للشهر الثالث على التوالي يتخلّف طارق عن دفع إيجار الشقة التي يقطنها في منطقة سلوى الكائنة بمحافظة حَوَلِّي شرقي الكويت.
يحاول الوافد اللبناني الذي يعمل نادلا في أحد المطاعم الشرقية المشهورة منذ أكثر من 7 سنوات الوفاء بالتزاماته المتزايدة، لكنه لا ينجح في بلوغ ضالته المنشودة في ظل اقتطاع ما يعادل نصف راتبه منذ أكثر من 5 أشهر.
يقول طارق للجزيرة نت إن الأعباء والديون بدأتا تتراكمان عليه شهرا تلو الآخر بسبب قرارات الإغلاق وما رافقها من تداعيات اقتصادية سلبية مرتبطة بالأزمة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا وتحديدا منذ شهر أبريل/نيسان الماضي.
ويضيف الشاب الثلاثيني الذي عاد إلى ممارسة عمله المعتاد قبل نحو شهر من الآن عقب تخفيف وتيرة إجراءات الإقفال “قبل بدء أزمة كورونا كنت أتقاضى 550 دينارا كويتيا “حوالي 1750 دولارا” أدفع منها إيجار الشقة، وفاتورة الهاتف، وقسط السيارة وغيرها من متطلبات العيش البسيط، أما اليوم فأنا أحصل على نصف هذا المبلغ فقط، لذلك لم أعد قادرا على تدبير أموري كما كنت أفعل بالسابق”.
ويعلق الوافد اللبناني -كغيره من زملائه الموظفين- آمالا كبيرة على وعود صاحب المطعم بإعادة رواتبهم إلى سابق عهدها خلال شهرين إلى 3 أشهر على أبعد تقدير مع التحسن المتوقع بالحركة والمداخيل خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
غالبية المستأجرين الذين قاموا بإخلاء الشقق تركوا الكويت بشكل نهائي بعدما وجدوا أنفسهم بلا عمل (الجزيرة)
أزمة عقارية
الأزمة التي يمر بها طارق وعشرات آلاف المستأجرين غيره، تلقي بظلالها الثقيلة على أصحاب وملاك العقارات والشقق السكنية الاستثمارية في الكويت، فهؤلاء يدركون جيدا حجم المعاناة المادية التي يمر بها السواد الأعظم من الوافدين الذين تضررت أعمالهم ومصالحهم وتقلصت رواتبهم، ولكن ذلك لا يشفع لهم أمام سيل فواتير الكهرباء والماء والقروض المصرفية التي تستعد البنوك للعودة إلى استقطاعها من جديد بعد فترة توقف دامت 6 أشهر.
وفي هذا الإطار يقول الخبير المحلل العقاري رئيس مجلس إدارة شركة المناخ الوطنية للتقديرات العقارية عبد العزيز الدغيشم -في تصريح للجزيرة نت- إن “القطاع العقاري في الكويت لا يزال متماسكا حتى الآن رغم الهزة البسيطة التي شهدها نتيجة الصعوبات والتحديات الاقتصادية الراهنة، إلا أنه حتى لا يتدهور القطاع ينبغي على الملاك والمستأجرين وحتى البنوك التعاون لتمرير هذه الفترة الصعبة بأقل الأضرار الممكنة على الجميع”.
وفي حين أكد الدغيشم أن هناك الكثير من أصحاب البنايات قاموا بالفعل طوال الفترة الماضية بتخفيض الإيجارات بمقدار النصف تقريبا شعورا منهم بصعوبة أوضاع المستأجرين لديهم، دعا الملاك الذين لم يتخذوا خطوات مماثلة إلى المسارعة بتقديم خصومات لمستأجريهم حتى لا تتفاقم أزمة الطرفين فيما بعد.
وأشار الخبير العقاري إلى أن غالبية ملاك العقارات تقع عليهم التزامات وأعباء مالية ليست بسيطة على الإطلاق من قبيل فواتير الكهرباء والماء إلى جانب القروض المصرفية، موضحا في الوقت نفسه أن الأزمة الحالية ليست محلية فقط وإنما هي أزمة عالمية طالت مختلف دول العالم وكافة القطاعات والمجالات الاقتصادية.
بناء على هذه المعطيات، أشارت دراسة متخصصة نشرتها جريدة القبس الكويتية قبل أكثر من شهرين إلى أن قيمة القطاع العقاري بالسوق المحلية تجاوزت 25 مليار دينار “حوالي 80 مليار دولار”، حيث يتم تمويل هذا القطاع من قبل البنوك بقيمة 8.9 مليارات دينار “حوالي 28 مليار دولار”، وفقا لتقرير البنك المركزي الكويتي.
ولفتت الدراسة ذاتها إلى أن الدخل الإجمالي للقطاع العقاري يشكل ما يزيد على 1.7 مليار دينار “5.4 مليارات دولار” بمتوسط عائد 7% ودخل للبنوك بقيمة 312 مليون دينار “998.4 مليون دولار” بمتوسط عائد يبلغ 5%.
ودعت الدراسة إلى اتخاذ سلسلة خطوات عاجلة من أجل إنقاذ القطاع العقاري ومنها تعاون البنوك ودعم من قبل البنك المركزي بتخفيض الفائدة على جميع العقود العقارية لفترة أطول، ووضع قانون واضح وصريح خاص بأزمة كورونا ينظم علاقة المستأجر بالمؤجر لكل قطاع على مقدار الضرر الواقع عليه في حال عدم اتفاق كل من المستأجر والمؤجر على دفع الإيجار.
كما تضمنت التوصيات تخفيض رسوم الكهرباء والماء لمدة لا تقل عن سنة إلى جانب تمديد فترة تأجيل سداد أقساط القروض العقارية لمدة 6 أشهر إضافية، نظرا لطول فترة الأزمة وحتى تتمكن كل الأطراف من توفير السيولة اللازمة لسداد الالتزامات الكثيرة المتوجبة عليها.
كما دعت الدراسة إلى وقف رخص البناء لمدة لا تقل عن عام للقطاعين الاستثماري والتجاري وتجميد المناطق الاستثمارية والتجارية الجديدة وذلك بهدف الحفاظ على العرض في ظل انخفاض متوقع في الطلب خلال الفترة المقبلة وحتى لا تتأثر القيم العقارية للمنشآت داخل الدولة بما سينعكس على القطاع المصرفي بشكلٍ مباشر، وإنشاء صندوق عقاري قيمته بالحد الأدنى مليارا دينار “6.4 مليارات دولار” ويتم الاستثمار فيه من قبل الدولة بنسبة 50% وتتم إدارته بشكل مشترك بين ممثلين عن الدولة وملاك العقارات على أن يتم تداوله بالبورصة الكويتية.
زيادة الشواغر
من ناحيته، يشتكي هشام أبو العزم الذي يعمل وكيلا عقاريا لأكثر من بناية في منطقة السالمية من زيادة الشواغر وتراجع نسبة الإشغال، قائلا إن أكثر من 10 مستأجرين أخلوا الشقق التي كانوا يسكنونها خلال الشهرين الماضيين بسبب الأزمة المالية الحادة.
ويوضح أبو العزم للجزيرة نت أن غالبية المستأجرين الذين قاموا بإخلاء الشقق تركوا الكويت بشكل نهائي بعدما وجدوا أنفسهم بلا عمل بسبب الواقع الجديد الذي فرضته جائحة كورونا، مبينا أن تراجع المداخيل وصعوبة الأوضاع الراهنة يحولان دون إيجاد مستأجرين جدد بالقيمة السابقة نفسها.
وتتراوح القيمة الإيجارية للشقة الصغيرة المكونة من غرفتين وصالة في مناطق مثل السالمية، وسلوى، وميدان حَوَلِّي القريبة من مقرات الشركات ومراكز الأعمال بمحيط العاصمة بين 280 و360 دينارا “890 و1150 دولارا على التوالي”.
وفي شهر يوليو/تموز الماضي، كشفت إحصائية رسمية نشرتها جريدة الراي اليومية أن نحو 160 ألف وافد غادروا الكويت منذ منتصف شهر مارس/آذار الماضي، في حين من المتوقع أن يرتفع عدد الوافدين المغادرين إلى نحو مليون ونصف المليون بحلول نهاية العام الجاري، بحسب الإحصائية ذاتها.
وكشف تقرير متخصص صادر عن اتحاد العقاريين الكويتيين المعني بمتابعة أوضاع السوق، في وقت سابق أن عدد الشقق الشاغرة في البلاد يبلغ نحو 49 ألفا، مشيرا في الوقت نفسه إلى وجود ما يزيد على 26 ألف شقة أخرى قيد الإنشاء، وبالتالي فإن السوق المحلية بحاجة إلى استيعاب نحو 75 ألف وحدة سكنية استثمارية خلال فترة تتراوح بين 4 و5 سنوات فقط.
المصدر : الجزيرة