خلال العام الجاري الذي شهدت فيه الولايات المتحدة محاكمة الرئيس دونالد ترامب بهدف عزله، وتفشي وباء كورونا، وحرائق أتت على الأخضر واليابس، وهي على موعد مع انتخابات رئاسية تداعياتها غير معروفة، من السهل الشعور كما لو أن الديمقراطية الأميركية تنهار أمام أعيننا.
بهذه المقدمة استهل الكاتب الأميركي لي دروتمان مقالا مطولا بصحيفة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) عن مستقبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتداعيات الأزمات التي تعيشها أميركا خلال العام الجاري على مستقبل الحزبين، ومسار الديمقراطية في أكبر قوة في العالم.
وتوقع المقال أن يشهد العقد الأول من القرن 21 تطورا سياسيا كبيرا في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن أميركا مرت بأزمات سياسية واقتصادية عبر تاريخها، وخرجت من كل أزمة بتحول كانت الحاجة إليه ماسة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
التاريخ يقول ذلك
ووفقا للكاتب فإن المتمعن في تاريخ أميركا على مر العصور يجد أنها تشهد تحولا سياسيا كل 60 عاما أو نحو ذلك، و قد حان وقته الآن، ومن المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة موجة تحول ديمقراطي من القاعدة إلى القمة.
وقال إن أميركا شهدت عبر تاريخها 6 أنظمة حزبية، وإن التنافس الحزبي خلال تلك الحقب كان مستقرا إلى حد ما، سواء في توازن القوى النسبي بين الأحزاب أو في نوع القضايا التي تصارعت الأحزاب من أجلها، كدور الحكومة في الاقتصاد على سبيل المثال لا الحصر، وكان آخر تلك الأنظمة الحزبية نظام الحزبين الحالي الذي بدأ عام 1980.
وغالبا ما كانت الانقسامات وإعادة الاصطفاف في تحالفات النخبة والأيديولوجيات المختلفة، التي عادة ما تحفزها الأزمات التي يمر بها المجتمع، هي وقود ذلك التحول في النظام الحزبي.
وأشار الكاتب إلى أن الأنظمة الحزبية الـ5 الأولى التي شهدتها أميركا؛ استمرت الـ3 الأولى منها لمدة 24 عاما لكل منها، أما الرابعة فاستمرت 32 عاما والخامسة 36 عاما، لافتا إلى أنه انطلاقا من هذه المعطيات، فإن توقيت انهيار النظام الحزبي الحالي من المفترض أن يكون قد حان الآن.
حتمية التغيير
ووفقا للمقال فإن تفكك أي نظام حزبي أو تحالف سياسي يتطلب عادة حدثا كبيرا، كأن يشهد البلد كسادا اقتصاديا أو صراعا عرقيا على نطاق واسع، وهو ما تعيشه الولايات المتحدة حاليا في أزماتها المتلاحقة بدءا بتفشي فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة، التي أسفرت عنه، والاحتجاجات المطالبة باحترام حقوق الأميركيين من أصل أفريقي، مشيرا إلى أن النظام الحزبي الراهن بدأ يتداعى منذ 4 سنوات عند انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
وتطرق الكاتب للانقسام الداخلي الذي يشهده الحزبان الديمقراطي والجمهوري، لافتا إلى أنه قد لا يشير بالضرورة إلى تغيير كبير في النظام الحزبي، بيد أن ما يشير إلى تغيير محتمل في ذلك النظام هو عدم وجود أي نقاش موضوعي حول الأسئلة الكبرى، التي حددت الصراع الحزبي عبر تاريخ الولايات المتحدة؛ ومنها الدور المنوط بالحكومة، وتنظيم الاقتصاد، ودور الولايات المتحدة في العالم، والتي يدور النقاش بدلا منها في الحملة الانتخابية الراهنة حول أسباب كون الحزب المنافس مُقدما على تدمير الديمقراطية والبلد، في خطاب مفعم بالعنصرية.
وخلص الكاتب إلى أن اللحظة السياسية الراهنة التي تعيشها الولايات المتحدة، بما فيها من استياء ومظالم وانزعاج واسع النطاق، تحمل العديد من السمات، التي طبعت الحقب السابقة، والتي أسفرت عن إصلاح ديمقراطي في أميركا.
المصدر : فورين بوليسي