منذ البداية لم ينو الرئيس الأمريكي ترامب أن يكون رئيسا لكل الأمريكيين، بل كان يصر في انتخابات 2016 كما وفي خطابه في مؤتمر الحزب الجمهوري الأسبوع الماضي بأنه رئيس لفئة من الأمريكيين وهي قاعدته المكونة من المؤمنين به من سكان المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية.
لم يخف مؤتمر الحزب الجمهوري، الذي استمر لثلاثة أيام، مدى انجراف الحزب الجمهوري نحو اليمين الأكثر تطرفا والذي يعلن على لسان ترامب موقفه من نخب الساحل الشرقي والمدن الأمريكية الثقافية والجامعية والإعلامية وبالطبع السياسية. ترامب صاحب مدرسة شعبوية، ومن صفات الشعبوية خلط الحقائق وتغيرها، فهو يدعي بأنه أفضل من تعامل مع الوباء الذي انتشر في طول وعرض الولايات المتحدة. لكن الحقائق لا تؤكد ذلك، كما أنه يركز على أنه أكثر من واجه العنصرية وساعد الملونين منذ عصر الرئيس لينكولن. كل هذه الابعاد لا يوجد ما يؤكدها، لكنها تصل لمراتب التسليم بين قاعدته الأساسية المكونة من 30 في المئة ونيف من الأمريكيين. إن أهم ما يميز شعبوية ترامب هو خطاب الخوف الذي ينشره في كل مكان.
لغة ترامب لم تنصف على الإطلاق الجذور السياسية والاقتصادية بل والإنسانية التي سببت الحراك الاحتجاجي الشعبي الكبير الذي بدأ في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد على يد البوليس الأمريكي في 25-5-2020. بل اتهم ترامب الحراك بصفته رعونة وفوضى. هذه المواقف جعلت ترامب في خطابه الاخير يؤكد على شعار تطبيق «القانون والنظام» الذي سيعيد للولايات المتحدة الاستقرار.
لقد استندت شعارات ترامب ولغته على الخوف من المنافس بايدن بصفته وفق ترامب سيسلم الولايات المتحدة للصين ولإيران، كما سيسلمها لليسار وللفوضى وللمظاهرات. بل اتهم ترامب الديمقراطيين بأنهم سيوقفون تمويل البوليس وسيفرضون الضرائب على الأمريكيين، كما أن الرئيس ترامب اتهم المرشح بايدن بأنه سيدمر الجدار مع المكسيك وسيفتح الحدود للمجرمين والقتلة. لهذا طرح ترامب نفسه، كما يطرح زعماء اليمين في كل مكان بأنه «الضمانة الوحيدة لأمريكا». إن اللغة المستخدمة ضد بايدن مخادعة، فبايدن ليس يساريا ولا هو اشتراكي التوجه، وسيتبع سياسة خارجية تحمى الولايات المتحدة من المغامرات، وقد أعلن بأنه لن يدمر الجدار غير المكتمل الذي بناه ترامب وهو بحدود 100 ميل من أصل 500ميل.
إن موقف ترامب وكلماته ووصفه لخصومه يعكس روح إقصائية تشبه ما وقع في الولايات المتحدة في خمسينيات القرن العشرين على يد المكارثية
لكن من جهة أخرى سنجد بأن ضمانات ترامب للمستقبل لا تحتوي على أي برنامج قابل للتحقيق، فوعود ترامب لم تختلف على الإطلاق عن وعوده في مؤتمر الجزب الجمهوري للحملة الانتخابية عام 2016، لهذا يبرز اليوم السؤال: ما الذي يضمن تحقيق وعود ترامب حول الاقتصاد والطبقات الشعبية، وهو بالكاد استطاع أن يتعامل مع كورونا والحراك الأمريكي.
إن الجمهور المؤيد للحزب الجمهوري ليس كالحزب الجمهوري في زمن الرئيس السابق بوش الأب او من جاء بعده من الرؤساء. ففي هذه الانتخابات أصبحت الأولوية لخطاب التضليل و الخوف. إن موقف ترامب وكلماته ووصفه لخصومه يعكس روح إقصائية تشبه ما وقع في الولايات المتحدة في خمسينيات القرن العشرين على يد المكارثية. لهذا بالتحديد ستكون الانتخابات القادمة عصيبة. فالتيارات الأمريكية لا يجمعها الآن ما كان يجمع الحزب الجمهوري والديمقراطي في المراحل السابقة. إن الانقسام الحالي مدمر لمبادئ الوحدة الوطنية الأمريكية، كما أنه مدمر لديمقراطيتها.
وبينما كان الرئيس الأمريكي يلقي خطابه أمام البيت الأبيض في الأسبوع الماضي وذلك ضمن سعيه لقبول ترشيح الحزب الجمهوري له، اندلعت مظاهرات في العاصمة الأمريكية قرب البيت الابيض، كما أنه في اليوم التالي( الجمعة27-8-2020) تجمع حشد كبير معارض مكون من عشرات الألوف في قلب العاصمة الأمريكية. هذه مواجهة حقيقية بين رؤيتين للولايات المتحدة وبين توجهين وبين مدرستين، واحده تضخم الخوف من الآخر وتنزع عن الديمقراطيين الصفات الوطنية الأمريكية، بينما تركز مدرسة بايدن على سوء أخلاق الرئيس وشخصيته النرجسية وضعف إنجازاته وعدم توازن مواقفه.
في هذه الانتخابات. يوظف ترامب عائلته كما ويستخدم البيت الأبيض ومنصبه لكسب نقاط في صراعه مع المرشح بايدن. لكن استخدام موظفي البيت الأبيض في حملته الانتخابية خارجة عن تقاليد النزاهة الأمريكية. في المؤتمر الوطني لحملة للحزب الجمهوري تحدث كل من أولاده الإثنين وابنته المستشارة وزوجة ابنه الأكبر، وصديقة ابنه الثاني، وزوجة الرئيس ترامب، مما أثار التساؤلات. كما أن استخدام ترامب لوزير خارجيته بومبيو في الثناء عليه أثناء رحلة سياسية رسمية للوزير في القدس المحتلة بالتحديد، أعتبر خارج البروتوكول والسياق الأخلاقي.
في هذه الاجواء المشحونة تقف الولايات المتحدة على صفيح ساخن. إن مقتل متظاهرين منذ أسبوع علي يد مؤيد مسلح لترامب، ثم اطلاق النار على شاب أسود واصابته بعدة رصاصات، ثم استمرار حوادث القتل والتصدي والمواجهة بين البوليس والمتظاهرين وبين اليمين المـؤيد لترامب والقوى المؤيدة للحراك المعارض يعكس الأجواء التي تزداد توترا مع اقتراب موعد الانتخابات. لهذا يمكن الاستنتاج لو كانت نتيجة الانتخابات متقاربة لصالح بايدن، سيثير ترامب أزمة سياسية وأمنية كبيرة وسيتهم الديمقراطيين بتزوير الانتخابات، وهذا سيعني بأنه قد لا يقبل بالنتيجة مما قد يورط الولايات المتحدة بأزمة عاصفة.
شفيق ناظم الغبرا
القدس العربي