تريد إدارة ترامب المضي قدماً في غضون أشهر، في صفقة أسلحة مع الإمارات العربية المتحدة تتضمن بيع الطائرة الحربية الأكثر تقدماً في العالم، “إف-35″، وهو جدول زمني طموح يمكن أن يحبطه الكونغرس الأمريكي، اعتماداً إلى حد كبير على موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من عملية البيع. وقال نتنياهو علناً إنه يعارض الصفقة، مؤكداً أن موقف إسرائيل من حصول دول الشرق الأوسط على مثل هذه الأسلحة المتطورة لم يتغير. لكن إدارة ترامب والمسؤولين الإماراتيين أشاروا إلى أن بيع طائرات “إف-35” كان أحد التفاهمات التي دفعت الإمارات إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل في آب/أغسطس – في اتفاق شكّل نقطة تحول توسّطت فيه واشنطن.
إن صفقة الأسلحة هامة بما يكفي لدولة الإمارات لكي يقوم مؤخراً دبلوماسيون إماراتيون بإلغاء اجتماع ثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة للتعبير عن استيائهم من معارضة نتنياهو الشديدة لعملية البيع، وفقاً لتقرير نُشر في موقع “أكسيوس”. [ولكي تُصلح إسرائيل الأمور]، تم استبعاد مسؤولين من وزارة الدفاع الإسرائيلية في اللحظة الأخيرة عن الوفد الوزاري الإسرائيلي الذي سافر إلى أبوظبي في الواحد والثلاثين من آب/أغسطس لإجراء محادثات مع النظراء الأمريكيين والإماراتيين.
وقال مسؤولون أمريكيون ومصادر في الكونغرس تحدثت معهم مجلة “فورين بوليسي” إن صفقة أسلحة كبيرة على غرار تلك المقترحة مع الإمارات عادة ما تستغرق ما يقرب من عام لإكمالها. وأضافوا إن إدارة ترامب تريد البدء في التباحث حولها في غضون شهرين إلى خمسة أشهر، وبشكل مثالي بحلول موعد الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر، وبالتأكيد قبل أي انتقال رئاسي في كانون الثاني/يناير، في حالة خسارة ترامب للبيت الأبيض.
ووفقاً للجدول الزمني المعقّد لصفقة الأسلحة، قد يحتاج الكونغرس الأمريكي إلى الاطلاع على تفاصيل أي صفقة بيع مقترحة بحلول تشرين الأول/أكتوبر لكي يتسنّى للمشرّعين النظر فيها ورفع اعتراضاتهم عليها. وفي هذا السياق، قال أحد موظفي الكونغرس المطّلعين على العملية لمجلة “فورين بوليسي”: “لا أرى كيف كانت الإمارات ستوافق على [الصفقة] إذا لم تكن ستُبرم في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر. لقد استشرفوا المستقبل، ويعلمون أن الأمور ستتغير بالنسبة لهم في الإدارة المقبلة”. إلّا أن مساعداً من الحزب الديمقراطي في الكونغرس على دراية بقضايا السياسة الخارجية كان أكثر وضوحاً، حيث قال: “إذا فاز بايدن، فلن يحدث هذا أبداً”.
وهذا الشهر أصبحت الإمارات ثالث دولة عربية فقط توافق على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، بعد مصر في عام 1979 والأردن في عام 1994. وحدد الاتفاق سلسلة من التعاون والمشاريع في مجالات التجارة، والاستثمار، والسياحة، ومبادرات الرد على مرض “كوفيد-19”. كما دعا إسرائيل إلى تعليق ضمها المزمع لمستوطنات في الضفة الغربية.
لقد أرادت الإمارات منذ سنوات شراء طائرة “إف-35” – وهي طائرة شبح مقاتلة متطورة لم يُسمح إلا لإسرائيل بشرائها من بين دول الشرق الأوسط. وقال مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، الذي توسط في الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً شبكة “سي إن إن”، “إن اتفاقية السلام يجب أن تزيد من احتمالية حصولهم عليها”.
وكرّر الرئيس دونالد ترامب هذا الشعور نفسه في مؤتمر صحفي عقده بعد أسبوع من إعلان الاتفاق، حيث قال: “[الإماراتيون] لديهم المال، وهم قد يرغبون في طلب عدد غير قليل من طائرات «إف-35» … إن [الموضوع] قيد المراجعة، لكنهم حققوا تقدماً كبيراً في السلام في الشرق الأوسط”.
ويرى المسؤولون الإماراتيون أنه لا ينبغي أن يكون لإسرائيل أي أسباب لمعارضة الصفقة بعد إرساء السلام رسمياً بين الدولتين. وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في حديث أجراه مؤخراً مع مركز الأبحاث “أتلانتيك كاونسل” ومقره في واشنطن: “تتوقع الإمارات أن يتم قبول مطالباتها [المتعلقة بطائرات «إف-35»]، ونشعر أنه مع التوقيع على معاهدة السلام هذه في الأسابيع أو الأشهر المقبلة… يجب ألا يكون هناك أي عقبة في هذا الصدد”.
وقال مسؤول إماراتي رفيع المستوى لم يُذكر اسمه لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية اليومية إن نتنياهو كان يعلم بالفعل ومنح موافقته على مثل هذه الخطوة. لكن العديد من المسؤولين السابقين والحاليين في إسرائيل والولايات المتحدة قالوا لمجلة “فورين بوليسي” إن بيع طائرات “إف-35” للإمارات قد يكون له عواقب سلبية على الأمن القومي لكلا البلدين.
وفي إسرائيل، يكمن مصدر القلق الرئيسي في الاحتمال بأن عملية البيع قد تقوّض التفوق العسكري للبلاد في المنطقة – أي “تفوقها العسكري النوعي” في اللغة الدبلوماسية الأمريكية. وهذا “التفوق العسكري النوعي” هو التزام أمريكي يعود تاريخه إلى السبعينيات، وتم تدوينه بعد ذلك في قانون، تلتزم فيه الولايات المتحدة قانونياً بدعم المزايا العسكرية لإسرائيل على أي دولة منفردة أو تحالف دولي في الشرق الأوسط.
وفي مؤتمر صحفي عُقِد مؤخراً قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، الذي لم تتم استشارته بشأن الاتفاق مع الإمارات قبل التوصل إليه، إنه في حين أن التطبيع يشكّل خطوة إيجابية، إلا أنه لا ينبغي أن يأتي على حساب أمن إسرائيل. وقال: “ليس بالأمر الجيد بالنسبة لإسرائيل أن تحلّق الطائرة [«إف-35»] في أماكن أخرى”. ووفقاً لبعض التقارير ردد قائد سلاح الجو الإسرائيلي هذا الموقف خلال هذا الصيف.
وقال رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين، لمجلة “فورين بوليسي” إن السمات الفريدة لطائرة “إف-35” من شأنها أن تساعد إسرائيل في الحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة. وأضاف: “إن «إف-35» ليست مجرد مقاتلة شبح، بل هي أيضاً نظام كامل من أجهزة الاستشعار المتقدمة، والاستخبارات، والرادارات، وإلكترونيات الطيران، والأسلحة التي تمنح الطيار صورة فريدة جداً عن المعركة”.
وأضاف يادلين، الذي هو أيضاً طيار عسكري سابق ويرأس حالياً “معهد دراسات الأمن القومي” في تل أبيب، أن الفرق الحقيقي بين “إف-35” – طائرة من الجيل الخامس – وطائرات الجيل الرابع مثل “إف-15” و “إف-16” التي تملكها إسرائيل والإمارات ودول أخرى في المنطقة هو العنصر الخفي. “إن ذلك يشبه الفرق بين الهاتف الذكي في عام 2020 والهاتف المحمول العادي في عام 2000.”
وقال محللون إسرائيليون آخرون إنهم قلقون بشأن احتمال أن تشكّل مثل هذه الصفقة، سابقةً في منطقة تشهد توجهات وتحالفات سياسية متقلبة. وقال الجنرال المتقاعد والمسؤول الرفيع السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد: “قد تنقلب ضدنا بلحظة ومِن دون سابق إنذار. مَن كان يتوقع أن تصبح تركيا وإيران من ألد أعداء إسرائيل بعد أن كانت تجمعهما معها صداقة وطيدة؟ أو أن يستولي الإسلاميون على الحكم في مصر ثم يعود [عبد الفتاح] السيسي وينتزعه منهم ويعود إلى التحالف مع إسرائيل؟ لا يمكن لأحد التنبؤ بهذه الأمور”.
وقال جلعاد، الذي يعتبر من أبرز الخبراء الإسرائيليين في اتفاقية “التفوق العسكري النوعي” الموقعة مع الولايات المتحدة، إن مصر والسعودية قد ترغبان أيضاً في شراء طائرات “إف-35” بعد حصول الإمارات عليها. وعندئذٍ “تكون” الولايات المتحدة “قد أرست فعلاً المبدأ الأساسي لهذه الخطوة، وبالتالي سيقتصر الأمر على التفاوض بشأن السعر. وأنا لا أريد أن أعرّض أمننا للخطر على المدى البعيد، ولا يمكننا أن نضع ثقتنا في المعجزات”.
وفي مؤتمر صحفي عقده نتنياهو الأسبوع الماضي مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن اتفاق السلام “لم يتضمن موافقة إسرائيل على أي صفقات أسلحة، ولا أعرف عن أي صفقة أسلحة تم الاتفاق عليها… فموقفنا لم يتغير”.
ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول صحة مثل هذا النفي ومدى شدة معارضة نتنياهو. فقد قال جلعاد: “هناك معارضة على الورق، وثمة معارضة عبر جميع القنوات المتاحة أمامك. والولايات المتحدة لن تبيع [طائرات «إف-35»] إذا كانت هناك معارضة حقيقية” من إسرائيل.
وقالت عدة مصادر في الكونغرس الأمريكي إن موقف نتنياهو بشأن ما إذا كانت الصفقة تحط من “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل، سيلعب دوراً حاسماً عندما يُطلب من المشرّعين التصويت على الصفقة. وقال أحد موظفي الكونغرس، مستخدماً الإسم الشائع لنتنياهو: “سيكون من الصعب [على الكونغرس] الاعتراض إذا وافق بيبي على ذلك”. كما قال أحد كبار المساعدين الديمقراطيين إن الضغط العنيف الذي يمارسه نتنياهو والسفارة الإسرائيلية في واشنطن “يمكن أن يُرجّح الكفة لصالح الإماراتيين”.
ولكن قبل إجراء أي تصويت في الكونغرس، يستوجب القانون أن تصادق وزارة الخارجية الأمريكية على ما إذا كانت صفقة بيع طائرة “إف-35” قد تضعف التفوق العسكري الإسرائيلي. ووفقاً لموظف الكونغرس، لم تحدّد وزارة الخارجية بعد ما إذا كانت ستُفرَض قيوداً معينة على مكان وكيفية استخدام الإمارات لطائرات “إف-35” وأنظمة الأسلحة الأخرى المزمع بيعها حالياً، والتي تشمل طائرات بدون طيار مسلحة ومتطورة. وأضاف الموظف إن البيع بلا قيود قد يكون غير مقبول للعديد من أعضاء الكونغرس.
ولا يزال يادلين وجلعاد يشكّان في أن تكون أي قيود – فنية أو جغرافية – مفروضة على نظام أسلحة مثل طائرات “إف-35″، كافيةً لتخفيف المخاوف الإسرائيلية. وبصرف النظر عن كيفية تأثير صفقة البيع على إسرائيل، أشار موظفون في الكونغرس إلى سجلّ الإمارات في حقوق الإنسان في كل من اليمن وليبيا كمصدر إضافي يثير قلق المشرّعين ويمكن على الأقل أن يؤخر الموافقة على أي صفقة لبيع طائرات “إف-35”.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على وزارة الدفاع الأمريكية أن توافق أيضاً على صفقة بيع طائرات “إف-35” شرط استيفاء الإمارات للمعايير الأمنية الفنية اللازمة لاقتناء هذه الطائرات وتشغيلها. وهذا أيضاً يمكن أن يشكّل عقبة أمام [إكمال] الصفقة.
وفي هذا السياق، قال مايكل ستيفنز – زميل مشارك في مركز الفكر البريطاني “المعهد الملكي للخدمات المتحدة” في لندن: “سيتعيّن على الإمارات إظهار مستوى من المعرفة التقنية التي لا تمتلكها حالياً ولا تزال بعيدة جداً عنها. إنها ليست مجرد طائرة. إنها مستوى مختلف تماماً من القيادة والتحكم والصيانة والخدمات والتكامل التشغيلي”.
وفي الوقت الحاضر، هناك مجموعة صغيرة من دول “الناتو” والدول الشريكة – التي تشمل إسرائيل وكوريا الجنوبية واليابان – التي تستخدم طائرات “إف-35”. وقال ستيفنز إن المخاوف من التجسس الصيني هي سبب آخر يدفع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى حجب أفضل تقنياتهما عن دول الخليج.
وأضاف، “مع توجّه الخليج أكثر فأكثر نحو الشرق، ما هو الضمان بعدم تسرّب تفوقنا التكنولوجي [الغربي]؟ هناك سبب لإبعاد الأطراف التي ليست جزءاً من جماعتك – إذ لا يمكنك تعريض معداتك لهذا المستوى من التدقيق”.
وإذا تم إفشال الصفقة في النهاية، سيتعين على الإمارات أن تقرر ما إذا كانت ستمضي قدماً في عملية التطبيع بدون طائرات “إف-35”. وقال موظف الكونغرس لمجلة “فورين بوليسي”: “كانت طائرة «إف-35» أول ما فكَّرتُ فيه” بعد إعلان اتفاق السلام مع إسرائيل. “فالإمارات حصلت على شيء في المقابل، وليس المقصود رحلات مباشرة من أبوظبي إلى تل أبيب.”
ومع ذلك، بوسع ترامب أن يتجاوز الكونغرس من خلال اللجوء إلى صلاحية طارئة لبيع الأسلحة. وعلى الرغم من أنه نادراً ما تم اللجوء إلى هذه الصلاحية، إلا أن ترامب استخدم هذا البند في العام الماضي لإبرام صفقة مع السعودية والإمارات بقيمة 8 مليارات دولار تضمنت صواريخ دقيقة التوجيه – الأمر الذي أثار تنديداً حتى من بعض المشرّعين الجمهوريين. ووفقاً لموظفي الكونغرس، من شبه المؤكد أن يفعل ترامب الشيء نفسه هذه المرة إذا لزم الأمر، طالما أنه لا توجد معارضة من أغلبية الثلثين (التي لا تخضع لحق النقض) ضد صفقة البيع في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين.
وعلى أي حال، قد يستغرق التسليم الفعلي للطائرات إلى الإمارات ما يصل إلى عقد من الزمن بسبب تراكم الأعمال غير المنجزة بانتظار الإنتاج، والصفقات ذات الأولوية مع الدول الشريكة في إنتاج طائرات “إف-35”. وهنا قال المحلل ستيفنز من “المعهد الملكي للخدمات المتحدة”: “الطائرات ليست موجودة، ومدرّبو [الطيارين] ليسوا موجودين. الأمر ليس مشابهاً لطلب 100 لوح شوكولاتة من نوع “مارس” من المعمل مباشرةً”.
نيري زيلبر
معهد واشنطن