ترامب.. رئيس جائحة يرتكب مذابح أميركية

ترامب.. رئيس جائحة يرتكب مذابح أميركية

مع اقتراب الانتخابات الأميركية تتزايد النقاشات في الولايات المتحدة حول ما سيفعله الرئيس دونالد ترامب في حال فاز بولاية ثانية بالنظر إلى المذابح التي ارتكبها منذ وصوله إلى البيت الأبيض قبل أربع سنوات. ففي الوقت الذي فتح على نفسه وعلى بلاده مشكلات لا حصر لها تجلت في حروب اقتصادية وعدم مبالاته بوباء كورونا، يبدو أنه سيعطي لتلك الأزمات معنى آخر قد يحمل البلاد إلى الأسوأ بقدر ما يمكن أن يرسخه من انطباعات منجرة عن تصرفات ستأتي عكس أفعاله ومواقفه وتعامله مع التحديات الهائلة في طريق تحقيق شعار “أميركا أولا”.

واشنطن – أصبحت الولايات المتحدة في عام 1991 فجأة القوة العظمى الوحيدة في العالم، القوة العظمى المطلقة، الأخيرة والأكبر من نوعها، الدولة التي سوف تصير في وقت قريب قوة لا غنى عنها.

لقد كان الأمر مقتصرا آنذاك على شيء واحد وهو قضية الحرب الباردة، إلى أن انهارت تلك القوة العظمى الأخرى، ألا وهي الاتحاد السوفيتي. وفي الواقع، حتى هذا لم يحدث صدمة حقيقية للحظة، لأن قادة البيت الأبيض في ذلك الوقت ببساطة لم يتخيلوا عالما يمكن أن تنتهي فيه الحرب الباردة.

حينها بدا من الواضح، وفي ظل وجود نائب الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، جورج إتش بوش في البيت الأبيض وابنه جورج دبليو، وبينما كان المستبد العراقي وحليف الولايات المتحدة السابق صدام حسين لا يزال جالسا في قصره بالعاصمة بغداد، كانت الولايات المتحدة تتجه بالفعل نحو طريق أميركا كما يراه دونالد ترامب اليوم.

لم يكن يعرف ترامب بتلك الأحداث أصلا، ولم يكن يعرف كيف كان من الممكن أن يتخيل نفسه رئيسا للولايات المتحدة بعد كل تلك السنوات، فهو لا يزال في ذلك الوقت يمثل ظاهرة شعبية ليس أكثر. وحتى أننا لم نفكر كيف يمكن أن نتخيله هو كمرشح مستقبلي لرئاسة هذه الدولة، حيث ستكون حياة الكثيرين في حالة تدهور وسنحتاج إلى أن نستعيد عظمتها مرة أخرى؟ من كان يحلم بهذا؟

مذبحة أبدية
لقد مرت قرابة ثلاثة عقود فقط منذ لحظة الانتصار الفريدة تلك في واشنطن، وهي الفترة التي سيتم التفكير بها لاحقا على أنها “نهاية التاريخ”، حتى وصلنا إلى عالم “أميركا ليس أولا بل وأخيرا” في عهد دونالد ترامب، ثم إلى هذه “المذبحة الأميركية”، وأنا لا أفكر فقط في عدد وفيات فايروس كورونا البالغ عددهم حوالي 190 ألفا.

وخلال أقل من ربع قرن تم أخذنا جميعا من الرئيس الذي طلب من الله أن يستمر “بمباركة الولايات المتحدة” في أعقاب انتصار تاريخي، إلى الرجل الذي قاد حملته لمنصب الرئيس مستخدما شعارا جعل “أميركا عظيمة مرة أخرى”.

لا يمكن الاعتقاد أن ترامب كان مخطئا في خطاب تنصيبه عام 2017، فقد ساعده مستوى معين من هذه “المذبحة الأميركية”، لاسيما في شكل تفاوت اقتصادي مذهل، ناهيك عن “الحروب الأبدية”، التي لا تزال تخوضها القوات العسكرية الأميركية، حيث تنفق عليها الدولة أموالها بدلا من الصحة والتعليم والبنية التحتية.

وتلك الأمور ساعدت الرئيس الحالي الطامح لولاية ثانية في وصوله إلى السلطة، ويبدو أنه كان يعرف ذلك، حتى أنه وعد بحل مثل هذه المشكلات مرارا وتكرارا، بما في ذلك إنهاء تلك الحروب وإلى الأبد، كما فعل مرة أخرى في خطاب قبوله في البيت الأبيض مؤخرا، حتى عندما وعد بمواصلة “إعادة بناء” الجيش.

ويوضح المقطع الرئيس من خطاب تنصيبه في ذلك الوقت هذا الموقف، حينما قال إن “الأمهات والأطفال المحاصرين في براثن الفقر في مدننا، المصانع الصدئة المنتشرة في جميع أنحاء بلادنا، النظام التعليمي المليء بالأموال، لكنه يحرم طلابنا الصغار من المعرفة، الجريمة والعصابات والمخدرات التي سلبت الكثير من الأرواح وسطت على الكثير من ممتلكات بلادنا. هذه المذبحة الأميركية ستتوقف هنا، وستتوقف الآن”.

والآن، بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، تبدو هذه المذبحة أبدية سواء في شكل تلك الحروب، التي أقسم أنه سيخرج بلاده منها أو في شكل الإنفاق المتزايد على الجيش وبقية الأمور، التي لا تُعرف ويُقال إنها تتعلق بالأمن القومي أو في شكل عدم المساواة الاقتصادية، التي تزايدت بشكل جزئي بسبب التخفيض الضريبي الضخم في 2017، وهو بمثابة ثروة للأميركيين الأكثر ثراء.

وهذا الأمر جعل الولايات المتحدة تدين بأموال أكثر بكثير مما كان يمكن تخيله سابقا، وفوق كل شيء، شجعت إدارته جميعها ليس فقط على إنكار وجود تغير المناخ، وإنما كذلك إحراق كوكب الأرض من خلال “إطلاق” برنامج “الهيمنة الأميركية على الطاقة” واستغلال الوقود الأحفوري وفتح المزيد من المجالات لاستغلال هذه الصناعات.

وبمعنى آخر، أعطى دونالد ترامب للمذبحة الأميركية معنى جديدا، وبطريقته الفريدة، لعب بيده دورا رائعا في إحداث تحول جذري في هذه الدولة. فعندما نزل من المصعد الكهربائي في برج ترامب في شهر يونيو 2015 ليعلن نفسه مرشحا للرئاسة، قدم وعدا لافتا للمواطنين الأميركيين.

يتمثل الوعد في بناء ما وصفه بـ”السور العظيم”، الذي ستدفع الحكومة المكسيكية ثمنه “لإبعادنا عن المغتصبين المكسيكيين”، ولكن حتى تلك اللحظة، هناك جدار “عظيم” واحد فقط على سطح الكوكب، وقد شيدته العديد من السلالات الصينية على مدى قرون لا حصر لها لإبعاد الغزاة الرحل عن بلادها.

ولكن في السنوات التي تلت ذلك، اتضح أيضا أنه لا يمتلك حتى مهارة تهجئة أو نطق الكلمات بشكل جيد. والدليل على ذلك أنه تمكن من بناء 300 ميل فقط من الجدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك خلال ما يقرب من أربع سنوات في منصبه، والذي استبدل تقريبا الحواجز الموجودة بالفعل على حساب دافع الضرائب الأميركي ومجموعة من المتبرعين من القطاع الخاص.

ولذلك علينا أن نفترض أن المرشح في ذلك اليوم الأول إما أخطأ في كتابة كلمة واحدة أو أخطأ في نطق كلمة واحدة في تلك العبارة التي أطلقها.

هناك حاجة لإيجاد “عالم” جديد يعبر عن طبيعة الولايات المتحدة في هذه اللحظة من التاريخ

وبالنظر إلى ما حدث لهذه الدولة منذ ذلك الحين، فإنه من الصعب ألا يتم تخيل أن ما كان يقصده لم يكن سورا عظيما، بل سقوطا عظيما، حيث خلال الجائحة المميتة التي مرت بها البلاد، واقتصادها الذي يمر بأزمة حادة، وقطاع الصحة المتدهور، احترقت أجزاء من هذا السور، وضربت العواصف الشديدة أجزاء أخرى منه.

وفي ضوء ما حصل فإنه إذا كان هذا ما قصد قوله، فإن قيادة دونالد ترامب للقوة العظمى الوحيدة في العالم على الرغم من صعود الصين قد حققت بالفعل نجاحا كبيرا.

وعندما كنت أصغر سنا، تحدثت عن وجود ثلاثة عوالم على كوكب الأرض. العالم الأول المعروف أيضا باسم بـ”العالم الحر”، والذي شمل الدول المتقدمة في أميركا الشمالية وأوروبا واليابان، وأيضا كوريا الجنوبية وأستراليا، بينما كان العالم الثاني، المعروف أيضا باسم “الكتلة الشيوعية”، المتمثل في الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية.

وبالطبع، كان هناك العالم الثالث، والذي شمل جميع الدول الفقيرة والمتخلفة، والعديد من المستعمرات الأوروبية السابقة، المنتشرة في جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية، والتي تمر بأحوال سيئة على جميع المستويات سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا واجتماعيا.

ولكن بعد سنوات عديدة، وفي ظل وجود الملياردير الأول في المكتب البيضاوي، الذي يترأس حقبة من المذابح الأميركية في الداخل بدلا من الأراضي البعيدة مثل فيتنام، أظن أننا بحاجة إلى إيجاد “عالم” جديد يعبر عن حال وطبيعة هذه الدولة في هذه اللحظة من التاريخ.

فما رأيكم إذن في “العالم الرابع”؟ لاسيما وأن الولايات المتحدة لا تزال أغنى وأقوى دولة على هذا الكوكب (العالم الأول!)، ولكنها أيضا تطفو في بحر من المذابح الاستبدادية والمتقلبة والاقتصادية والعسكرية والشرطية التي يجب أن تؤهلها كدولة عالمية ثالثة.

وفي حال تم التأكد من أن العالم موجود حقا فهذا يجعل الولايات المتحدة أول دولة رسمية من العالم الرابع في التاريخ أو يمكن القول ببساطة إنها أقوى دولة فاشلة وأكثرها ثراء على هذا الكوكب.

سيد الدمار

تمكنت الإنسانية حتى الآن من خلق طريقتين فقط لتدمير حياة الإنسان على هذا الكوكب، وبذلك، فقد تولى البشر مهمة كانت في أيدي الآلهة فقط. ولكن في الحالتين، يثبت دونالد ترامب أنه سيد الدمار بلا منازع.

وبالطبع، الطريقة الأولى للتدمير ستكون بالأسلحة النووية، وحتى الآن، وعلى الرغم من الدعوات الشديدة، لم تستخدم إلا مرتين، قبل 75 عاما خلال الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في اليابان حيث تم إسقاط قنبلتين نوويتين على هيروشيما في الثالث من شهر أغسطس عام 1945 وبعد ذلك بثلاثة أيام في ناغازاكي.

ومع ذلك، فقد ركز الرئيس وطاقمه بكثافة لافتة على تمزيق اتفاقيات الأسلحة النووية الموقعة مع الاتحاد السوفيتي في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، وتراجع عن الاتفاق النووي الإيراني، مما أدى إلى زيادة “تحديث” الترسانة النووية الأميركية، وتهديد الدول الأخرى بالاستخدام الفعلي لمثل هذه الأسلحة، مثال على ذلك تهديد ترامب بإطلاق الأسلحة النووية لمهاجمة كوريا الشمالية.

وفي هذا السياق، أطلقت إدارة ترامب عما يبدو سباق تسلح نووي عالمي جديد، حتى مع تصاعد التوترات، خاصة بين الصين والولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، بينما يعد بإنهاء “حروب أميركا إلى الأبد”، قام ترامب في الواقع بضخ الاحتمالية القاسية منذ انتهاء الحرب الباردة لاستخدام الأسلحة النووية، والتي من الواضح أنها تهدد بنهاية مفاجئة للحياة البشرية.

وعندما يتعلق الأمر بإمكانيات إنهاء العالم، فإن هذه الخطوة هي من أقل جهوده في إنهاء العالم في هذه السنوات. وبينما لا يزال الجميع يتحدث عن أولى تلك الطرق لتدمير هذا الكوكب، يجب ألا يتم التغاضي عن ذكر ليس فقط التمويل المتزايد المخصص لـ”تحديث” تلك الأسلحة النووية، ولكن بشكل عام التمويل الأكبر للبنتاغون وما يسمى بـ”دولة الأمن القومي”.

ولا أحد يعلم كم من هذه الأموال يتم تخصيصها لقضايا الأمن القومي الحقيقية في القرن الحادي والعشرين عندما ظهر الوباء، الذي قد يكون مجرد بداية حقبة طاعونية جديدة، وزيادة درجة حرارة الجو، والمحيطات والبحار بطرق تجعل الحياة بالفعل لا تطاق، والعواصف الشرسة، وحرائق الغابات المتزايدة باستمرار، وذوبان الصفائح الجليدية المتزايد، والفيضانات الأكثر عنفا، والجفاف المتزايد، ولكن لا يمكننا إلا أن نقول إن الأمر يزداد سوءا في عهد ترامب.

أما الطريقة الثانية لتدمير الحياة البشرية فهي من خلال إطلاق غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والتي أثبت الرئيس دونالد ترامب ورجاله في تعاملهم معها منتهى البراعة، بما أنهم مهووسون بالحرائق، لأن إنكارهم البسيط لواقع الاحتباس الحراري هو أقل ما في الأمر.

وبعد أن حضر ترامب تجمعا انتخابيا دون ارتداء قناع وجه في تولسا بولاية أوكلاهوما، والذي نشر فايروس كورونا، وربما قتل أحد مؤيدي الرئيس المعروفين، إلا أنه ألقى أيضا خطاب قبوله للترشح الرئاسي أمام البيت الأبيض وأمام حشد كبير من 1500 متابع متحمس، تقريبا لا يرتدون أقنعة للوجه، ولم يتم إخضاعهم لاختبار كورونا، وتجمعوا معا يهتفون له لمدة ساعة.

كل هذا يخبرك ما تحتاج لمعرفته حول قلقه على حياة الآخرين وحتى أولئك الذين يؤيدونه أو مستقبل أي شخص آخر غير مستقبله. وربما نحتاج إلى تأليف ترنيمة جديدة لموسم الانتخابات هذا مثل “أربع سنوات أخرى وسيكون هذا الكوكب جحيما على الأرض!”.

العرب