لردع تركيا أولا.. تحويل منتدى غاز المتوسط إلى منظمة دولية

لردع تركيا أولا.. تحويل منتدى غاز المتوسط إلى منظمة دولية

يرجح مراقبون سياسيون أن تتجاوز المنظمة الإقليمية، التي تم إطلاقها كامتداد لمنتدى غاز شرق المتوسط، الصلاحيات التقليدية المعمول بها عند حصول استفزازات قد تهدد مصالح أحد أعضائها من خلال اتباع استراتيجية جماعية لمواجهة المخاطر المحتملة، في الوقت الذي يرى فيه صناع القرار في الدول التي تشكل الكيان الجديد أنها ستعمل على التصدي لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بينما تواصل بلاده تجاوزاتها وانتهاكاتها للقوانين الدولية في المنطقة.

القاهرة – انتقلت الدول المتحالفة تحت غطاء منتدى غاز شرق المتوسط إلى مرحلة أكثر واقعية بعد الإعلان عن تحويل هذا المشروع إلى منظمة إقليمية يفترض أن تواجه التحرشات التركية وستحول مصر رسميا إلى عاصمة للغاز الطبيعي في المنطقة.

وأبرم ممثلو دول كل من مصر واليونان وإيطاليا وقبرص والأردن وإسرائيل، في القاهرة الثلاثاء، اتفاقية تحويل منتدى غاز شرق المتوسط رسميا إلى منظمة إقليمية، وغاب ممثل فلسطين عن اجتماع جرى عقده عبر تقنية الفيديو كونفيرنس.

وتعد هذه الخطوة تطورا مهما للقاهرة في خلافها متعدد الوجوه مع أنقرة، حيث حققت الأولى هدفا استراتيجيا يمكنها من أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، وعاصمة رئيسية للغاز في منطقة شرق المتوسط، ويمنحها مزايا تفضيلية لما تملكه من بنية تحتية جيدة في هذا المجال.

ويقول مراقبون إن أعضاء المنظمة الوليدة سوف يعززون تعاونهم بالاتجاه نحو الاهتمام بمشروعات الربط الكهربائي عبر مد كابلات من مصر أسفل مياه المتوسط للتوجه إلى بعض الدول الأوروبية، ما يعزز فكرة التعاون في كل أشكال الطاقة المتاحة، والاستفادة من الوفرة التي تملكها دول في تغذية الفقر في دول أخرى.

ولكن هذا التحرك يشكل أيضا ضربة لمطامع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي حاول تعطيل هذا التعاون بكافة الوسائل والطرق، على غرار توقيع بلاده مذكرتي تفاهم بحري وأمني مع حكومة الوفاق الليبية قبل أشهر ليتخذهما ذريعة من أجل عمليات التنقيب هناك.

كيان جديد
أصبح منتدى غاز شرق المتوسط، الذي تأسس في يناير العام الماضي، أول منظمة دولية تجمع بين منتجي الغاز والمستهلكين ودول المرور في العالم في كيان واحد على خلاف الكثير من المنظمات الدولية المشابهة التي تقتصر عضويتها على الدول المصدرة أو المستوردة.

وتمنح هذه الرؤية المشتركة تأثيرا لكافة الفاعلين وذوي العلاقة بإنتاج وتجارة الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، من أجل تنسيق السياسات الرامية إلى تطوير سوق إقليمية مستدامة للغاز والتصدي لأطماع بعض الدول التي ترى أن من حقها الحصول على ثروات المتوسط دون أن تخضع لنواميس القانون الدولي والاتفاقيات الإقليمية.

ويرى خبراء سياسيون ودوائر صنع القرار أن المنظمة الوليدة سوف تسهم في دعم وتمويل البنية التحتية القائمة والجديدة للغاز، كخطوط الأنابيب وتسهيلات التصدير لدى الدول الأعضاء، وتقليل تكلفة الإنتاج والنقل، وضمان التوريد إلى الأسواق بأسعار تنافسية لصادرات الغاز من شرق المتوسط إلى قلب أوروبا وأسواق أخرى.

الخطوة تطور مهم للقاهرة في خلافها متعدد الوجوه مع أنقرة باعتبارها هدفا استراتيجيا لها في تجارة الغاز

ويحسب للمنتدى أنه أنشأ لجنة استشارية لصناعة الغاز في نوفمبر الماضي كمنصة حوار دائمة بين الحكومات وأصحاب المصلحة، بما في ذلك المستثمرون وأطراف تجارة وتداول الغاز ومؤسسات التمويل.

وتضع الخطوة دعائم مهمة للسلام والاستقرار في منطقة شرق المتوسط، وتصد انتهاكات تركيا بصورة جماعية، حال قيامها بانتهاك حقوق أي من الدول الأعضاء، حيث درجت على ممارسة استفزازات مع كل من اليونان وقبرص، فضلا عن مناوشات كثيرة مع فرنسا.

ويعتبر مناصرون أن المنظمة تعد تطورا تاريخيا فارقا من شأنه ترسيخ قيم السلام والتعاون في منطقة متوترة، من خلال مساعي المنتدى إلى أن يجعل من ثروات الطاقة دافعا لإنهاء النزاعات في المنطقة، وعلى رأسها النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، والنزاع التركي – اليوناني.

ويفتح المنتدى آفاقا واعدة للدول الراغبة في التعامل مع معطياته بصورة مرنة، دون التعدي على حقوق الآخرين، أو الاستحواذ على ثرواتهم.

ويؤكد المؤيدون أن أهم ما يميز منتدى غاز شرق المتوسط ، مقارنة بالكثير من المنظمات المماثلة، أنه مفتوح العضوية أمام أي دولة أو منظمة إقليمية أو دولية، طالما تبنت قيم وأهداف المنتدى، وتريد المشاركة في التعاون من أجل رفاهية المنطقة بأسرها، ودون اللجوء إلى القوة.

جبهة ضد تركيا
من المتوقع أن يحظى المنتدى باهتمام كبير في المدى المنظور، خاصة من دول البحر المتوسط التي لم تنضم إليه بعد، مثل لبنان وسوريا وليبيا، وربما إسبانيا والبرتغال والجزائر، والدول المستوردة للغاز في العالم، مثل الهند والصين واليابان، وربما تجد تركيا نفسها مضطرة إلى الانخراط فيه لاحقا، وترضخ لشروطه.

وقد طلبت فرنسا الانضمام كعضو في المنتدى في وقت سابق من العام الجاري، كما أصبحت الولايات المتحدة مراقبا دائما، وهو ما يعطي للمنتدى وزنا دوليا مهما.

وتمتلك باريس وواشنطن شركات طاقة حصلت على تراخيص لاستخراج الغاز في دول المنطقة، مثل شركة توتال الفرنسية، وشركتي نوبل إنرجي وإكسون موبيل الأميركيتين، الأمر الذي قد يدفع الدولتين مستقبلا باتجاه توظيف قدراتهما العسكرية في البحر المتوسط للدفاع عن مصالح هذه الشركات.

المنتدى بات أول منظمة دولية تجمع بين منتجي الغاز والمستهلكين ودول العبور في العالم في كيان واحد

ويشير البعض من المراقبين إلى أن تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة يمثل ضربة قوية لأطماع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، في غاز شرق المتوسط، لأن هذا التطور يأتي بعد تلقي أنقرة ضربة قوية بسبب توقيع مصر في السادس من أغسطس الماضي اتفاقية لترسيم الحدود وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اليونان، وسبقته خطوة مماثلة بين إيطاليا واليونان.

ويضيف متابعون أن هناك تحولا ملموسا في الموقف الأميركي تجاه السياسة التركية في شرق المتوسط، يستند على استئناف صادرات السلاح إلى قبرص، وبوادر صفقة تتم بموجبها إعادة استئناف إنتاج وتصدير النفط في ليبيا، مقابل الضغط على تركيا في ليبيا.

ويحمي تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة حكومية، بشكل رسمي مصالح الدول الأعضاء فيه، ويسهم في السعي حثيثا نحو تحقيق التكامل الاقتصادي بينها، استنادا إلى مشروعات إنتاج وتجارة الغاز والكهرباء.

ويتوقف نجاح المنظمة الجديدة على تطور الأوضاع السياسية والجيوسياسية في شرق المتوسط، والتي تشهد درجة عالية من الضبابية وعدم الاستقرار، نتيجة الخلافات العميقة والصراعات المزمنة في المنطقة.

ويضع ذلك علامات استفهام كبرى حول فرص دول منتدى شرق المتوسط للاستفادة المثلى من الاكتشافات الواعدة، ويثير تساؤلات مهمة حول إمكانية أن تؤدي مأسسة المنتدى إلى تأجيج الخلافات مع تركيا.

وتمثل الظروف الحالية لسوق الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي وأسعار الغاز العالمية تحديا كبيرا أمام منظمة غاز شرق المتوسط، حيث انخفضت أسعار الغاز العالمية في الآونة الأخيرة، بسبب تباطؤ الطلب العالمي.

وحال العودة إلى الإنتاج بصورة طبيعية في الأسواق العالمية سوف تضطر دول المنتدى إلى الدخول في منافسة شديدة مع صادرات الغاز الروسية والأميركية والقطرية، وهو التحدي الكبير الثاني الذي يمثل محكا رئيسيا لمدى نجاعة المنتدى وقدرته على وضع رؤية خلاقة تمكنه من المنافسة.

العرب