استراتيجية إسرائيل.. إرساء علاقة مع الدولة الأهم في الخليج

استراتيجية إسرائيل.. إرساء علاقة مع الدولة الأهم في الخليج

ينصب تركيز المتابعين للتحولات المتسارعة في الشرق الأوسط في أعقاب الاتفاق “التاريخي” بين الإمارات وإسرائيل على تطبيع العلاقات، نحو السعودية، على اعتبار أنها الدولة الخليجية الأهم بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، على الرغم من تباين مواقف المحللين السياسيين بشأن تلك اللحظة الفارقة، التي يتوقع أن ترسم خارطة جديدة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتعيد ترتيب الأولويات في المنطقة وأن الأمور قد تكون مسألة وقت للإعلان عن ذلك تحت رعاية الولايات المتحدة.

الرياض – يتفق المحللون والعارفون بتفاصيل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط على أن قرار الإمارات تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاستخباراتية والأمنية مع إسرائيل قد يكون مفتاح تعزيز تقارب السعودية، التي التزمت الصمت حتى الآن حيال خطوة حليفتها الخليجية الموثوقة، مع الدولة العبرية في الوقت الذي تسعى فيه الرياض لجذب الاستثمارات لتمويل تحولها الاقتصادي الطموح.

ويستند البعض في رؤيتهم إلى تصريحات كبار صناع القرار في الإدارة الأميركية رغم أن البعض ذهب إلى أن البحرين وسلطنة عمان ستكونان الأقرب لإبرام صفقة مع إسرائيل مع ارتداد الأصداء عن ذلك من المسؤولين الإسرائيليين في تل أبيب.

ولكن وسائل الإعلام الإسرائيلية تقول بكثير من الثقة إن الرياض ستكون العاصمة الخليجية الثانية، التي سوف تعقد اتفاق سلام مع إسرائيل، بالنظر إلى أن هذه الدولة وازنة في المنطقة وسيكون لها تأثير كبير على أي قرار قد تتخذه ويكون في صالح القضية الفلسطينية، إذ أن خطوة من هذا النوع ستحتاج إلى قراءة متأنية ودراسة كافة السيناريوهات المحتملة.

ويعزز ذلك الأمر إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين أنه يعمل على تسيير رحلات جوية مباشرة تربط تل أبيب بالإمارات وتحديدا بدبي وأبوظبي عبر الأجواء السعودية.

ومع ذلك هناك شق من الخبراء يرى أن السعودية ليست مستعدة في الوقت الراهن للإقدام على مثل هذه الخطوة وأنها ستنتظر ردود الفعل المتأنية على تطبيع الإمارات مع إسرائيل على المدى الطويل رغم الضغط الأميركي ومحاولات الرئيس دونالد ترامب اللعب على هذه المعادلة للفوز بولاية ثانية خلال الاستحقاق الانتخابي المزمع في نوفمبر المقبل.

تقدير موقف
بعد يوم واحد على تصريح مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، وتأكيده أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية قادم، وأنه حتمي، ألمح مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين إلى أنه من الممكن أن تكون الرياض هي التالية على جدول التطبيع على وقع معلومات تفيد بوجود مفاوضات تجرى في الكواليس بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والإدارة الأميركية.

وفي ضوء ذلك يقدم المحللون مواقف متباينة حول ما ستؤول إليه المفاوضات السرية، وبالنسبة إلى عزيز الغشيان الأستاذ في جامعة إسيكس والمتخصص في سياسة السعودية تجاه إسرائيل، فإن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يفسح المجال لتوسيع العلاقات السعودية الإسرائيلية غير المباشرة. وقال في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية “أعتقد أنّ التقارب السعودي الإسرائيلي سيزداد عبر الإمارات”.

في المقابل، رأى الكاتب والصحافي السعودي سليمان العقيلي خلال تصريحات بثتها قناة فرانس 24 مساء الأحد الماضي، أن بلاده تنظر إلى الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي على تطبيع العلاقات بينهما كشأن سيادي إماراتي لا دخل لأحد به. واستبعد أن تحذو الرياض حذو أبوظبي في تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.

وقال في تعليق بدا مقنعا للوهلة الأولى للكثير من المتابعين بالنظر لحساسية مسألة تطبيع أكبر دولة خليجية مع إسرائيل إن “الاتفاق يمكن أن يسفر عن نتائج جيدة بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي عبر وقف ضم أراضي الضفة الغربية وغور الأردن لإسرائيل”.

وبحسب نيل كويليام الباحث في مؤسسة تشاتم هاوس البحثية والمدير الإداري في أزور استراتيجي، فإنه من الصعب أن يتخذ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، نفس الخطوة التي اتخذتها الإمارات بينما لا يزال وضع القدس دون حل، كما لا يزال التوصل إلى اتفاق سلام أمرا بعيد المنال.

ونسبت وكالة رويترز إلى كويليام قوله إن “القيام بذلك سيثير مخاطر خسارة الدعم الشعبي في وقت أزمة اقتصادية كبيرة وسيقدم هدية لإيران في مثل هذا الوقت الحساس“.

وتواجه السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأول منتج ومصدر للنفط على مستوى العالم، معضلة الحسابات السياسية الحساسة قبل أي اعتراف رسمي بالدولة العبرية. وكما حدث مع الاتفاق الإماراتي، فإن هذه الخطوة سينظر إليها الفلسطينيون على أنها خيانة لقضيتهم.

لكن الرياض تبدو كأنها بدأت بالفعل تقاربا مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، وهو تحوّل قاده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حتى عندما أعرب والده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عن دعمه الثابت لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

ويرجح العارفون بخفايا الأمور في المنطقة أن يدفع العداء المشترك تجاه إيران إلى جانب محاولات جذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل خطة التحول الاقتصادي الخاصة بالأمير محمد، السعودية إلى الاقتراب من إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، فإحدى الركائز الأساسية في “رؤية 2030” هي مشروع نيوم، المنطقة الضخمة باستثمارات بقيمة 500 مليار دولار على الساحل الغربي للبلاد، بينما يقول خبراء إن إسرائيل قد يكون لها دور فيها في مجالات تشمل التصنيع والتكنولوجيا والأمن السيبرياني.

وقال محمد ياغي الباحث في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية إن إنشاء المنطقة “يتطلّب السلام والتنسيق مع إسرائيل خاصة إذا كانت المدينة ستُتاح لها فرصة أن تصبح منطقة جذب سياحي”. ومن المقرر بناء نيوم بالقرب من منتجع إيلات على طول المياه الحساسة جيوسياسيا للبحر الأحمر وخليج العقبة.

يقول الفلسطينيون إن أي خطوة أخرى كالتي أقدمت عليها الإمارات قد تنسف أي طموح لإقامة دولة على أراض تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967، عاصمتها القدس الشرقية التي استولت عليها إسرائيل أيضا في ذلك الوقت. وتعتبر إسرائيل القدس عاصمتها الأبدية غير القابلة للتقسيم.

غير أن هذا الموقف ليس له أي أساس، فالإمارات أكدت أن التطبيع مع إسرائيل أوقف خطط ضم أراض من الضفة الغربية وستتبع ذلك خطوات أخرى سيستفيد منها الفلسطينيون.

ومن المؤكد أن تسير السعودية في هذا المنحى وتحاول امتصاص التوتر الإسرائيلي – الفلسطيني مع فرض سياسية الواقع.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن مصدر قالت إنه رفيع المستوى قوله إن “الخطة الإسرائيلية الأكبر هي الوصول إلى إقامة علاقات مع السعودية، أهم الدول الخليجية، بعد إقامة العلاقة مع الإمارات”.

وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته في موقعها الإلكتروني أن الحبر على اتفاق السلام مع الإمارات لم يجف بعد وفي إسرائيل ينظرون منذ الآن نحو الهدف التالي، الذي هو أيضا الغاية المركزية. ويعطي هذا الانطباع صورة واضحة لما سيحدث خلال الفترة المقبلة وأن الأمور باتت مسألة وقت على الأرجح.

وكتب محمد ياغي في ورقة بحثية في أبريل الماضي أنّ دول الخليج تسعى بشكل متزايد للحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية لمراقبة مواطنيها ولشراء صواريخ دقيقة لا ترغب الدول الغربية في بيعها لها. وقد سعت السعودية إلى إبقاء تقاربها مع إسرائيل بعيدا عن الأعين.

وعلى الرغم من الصمت الرسمي تجاه الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، سعت وسائل الإعلام السعودية الموالية للحكومة بشكل متكرر لاختبار رد الفعل العام من خلال نشر تقارير تدعو إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل.

وكتب الإسرائيلي نافي شاحار الأسبوع الماضي لموقع قناة العربية باللغة الإنجليزية يقول “أتوقع مستقبلا ينطوي على إنشاء نظام بيئي مشترك عالي التقنية بين دول (مجلس التعاون الخليج)، يُعرف باسم وادي السيليكون“.

ويشير بذلك شاحار، وهو مؤسس شركة استثمارية تركز عملها على التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، إلى نظير إقليمي لوادي السيليكون في الولايات المتحدة. وقال “الآن، أكثر من أي وقت مضى، من مصلحة إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي زيادة التعاون التجاري”.

ويرى مراقبون أن ترامب الذي يدعم ولي العهد السعودي يتمتع بدور كبير في مسألة حمل الرياض على الاعتراف رسميا بإسرائيل، لكن يبدو أن الدولة الخليجية تقاوم ضغوط واشنطن لأنها تواجه عواقب أكثر من الإمارات.

ويؤكد مارك شناير الحاخام الأميركي الذي تربطه علاقات بالسعودية والخليج لوكالة الصحافة الفرنسية هذا الأسبوع أن قيادة المملكة لها “آراء متضاربة من جيل إلى آخر”.

واعتبر أنّ “المبادرة الجريئة من قبل الإمارات ستقوي نفوذ الأجيال التي ترغب في حدوث ذلك الآن”.

وتابع “هذا الإعلان من الإمارات سيحوّل العلاقات الحالية غير المباشرة بين السعوديين وإسرائيل إلى علاقات رسمية مباشرة”.

العرب