن روحاني، فيبدو أن فريقه ليس لديه أي خطة واضحة بشأن الانتخابات، بالرغم من اقتراب الموعد النهائي (19-25 كانون الأول/ديسمبر) لتسجيل المرشحين بسرعة.

وفي غضون ذلك، يبدو معسكر المحافظين أكثر ديناميكية من المعتدلين. ولم يعد المحافظون يشكلون حركة متجانسة وموحدة، إذ تعبّر فصائل مختلفة عن معارضتها الجدية لقضايا أساسية مثل الاتفاق النووي. إن ذلك سيجعل من الأسهل عليهم تمثيل الاتجاهات السياسية والاقتصادية البارزة للناخبين المحتملين وملء الفراغ الذي سيولده استبعاد “مجلس صيانة الدستور” الحتمي لرموز معتدلة وإصلاحية هامة. ومع ذلك، ففي 1 آب/أغسطس، صرح المحافظ البارز المقرب من المعتدلين علي أكبر ناطق نوري، للإعلام الإيراني أنه ليس لدى الإصلاحيين ولا “المحافظين المعتدلين” أي خطة واضحة للانتخابات.

إدارة أزمة خلافة

وفقاً لما ذُكر أعلاه، فإن “مجلس الخبراء” هو المسؤول بموجب الدستور عن تعيين مرشد أعلى جديد والإشراف على عمله وعزله إذا ما أخلّ بواجباته، إلا أن القدرة الفعلية لـ “مجلس الخبراء” على مساءلته لطالما كانت شبه معدومة على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال، تعرّضت المؤسسة لانتقادات حادة على مر السنوات لعدة أسباب، منها طريقة عزل عضو المجلس السابق آية الله حسين علي منتظري في عام 1989. فمن خلال ضربه عرض الحائط بسلطة “مجلس الخبراء” الحصرية لإقالة أعضائه، أقدم آية الله الراحل روح الله الخميني على عزل منتظري، ويعود ذلك القرار جزئياً إلى احتجاج منتظري ضد الأمر غير القانوني الذي أصدره المرشد الأعلى عام 1988 بإعدام أكثر من أربعة آلاف سجين سياسي. وقد أظهرت خطوة الخميني أن “مجلس الخبراء” هو مجرد أداة أخرى بيد المرشد الأعلى بدلاً من أن يكون سلطة مسؤولة عن محاسبته.

وفيما يتعلق بدور “مجلس الخبراء” في اختيار خلف للمرشد الأعلى، انتخب “المجلس” خامنئي كخلف للخميني منذ حوالي ثلاثة عقود، ولكن الإجراءات القانونية التي اتُبعت لاختياره ما زالت تثير تساؤلات جدّية. وبعد انتخاب أعضاء “مجلس الخبراء” الجدد في شباط/فبراير، سيبقى هذا “المجلس” قائماً حتى عام 2023، وبالتالي، سيواجه على الأرجح التحدي المتمثل بتعيين خلف لخامنئي البالغ من العمر ستة وسبعين عاماً. لذلك، وبالرغم من الدور الشكلي الذي اضطلع به “مجلس الخبراء” عبر التاريخ، من المتوقع أن يصبح أعضاء “المجلس” الجدد لاعبين سياسيين رئيسيين. فبالرغم من أن «الحرس الثوري الإسلامي» والمؤسسات النافذة الأخرى ستمارس بطبيعة الحال ضغوطاً قوية على عملية اتخاذ القرار المتعلق بالخلف، إلا أن “مجلس الخبراء” هو السلطة الوحيدة التي تتمتع بالصلاحية القانونية لتعيين المرشد الأعلى المقبل ومنحه الشرعية.

أما بالنسبة إلى تركيبة “مجلس الخبراء”، فلا بد أن يكون جميع أعضائه رجال دين بدرجة “آية الله” – الدرجة الأعلى في التسلسل الهرمي الديني. إلا أن هذا اللقب أخذ يكتسب طابعاً سياسياً متزايداً منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، بحيث أن الحصول عليه غالباً ما يكشف مكانة الشخص داخل النظام أكثر من مؤهلاته الدينية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم توسيع عضوية “مجلس الخبراء” المقبل لتصل إلى 99 عضواً، إذ سيضاف 13 مقعداً إلى “المجلس” في انتخابات شباط/فبراير.

في مقابلة أجراها رفسنجاني مؤخراً مع مجلة “طلوع” الأسبوعية، أعلن ترشحه لانتخابات “مجلس الخبراء”. كما أيد ترشح حسن الخميني، الذي هو حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية وأحد المقربين من رفسنجاني وخاتمي. إلا أن رفسنجاني ما زال يشكك في “مجلس صيانة الدستور” وقد اتهمه مراراً بالتلاعب بالانتخابات. وفي عام 2013، منعه “مجلس صيانة الدستور” من المشاركة في الانتخابات الرئاسية. وقد هُزم رفسنجاني في انتخابات عام 2005 على يد المتشدد محمود أحمدي نجاد في ظل ظروف مثيرة للجدل.

المحصلة

في محاولة لمساعدة المرشحين المعتدلين على هزيمة المحافظين في انتخابات شباط/فبراير، سيلعب الرئيس روحاني على الأرجح ورقته الأخيرة، وهي نجاح مساعيه الرامية إلى رفع العقوبات بعد عامين من المفاوضات النووية الشاقة مع «مجموعة الخمسة زائد واحد». فقد تمحورت حملته الرئاسية عام 2013 ونقاشات العامين الماضيين حول الوعود التي قطعها للشعب بتحسين ظروفه المعيشية بشكل جذري بمجرد رفع العقوبات.

إلا أن واقع الأمر هو أنه من غير المرجح أن يلمس معظم الإيرانيين هذه الآثار الإيجابية بحلول شباط/فبراير، إن لمسوها أساساً. فحتى لو تمت الموافقة على الاتفاق النووي بشكل نهائي وسريع في كل من الولايات المتحدة وإيران إلا أن الطابع المعقد لنظام العقوبات والنظام المصرفي الدولي ربما يؤخران بروز آثاره الملموسة، وهو الأمر بالنسبة لنقص الثقة العالقة لدى المستثمرين والمصرفيين من ناحية استئناف الأعمال التجارية مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، وبينما ارتفعت قيمة العملة الإيرانية لبضعة أسابيع قبل انتهاء المفاوضات، إلا أن البورصة وسوق العملات سرعان ما أخذتا بالتراجع من جديد فور التوقيع على الاتفاق في تموز/يوليو. لذلك، لا يمكن للمعتدلين الاعتماد على العامل الاقتصادي لاستقطاب الناخبين. وفي الواقع، قد يستغل معارضو روحاني بطء التحسينات بعد رفع العقوبات لاتهامه بالإدارة غير الكفوءة والمبالغة في الربط بين الاقتصاد الجيد والتسوية النووية. وفي الوقت الراهن، ينهمك فريق روحاني بوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي والتخطيط للتغييرات الاقتصادية اللاحقة، ولكنه قد يضطر إلى تخفيض سقف توقعاته حول مدى تأثير الاتفاق النووي على الظروف المعيشية للناخبين على المدى القصير.

ويواجه المعتدلون عائقاً آخراً وهو افتقارهم للتغطية الإعلامية القوية أو القدرة التنظيمية للتأثير على الرأي العام. فبالإضافة إلى الحظر المفروض على خاتمي، فإن وسائل الإعلام التي  يسيطر عليها النظام عادة ما تضع الإصلاحيين على القائمة السوداء؛ أما تنظيماتهم السياسية (على سبيل المثال، «جبهه مشاركت ايران اسلامي» و«مجاهدين انقلاب اسلامي») فإما أنها محظورة أو لا تنشط كثيراً بسبب ضغوط النظام.

وأخيراً، ليس هناك شك بأن حلفاء روحاني قد شعروا بالإحباط ليس فقط من جراء إعادة تعيين جنتي المحافظ جداً كأمين عام لـ “مجلس صيانة الدستور”، بل أيضاً نتيجة تعيينه رئيس لجنة مراقبة انتخابات “مجلس الشورى” و”مجلس الخبراء”. فهاتان الخطوتان الأخيرتان توجهان رسالة واضحة إلى جميع المرشحين المحتملين من خارج معسكر المحافظين.

 مهدي خلجي

معهد واشنطن