وجه الرئيس التونسي قيس سعيد انتقادات لاذعة لجهات لم يذكرها بالاسم، متهما إياها بعقد صفقات خلال “مشاورات بالليل وتحت جنح الظلام”، في إشارة إلى منح الثقة لحكومة هشام المشيشي بالرغم من عدم رضا الرئيس سعيد عنها بسبب اختلاف على أسماء المرشحين لبعض الحقائب.
وقال الرئيس سعيد، في رده على حملة في مواقع التواصل الاجتماعي ضد أدائه خلال الأشهر الماضية، “ماذا فعلتم أنتم في الأيام الماضية وفي الأشهر الماضية باستثناء المشاورات بالليل وتحت جنح الظلام وأنا أعلم ما قيل فيها وأعلم الصفقات التي تم إبرامها وسيأتي اليوم الذي أتحدث فيه عن كل ما جرى”.ويرى مراقبون أن قيس سعيد يشير إلى ما راج من تسريبات عن لقاءات بين هشام المشيشي وممثلين عن أحزاب ممثلة بعدد مهم في البرلمان، خصوصا حركة النهضة وقلب تونس، تعهد خلالها بإحداث تغيير سريع على قائمة الحكومة بعد نيل ثقة البرلمان، وضم مقربين من الحزبين إلى الحكومة مقابل الاستغناء عن وزراء محسوبين على الرئيس ومستشاريه.
وتعهد الرئيس التونسي، في كلمة له بمناسبة أداء الحكومة لليمين أمامه، بأن يكشف في مناسبة قادمة عن “الخيانات وعن الاندساسات وعن الغدر وعن الوعود الكاذبة وعن الارتهان في أحضان الصهيونية والاستعمار”.
وأضاف “سأرد على الخونة وأذيال الاستعمار الذين باعوا ضمائرهم وباعوا وطنهم وتصوروا أنهم صاروا قادرين على إعطاء الدروس (…) سوف تأتيهم الدروس واضحة من الشعب ومن التاريخ ومرة أخرى بيننا الله والأيام”.
ويعكس الغضب الرئاسي خيبة أمل قيس سعيد في الأحزاب التي التقى بها عشية عرض الحكومة على التصويت لنيل ثقة البرلمان، وبادر ممثلوها إلى إظهار الرئيس في موضع ضعف، وأنه طلب المساعدة على إسقاط حكومة المشيشي، والاحتفاظ بحكومة إلياس الفخفاخ، مقابل تعهده بعدم حل البرلمان والبحث عن صيغ دستورية ملائمة.
وتتوقع أوساط سياسية تونسية أن يكون هذا الخطاب مقدمة لتصعيد جديد بين مؤسسة الرئاسة من جهة، ومؤسسة البرلمان من جهة ثانية مع سعي كل منهما لتوظيف الحكومة في خدمة أجنداتها، خاصة بعد ما ظهر من تصريحات مسيئة إلى الرئيس سعيد من قبل وجوه سياسية، وعلى رأسها نبيل القروي، منافسه في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وطالب القروي الرئيس سعيّد بالاعتذار للشعب التونسي لأنه جاء بحكومة الفخفاخ التي وصفها بأنها “أفسد حكومة في تاريخ تونس”، وحث رئيس الجمهورية على “احترام الدستور وعدم التدخّل في صلاحيات رئيس الحكومة بالتمسك ببعض الوزراء ومطالبته بعدم تنحيتهم”.
كما حملت كلمة رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بعد تمرير حكومة المشيشي، تعريضا واضحا بالرئيس سعيد ومسعاه لتشكيل حكومة تتماشى مع قناعاته. وقال الغنوشي إن “البرلمان مصدر السلطة، وكما أنه قادر على منح الثقة قادر أيضا على سحبها. وهذا المجلس سحب الثقة من أكثر من حكومة”.
ويرى الباحث في مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط حمزة المؤدّب أن “سعيّد يريد وزيرا أوّل (يخضع) لأوامره”، وأن “الرئاسة تدخلت كثيرا خلال تشكيل الحكومة، واتجه تبعا لذلك المشيشي إلى الأحزاب بحثا عن دعم يؤكد أنه رئيس حكومة”.
ويقدر المؤدب أن النهضة “وجدت شخصا تأمل في أن تتوصل معه إلى توافقات”، ولكن “هناك تنافر في قمة السلطة؛ ندخل في أزمة ومن المحتمل أن يصعّب قيس سعيّد المهمة على الحكومة”.
وأدى أعضاء الحكومة الجديدة، الأربعاء، اليَمين الدّستورية أمام الرّئيس سعيّد بقصر قرطاج بعد نيل الثّقة من البرلمان على أن تتسلم رسميًّا مهامها، اليوم الخميس، إثر موكب سيُنتظم بحضور حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها إلياس الفخفاخ.
وصوّت البرلمان التونسي في ساعة مبكّرة من صباح الأربعاء، بالأغلبية المطلقة، بمنح الثقة لحكومة المشيشي.
وشهد التصويت موافقة 134 نائبا على الحكومة المقترحة، واعتراض 67، (201 نائب شاركوا في عملية التصويت من أصل 217).
وقال الرئيس سعيد مخاطبا الحكومة الجديدة إنه “في هذا الظّرف شديد التّعقيد اجتماعيا واقتصاديا وصحيا، أنتم تعلمُون ما ينتظركم من جهدٍ وعناء”، في إشارة واضحة إلى أن رئاسة الجمهورية ستفصل أمر الحكومة وأداءها عن الصراع السياسي مع الجهات التي اعتبر أنها تآمرت عليه.
وأضاف “أتمنى لكم التوفيق وتحمل المسؤولية بكل أثقالها والعمل جنبًا إلى جنب للوقوف أمام الكثيرين من الخونة وأذيال الاستعمار ممن باعوا وطنهم”.
ويضم الفريق الوزاري 25 وزيرا وثلاثة كتاب دولة، من بينهم ثماني نساء، ولأول مرة يدخل كفيف التشكيل الوزاري وهو وزير الثقافة وليد الزيدي.
وأثنى الاتحاد الأوروبي في بيان الأربعاء على مصادقة البرلمان وعبّر عن أمله “في أن يمكّن هذا التطور من تحقيق الاستقرار السياسي الذي تحتاجه البلاد أمام التحديات الاجتماعية والاقتصادية”.
صحيفة العرب