يتعين على دول الخليج، التي تعتمد في اقتصادياتها إلى حد كبير على النفط، التعامل مع عجوزات ضخمة في موازناتها لسنوات قادمة، جراء الانخفاض الحاد في الأسعار وتراجع الطلب العالمي على الخام.
في ذروة الجائحة، خلال مارس/ آذار وأبريل/نيسان الماضيين، شنت السعودية حرب أسعار على منتجين من خارج منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) على رأسهم روسيا المنافس الرئيسي للرياض في سوق الطاقة العالمي.
هدفت الحرب إلى الدفع بموسكو لاتفاق على تخفيضات في الإنتاج لإعادة التوازن إلى أسواق الطاقة، التي تراجع الطلب فيها بأكثر من 15 بالمئة، الأمر الذي ألحق ضررا بالغا في اقتصاديات المنتجين.
لكن، وبإجماع تقارير وأرقام محلية ودولية، بما في ذلك تقارير وزارات المال في دول الخليج نفسها، تظهر أن السعودية وحلفاءها، وباقي دول مجلس التعاون الخليجي وحتى منتجي الزيت الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا الأكثر تضررا من هذه الحرب.
وتحتاج دول الخليج لسعر لبرميل النفط بين 50 دولار في الحد الأدنى للكويت وأكثر من 80 دولارا للسعودية والبحرين، للوصول إلى نقطة التوازن في موازناتها، بينما لا تحتاج دولة مثل روسيا إلى أكثر من 43 دولارا للبرميل.
هذا يعني أن بقاء الأسعار في مستواها الحالي لما تبقى من هذا العام، وربما العام القادم وهو المرجح، بسبب تسارع وتيرة تفشي وباء (كوفيد-19)، وإن كان مرتفعا قياسا إلى مستوى غير مسبوق في 21 عاما وصلته في أبريل، لن يوقف النزيف في موازنات دول الخليج.
ودفعت العجوزات الناجمة عن تراجع إيرادات النفط، دول الخليج، إلى التوجه بشكل غير مسبوق، للاستدانة من الأسواق الدولية والمحلية على حد سواء، وكذلك السحب غير المسبوق أيضا، من الاحتياطيات العامة.
بلغ إجمالي العجز في موازنات دول مجلس التعاون الخليجي الست 180 مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي، تستأثر السعودية بأكثر من نصفها (55 بالمئة)، وفق تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز” صدر في 20 يوليو/تموز، وتوقعت فيه أيضا ارتفاع العجز التراكمي إلى نصف تريليون دولار بحلول 2023.
وفقا لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، فإن العجوزات تفاوتت من دولة إلى أخرى بالمنطقة في النصف الأول، وتراوحت بين 15 و25 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، باستثناء قطر التي حافظت على عجز بنحو 8 بالمئة.
“العجوزات تفاوتت من دولة إلى أخرى بالمنطقة في النصف الأول، وتراوحت بين 15 و25 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، باستثناء قطر التي حافظت على عجز بنحو 8 بالمئة”
وتمت تغطية عجز دول الخليج في النصف الأول باقتراض 100 مليار دولار، منها حوالي 60.3 مليار دولار على شكل سندات بارتفاع 10 مليارات دولار عن العام 2019، فيما تمت تغطية الجزء المتبقي (80 مليار دولار) بالسحب من الاحتياطيات العامة.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في أحدث تقاريره حول آفاق الاقتصاد العالمي في 24 يونيو/حزيران، انكماش الاقتصاد في منطقة الخليج بنسبة 7.6 بالمئة في 2020.
السعودية
بلغ العجز في ميزانية السعودية في الربع الثاني من العام الحالي 109.23 مليار ريال (29.12 مليار دولار)، مرتفعا من حوالي 9 مليارات دولار في الربع الأول، وفقا لبيانات وزارة المالية.
وبحسب بيانات الوزارة أيضا، جمعت المملكة 44.56 مليار ريال (12 مليار دولار) من سندات دين في الأسواق الدولية، و41.12 مليار ريال (11 مليار دولار) من السوق المحلية، إضافة الى سحب 48.67 مليار ريال (حوالي 13 مليار دولار) من الاحتياطيات.
وحتى نهاية يونيو، ارتفع الدين العام التراكمي للمملكة الى 820 مليار ريال (حوالي 218.6 مليار دولار)، من 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار) في نهاية 2019.
الإمارات
على الرغم من أن الإمارات، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الخليج، وبدأت العام 2020 بإطلاق أكبر ميزانية اتحادية في تاريخ الإمارات بمقدار 61 مليار درهم (16.6 مليار درهم) بعجز صفر، إلا جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية تتجه بالإمارات إلى تسجيل أسوأ عام في تاريخها.
حتى الآن، لم تصدر الإمارات أية بيانات رسمية تظهر التأثير الحقيقي الجائحة على ميزانيتها، وآخر بيانات نشرتها حكومة الإمارات في منتصف أغسطس الجاري، تتناول أداء الميزانية في الربع الأول 2020، وهي الفترة التي سبقت تفشي الجائحة.
وعلى مستوى الاتحاد (الإمارات السبع)، توقع صندوق النقد الدولي في يونيو انكماش اقتصادها بنسبة 4.3 بالمئة في 2020، وارتفاع العجز بأربعين ضعفا عنه في 2019.
الكويت
أظهرت آخر بيانات لوزارة المالية الكويتية ارتفاع عجز الموازنة إلى 5.64 مليارات دينار (18.5 مليار دولار) في السنة المالية 2019/2020 (تنتهي السنة المالية في الكويت بنهاية مارس/آذار)، بزيادة 69 بالمئة عن السنة المالية السابقة.
ويتوقع ان يرتفع الى العجز الى 14 مليار دينار (46 مليار دولار) في السنة المالية 2020/2021 بحسب وثقة قدمت للبرلمان الكويتي كشف عنها، الأربعاء.
ويبلغ الدين العام للبلاد 3.3 مليار دينار (11 مليار دولار)، وقدمت الحكومة للبرلمان مشروع قانون يتيح لها اقتراض 65 مليار دولار على مدى 30 عاما، منها 17 مليار دولار في 2020.
البحرين
سجلت البحرين عجزا في موازنتها بمقدار 789 مليون دينار (2.1 مليار دولار) في النصف الأول من العام الحالي، بزيادة 98 بالمئة عنه في الفترة المقابلة من 2019.
ووفقا لبيانات وزارة المالية، فإن مداخيل الحكومة تراجعت خلال نفس الفترة بنسبة 29 بالمئة،
سلطنة عمان
يعتبر الاقتصاد العماني الأضعف بين اقتصاديات المنطقة، وتفاقمت معاناته بتراجع الأسعار والطلب العالمي على النفط، الذي تشكل عائداته نحو 72 بالمئة من إيرادات الحكومة.
ولتعويض التراجع في عائدات النفط، تدرس حكومة عمان فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة اعتبارا من مطلع 2021، وخفض الإنفاق بنسبة 10 بالمئة، ويستثنى من هذا الخفض الإنفاق على قطاعي النفط والغاز.
وحتى لو تم تطبيق هذه الاجراءات، توقعت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني عجزا في ميزانية السلطة بنسبة 19 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2020، و15 بالمئة في 2021.
قطر
في مفارقة لافتة، فإن اقتصاد قطر، التي تواجه حصارا من السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر منذ 2017، هو الأقل تضررا من الأزمات التي تعصف بالمنطقة.
فقد جعل التنوع في الاقتصاد القطري، خصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مع استعدادات قطر لاستضافة مونديال 2022، وتوجهها نحو تنمية الصناعات المحلية لمواجهة الحصار الثلاثي بقيادة السعودية، أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا وما رافقها من تراجع في أسعار النفط.
وخلافا لباقي دول الخليج، فقد ثبتت وكالات التصنيف العالمية الثلاث تصنيفاتها الائتمانية المرتفعة لقطر مع نظرة مستقبلية مستقرة.
(الأناضول)