وقفت مصداقية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على المحك عندما زار واشنطن الأسبوع الماضي، فهو متهم منذ صعوده بقربه من الدوائر السياسية الأميركية وبأنه موال لأميركا أكثر بكثير مما كان عليه سلفه. وفي نظر العديد من السياسيين العراقيين، كان الغرض من ترقية الكاظمي من منصب رئيس المخابرات إلى منصب رئيس الوزراء في مايو هو تقوية العلاقات الثنائية للبلاد مع الولايات المتحدة.
هذه الشكوك من قبل الشارع وخصومه السياسيين خاصة الأحزاب الشيعية والميليشيات التي تواليها عقّدت مهمة الكاظمي أكثر، حيث يواجه رئيس الوزراء عاصفة من التحديات: الفساد المستشري، ونقص الخدمات الأساسية، والبطالة، وكلها أدت إلى إثارة احتجاجات حاشدة منذ عام 2019. وقد أجبرت الاضطرابات المحلية سلفه على الاستقالة، وتفاقمت الآن بسبب وباء فايروس كورونا والأزمة الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط.
وظهرت فكرة السفر إلى واشنطن من أجل تأمين بعض المساعدة الأميركية في التعامل مع هذه الصعوبات الشديدة خاصة على صعيد أمني، وتأتي الزيارة على خلفية هجمات يومية تشنها فصائل مسلحة ضد المصالح الأميركية في العراق. ويجمع الخبراء والمتابعون على أن كبح جماح الميليشيات
هو التحدي الرئيسي اليوم للكاظمي الذي تولى مهامه في مايو في بلد تتنازع طهران وواشنطن لفرض نفوذهما عليه. وعلى الرغم من أن الكاظمي التقى بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتلقى وعودا بالمساعدة الاقتصادية، يتساءل الكاتبان رمزي مارديني
ولهيب هيجل في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي “عما إذا كان الكاظمي سيعود إلى الوطن بما يكفي من المساعدات لمعالجة هذه المشاكل، وتحقيق الاستقرار في البلاد، وضمان بقائه السياسي على المدى الطويل؟”.
ويعتقدان أن الدعم الأميركي مشروط بقدرة حكومة الكاظمي على تحجيم النفوذ الإيراني بالبلد وإضعاف سطوة الميليشيات المسلحة.يواجه الكاظمي نفس المعضلة التي واجهها جميع رؤساء الوزراء العراقيين منذ سقوط نظام صدام حسين، وهي أنه يجب أن يجد طريقة لتخفيف الضغط على الداعمين الخارجيين الأساسيين للبلاد؛ الولايات المتحدة وإيران، وهما أيضا خصمان مشتركان.
وفي ظل إدارة ترامب، شنت الحكومة الأميركية حملة ضغوط قصوى ضد إيران، الأمر الذي يجبر الكاظمي على السير بحذر دبلوماسي شديد وأكثر صرامة مما كان عليه أسلافه. وفرضت الحكومة الأميركية عقوبات ثانوية على شخصيات سياسية عراقية ومنظمات ذات علاقات وثيقة مع إيران، وضغطت على الحكومة العراقية لاتخاذ خطوات نحو استقلالها في مجال الطاقة عن جارتها الشرقية، ونفذت ضربات بطائرات ذاتية القيادة ضد الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران في العراق.
وفي يناير، قتلت أسوأ ضربات الطائرات ذاتية القيادة أبومهدي المهندس، زعيم إحدى هذه الجماعات؛ كتائب حزب الله، إلى جانب القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، في مطار بغداد.
وواصلت كتائب حزب الله والقوات شبه العسكرية التابعة لها مضايقة الجيش الأميركي من خلال إطلاق الصواريخ على القواعد العراقية التي تستضيف أفرادا أميركيين، بهدف إجبار القوات الأميركية على الانسحاب الكامل.
وفي واشنطن، أصر كبار صانعي السياسة الأميركيين منذ فترة طويلة على أن تتخذ بغداد إجراءات أكثر صرامة لكبح جماح الميليشيات المسلحة، وهو مطلب فشل سلف الكاظمي، عادل عبدالمهدي، الذي حُرم من مقابلة ترامب، في تحقيقه.
الكاظمي يخاطر بإثارة حلقة أخرى من الصراعات الأهلية إذا صعّد من محاولاته لملاحقة الميليشيات المسلحة
وبالمثل، تعهد الكاظمي بالحد من أنشطة الجماعات شبه العسكرية العاملة خارج القانون، لكنه واصل هذه الجهود منتهجا أساليب غامضة ولكن ربما تكون أكثر فاعلية، لاسيما من خلال محاولة قطع تدفقات إيراداتها غير الرسمية من مصادر مثل نقاط التفتيش الحدودية. وفي وقت سابق من هذا الصيف، ذهب الكاظمي إلى أبعد من ذلك، مشيرا إلى أنه مستعد لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة وعدوانية لصد النفوذ الإيراني. لكن النتيجة كانت مزدوجة، وأظهرت حدود سلطة الكاظمي: ففي 25 يونيو، أمر بشن هجوم جريء على كتائب حزب الله لاعتقال أحد كبار ضباطها. وبينما أسفرت الغارة عن اعتقال العديد من الأعضاء الآخرين، تم إطلاق سراحهم على الفور بعد أن حشدت كتائب حزب الله قواتها داخل المنطقة الدولية، وهي منطقة بغداد التي يوجد بها البرلمان والعديد من المؤسسات الحكومية التنفيذية، بالإضافة إلى بعض البعثات الدبلوماسية.
وفي اجتماع مع نظيره العراقي فؤاد حسين، في 20 من أغسطس الجاري، أوضح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن واشنطن لا تزال تضع في أولوياتها أن تسيطر بغداد على نفوذ كتائب حزب الله وأمثالها. وقال بومبيو “إن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم قوات الأمن العراقية، بما في ذلك من خلال مهمة الناتو والتحالف العالمي لهزيمة داعش، للحد من قوة الميليشيات التي لطالما أرهبت الشعب العراقي وقوّضت السيادة الوطنية للعراق”. وأشار إلى أن الجماعات شبه العسكرية “بحاجة إلى استبدالها بالشرطة المحلية في أقرب وقت ممكن”، مؤكدا أن الحكومة الأميركية “ستساعد” في هذه المبادرة.
ورقة الاغتيالات
Thumbnail
نظرا للضغوط التي يواجهها، يخاطر الكاظمي بإثارة حلقة أخرى من الصراعات الأهلية إذا صعّد من محاولاته لملاحقة الميليشيات. وظهرت علامات التحذير بالفعل بعد سلسلة اغتيالات طالت نشطاء وحقوقيين، تحمل رسالة مباشرة إلى الكاظمي بأنه معرض إلى نفس المصير وأن تحديه للميليشيات يعرض البلاد للمزيد من الخطر.
ففي السادس من يوليو، اغتال مسلحون هشام الهاشمي، الخبير الأمني المقرّب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمام منزله في بغداد. وكانت هذه واحدة من سلسلة عمليات قتل النشطاء، والتي تهدف على الأرجح إلى ردع رئيس الوزراء عن اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الميليشيات المسلحة وتشويه سمعته، حتى لو كان ذلك فقط من خلال الكشف عن عدم قدرته على محاسبة أي شخص.
وبينما يطلب صناع السياسة الأميركيون مطالب طموحة من الكاظمي، فإنهم غالبا ما يفشلون في تقدير ظروفه. حيث يفتقر رئيس الوزراء إلى دعم سياسي محلي قوي ومستقر، ولا يمتلك دائرة انتخابية خاصة به، كما يفتقد إلى سند حزبي، فهو ليس زعيم حزب ولا عضوا في أي حزب.
وعلى عكس رؤساء الوزراء السابقين، وصل الكاظمي إلى السلطة ليس من خلال عمليات المساومة التي عادة ما تتبع الانتخابات العامة العراقية ولكن بدلا من ذلك من خلال سلسلة من التنازلات بين الأحزاب بعد استقالة رئيس الوزراء الحالي في أعقاب الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح. وينقسم ناخبوه المحتملون من بين المتظاهرين ويواجهون صعوبات في التنظيم سياسيا، بينما أصبحوا أهدافا للاغتيالات والاختطاف من قبل الجماعات المسلحة. ومن غير المرجح أن يكونوا قادرين على المنافسة في الانتخابات المبكرة التي اقترحها الكاظمي في 6 يونيو 2021، أي قبل عام تقريبا من الموعد المحدد.
صحيفة العرب