في أيلول/سبتمبر 2019، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن توقيف مواطن أمريكي من أصل لبناني يدعى أليكس (علي) صعب بتهمة الزواج الاحتيالي وتقديم الدعم المادي لجماعة «حزب الله» المصنفة على قائمة الإرهاب الأمريكية. ووفقاً لبعض التقارير عمل صعب كعنصر في جناح العمليات الإرهابية الخارجية للحزب، أي «حركة الجهاد الإسلامي» (المعروفة أيضاً باسم «منظمة الأمن الخارجي» أو «الوحدة 910»). وفي هذا الدور، تولى مهام مراقبة مواقع استهداف محتملة في عدة مدن أمريكية “استعداداً لشن هجمات مستقبلية محتملة على الولايات المتحدة”. وظهرت قضية صعب في أعقاب قضيتين أخريين في الولايات المتحدة، هما إدانة علي كوراني بتهمة الانخراط في عمليات مراقبة مماثلة تسبق العمليات [الإرهابية] لصالح «حزب الله»، ومساومة ظاهرية على شطب الدعوى/تخفيف العقوبة بحق سامر الدبك الذي تم إرساله في مهام «حزب الله» في الخارج. وقبل بضع سنوات فقط، في عامي 2012 و 2015، تم اعتقال عنصرين من «حزب الله» في قبرص، من خلال إلقاء القبض على أحدهما لقيامه بمراقبة السياح الإسرائيليين وأهداف أخرى في لارنكا وليماسول، بينما كان الآخر يخزّن نترات الأمونيوم لإنتاج المتفجرات. وتُوضح هاتين الحالتين مجتمعة – إلى جانب تلك التي تضم عناصر في تايلاند وبيرو – طريقة عمل العمليات الخارجية لـ «حزب الله»، وكبار المدرّبين، وتقنيات الاتصالات، وأنماط السفر، والتدريب الإرهابي، وتوفّر حتى معلومات محدودة حول سلم الأجور لعناصر «الحزب». واكتشف مسؤولو إنفاذ القانون معلوماتٍ كثيرة عن العمليات السرية لـ «الحزب». إن الكشف العلني عن مثل هذه المعلومات يخالف “القاعدة الذهبية” التي تعتمدها «الوحدة 910» التابعة لـ «حزب الله»، كما عبّر عنها مدرّب كوراني في «الحزب»، وهي: “كلما قلَّت معرفتك عن الوحدة، كلّما كان أفضل”.
تجدر الإشارة إلى أن «حزب الله» لم ينفّذ هجوماً إرهابياً ناجحاً في الخارج منذ أن فجّر حافلةً لسائحين إسرائيليين وصلت إلى مطار بورغاس في بلغاريا في تموز/يوليو 2012 – لكن ليس لأنه لم يحاول. ومنذ ذلك الحين، نجحت سلطات إنفاذ القانون والاستخبارات في إحباط قائمة طويلة من مؤامرات «حزب الله» وتحضيراته العملياتية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك حالات في بوليفيا وكندا وقبرص ونيجيريا وبيرو وتايلاند والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وفي الواقع، اتبّع «حزب الله» ما لا يقل عن مسارين منفصلين في عملياته خلال السنوات التي تلت اغتيال العقل المدبر الإرهابي للتنظيم عماد مغنية في دمشق خلال شباط/فبراير 2008. وتتعلق المجموعة الأولى من المؤامرات برغبة «حزب الله» المعلنة في الانتقام لمقتل مغنية، في حين بدأت مجموعة المهام الثانية بعد ذلك بفترة قصيرة، وكانت جزءاً من حرب الظل الإيرانية مع الغرب خلال الفترة التي سبقت الاتفاق النووي مع إيران عام 2015. واستُهلّت هذه المجموعة الأخيرة في كانون الثاني/يناير 2010، حين أنشأت إيران وحدة جديدة ضمن «فيلق القدس» – ذراع العمليات الخارجية لـ «الحرس الثوري الإسلامي» – لتنفيذ هجمات ضد الدول التي تُعتبر أنها تقوّض البرنامج النووي الإيراني. وإلى جانب إنشاء هذه الوحدة، كلّف المسؤولون الإيرانيون «حزب الله» بتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية “ناعمة” – وبصورة رئيسية السائحين – في محاولةٍ للضغط على إسرائيل لمنعها من استهداف الأشخاص والأماكن المرتبطة ببرنامج إيران النووي.
وبحكم هاتين الحادثتين الوشيكتين، عمد «حزب الله» إلى البحث عن مجنّدين واعدين لوحدات عملياته الإرهابية (أي «حركة الجهاد الإسلامي») من داخل ميليشيته المسلحة (وهي فعلياً جيش دولة فرعية) أي «المقاومة الإسلامية»، ومن فروعه القتالية والسياسية والاجتماعية والشبابية الأخرى. وعند العثور على المجنّدين المطلوبين – إما بفضل مهاراتهم الحالية، أو بفضل تمتعهم بمزايا واعدة معينة، أو لحيازتهم جوازات سفر أجنبية و/أو جنسيات مزدوجة – خضع هؤلاء للتدريب على فنون التجسس المظلمة، والمراقبة المضادة، والأمن العملياتي، والتدريب على الأسلحة، وغير ذلك.
بالنظر إلى الماضي، من الواضح أن «حزب الله» أدرك أن إمكاناته في العمليات الإرهابية الدولية اضمحلّت في حقبة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر، أي في الفترة التي أراد فيها «الحزب» تجنب شمله “بالحرب على الإرهاب”، وبالتالي خَفَّض من عملياته الخارجية بينما حافظ على شبكات الخدمات اللوجستية والمشتريات والتمويل الدولية. لذلك، في الفترة 2008 – 2010، بدأ «حزب الله» يعيد استثمار الوقت والموارد اللازمة لتلقين مجنّديه الجدد أصول المهنة المتطورة.
وفي السنوات التالية، تم اعتقال عددٍ من عناصر «حزب الله». وفي بعض الحالات، تم إطلاق سراح المشتبه بهم في النهاية دون توجيه تهم (وعلى الأرجح تم ترحيلهم)، مثل قضية رجل في الأربعينيات من عمره تم القبض عليه في المملكة المتحدة عام 2015 بينما كان يخزّن الآلاف من عبوات الثلج المعدّة للاستعمال الواحد، والمحتوية على نترات الأمونيوم، وهو مكوّن رئيسي في صنع القنابل. وفي حالات أخرى، كان يتم احتجاز المشتبه بهم إلى حين حلول موعد المرافعة ومن ثم كانت تتم محاكمتهم. وفي نيجيريا، تمت إدانة البعض دون البعض الآخر. وفي بيرو، أدين أحدهم بتهمة تزوير وثائق وتجري حالياً إعادة محاكمته بتهمة الإرهاب. أما في قبرص والولايات المتحدة، فقد تم اتهام وإدانة عدة عناصر بسبب أنشطتهم العملياتية مع «حزب الله». ولا تزال قضيّتا سامر الدبك وعلي صعب بانتظار المحاكمة، وكلاهما تُنظران أمام محكمة منطقة جنوب نيويورك. ومن بين تلك المؤامرات التي كشفتها سلطات إنفاذ القانون، توفّر القضايا الحاصلة في الولايات المتحدة وقبرص معظم المعلومات.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن