مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تزداد حالة الترقب الإيرانية من النتائج التي ستسفر عنها، وتكاد الأوساط السياسية الإيرانية تنقسم بين متوقع بعودة الرئيس الحالي دونالد ترمب، وآخر يرغب ويميل إلى عودة الديمقراطيين وجو بايدن، وهي حالة لا تقتصر على المعسكرين الإصلاحي والمحافظ، بل تتوزع على جميع أطياف هذين المعسكرين، وتتعدد قراءات كل طيف لانعكاسات هذه النتائج والشخصية التي ستتولى مقاليد إدارة البيت الأبيض ومدى انعكاس السياسات التي سيعتمدها على الوضع الإيراني الداخلي والإقليمي.
وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى للنظام الإيراني قد دعا المسؤولين، خصوصاً السلطة التنفيذية برئاسة حسن روحاني قبل حوالى شهرين لعدم ربط العمل الداخلي ومواجهة الأزمات التي يعاني منها المجتمع الإيراني الاقتصادية والمعيشية بالانتخابات الأميركية، إلا أن أصواتاً داخلية من جهات مختلفة يغلب عليها الطابع الإصلاحي من دون استثناء بعض أطياف التيار المحافظ تعمل وتعتقد بأن العلاقة بين الوضع الداخلي الإيراني والانتخابات الأميركية باتت علاقة عضوية وتتأثر بشكل واضح بالشخصية التي تتولّى إدارة البيت الأبيض. وقد ذهبت هذه الأصوات إلى اعتبار المواقف التي صدرت عن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف حول الانتخابات الأميركية التي اعتبر فيها ألا فرق بين عودة ترمب ووصول المرشح بايدن وقال، “إعادة انتخاب ترمب رئيساً للجمهورية أو بايدن، لن تحدث فرقاً أو تغييراً في السياسة الأساسية التي تهدف إلى ضرب الأمة الإيرانية، لأن عداء أميركا متجذّر مع الأمة الإيرانية ويجب علينا رفع مستوى قوة الشعب”.
ولعل المأزق الذي قد يواجهه النظام الإيراني في إعادة انتخاب ترمب للرئاسة سيكون أكثر تعقيداً وإرباكاً للقيادة الإيرانية منه إذا ما انتُخب بايدن الديمقراطي، فالنظام الإيراني وقيادته وضعا سقوفاً عالية في التعامل مع ترمب وإدارته السياسية والأمنية والعسكرية، خصوصاً بعد عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني التي أعلن ترمب مسؤوليته المباشرة عن إصدار أمر بتنفيذ الاغتيال. فهذه القيادة دفعت الأمور إلى مستويات قد يكون من الصعب التراجع عنها عندما تقدمت بشكوى إلى محكمة لاهاي لملاحقة المسؤولين عن قتل سليماني بمن فيهم الرئيس الأميركي، ثم عاد وأكد هذا الموقف قبل أيام قائد حرس الثورة الجنرال حسين سلامي الذي قال إن إيران ستلاحق وتقتصّ من كل من شارك وأسهم في عملية الاغتيال هذه، وقد تولى حسين شريعتمداري المسؤول عن صحيفة “كيهان” الناطقة باسم النظام مهمة تفسير مواقف سلامي بالقول إن الاقتصاص الإيراني سيطال الرئيس ترمب سواء كان في السلطة أو خارجها.
هذه المعطيات والمواقف ربما تضع النظام أمام أسئلة مصيرية في حال ذهب إلى التنازل وقرر الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع ترمب إذا أعيد انتخابه، وقد يتحول أي تنازل في هذا السياق إلى مدخل لزعزعة استقرار النظام سياسياً وإقليمياً ودخوله في دائرة الرضوخ للشروط الأميركية من دون أن يكون قادراً على الادعاء بتحقيق إنجازات أجبرت هذه الإدارة على تقديم تنازلات، الأمر الذي قد يطيح بكل النقاط التي سجلتها طهران في الأشهر الماضية في مجلس الأمن بالتعاون مع الترويكا الأوروبية وحليفيها الصين وروسيا في إفشال المساعي الأميركية لإصدار قرارات عن مجلس الأمن تمدد حظر الأسلحة وتفعّل آلية العودة التلقائية للعقوبات الدولية.
هذه التعقيدات قد تكون وراء الليونة التي يبديها النظام الإيراني في التعامل مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية مدعومة من الترويكا الأوروبية في ما يتعلق بتفتيش مواقع ومنشآت إيرانية يشتبه في أنها تستخدم لأنشطة نووية غير مصرّح عنها، كانت طهران ترفض دخول المفتشين إليها سابقاً. وهذه الليونة مع الأوروبي تحاول اللعب وتوظيف ما يبدو أنه تناقض بين هذه العواصم والإدارة الأميركية في التعامل مع الملفات الدولية والعلاقات الثنائية التي تشمل الكثير من المعاهدات التاريخية ومجالات التعاون التي كانت مستقرة في العقود الماضية، وقام ترمب بتخريبها أو الانسحاب منها أو فرض شروط قاسية على الشركاء الأوروبيين مقابل الاستمرار في التعاون والبقاء ضمن هذه الأطر والمعاهدات، أي أن طهران تحاول الاقتراب والتلاقي مع أوروبا في الحيّز الذي يشكل مساحة ضرر مشترك من إدارة واشنطن للكثير من الملفات، فضلاً عن تقديم مغريات اقتصادية كبيرة لهذه الدول تسمح لها أن تكون شريكاً أساسياً إلى جانب روسيا والصين في إعادة هيكلة وبناء الاقتصاد الإيراني الذي يقف على حافة الانهيار جراء التراكم السلبي لمعالجات وآثار العقوبات الأميركية.
من جهة أخرى، يرى بعض الأطياف السياسية من التيّارين أن وصول بايدن إلى الرئاسة قد يشكل فرصة لطهران للخروج من عنق الزجاجة التي وضعتها فيه إدارة ترمب والعقوبات، وأن التغيير في الإدارة الأميركية لصالح الديمقراطيين قد لا يعني عدم ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات وبحث كل المستجدات التي شهدتها الأزمة بين الطرفين والتطورات الحاصلة في أزمات الشرق الأوسط وملفاته، إلا أنه من الممكن أن يؤسس لأسلوب مختلف من التعامل الأميركي يجد أولى ترجماته في إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أشار بايدن والفريق الديمقراطي إلى اعتماد هذا الخيار، فضلاً عن إمكانية عودة إيران إلى تصدير نفطها من دون أية مخاوف أو محاذير، ما يسهم في تحريك الاقتصاد ووضعه على سكة النمو من جديد.
لا تخفي هذه الأوساط أو الأطياف أن تؤثر عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض في الوضع السياسي الداخلي الإيراني، وتتحدث عن وجود مخاوف وقلق لدى أوساط في السلطة أن تكون مجبرة على تخفيف قبضتها الممسكة بمفاصل الحكم وفتح المجال أمام مشاركة سياسية للأطراف المختلفة معها، وأن تجد هذه التغييرات مدخلاً لها في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في الـ 18 من شهر (يونيو) حزيران 2021، بحيث تهدد المساعي التي يبذلها النظام لاستعادة موقع رئاسة السلطة التنفيذية على طريق توحيد الرئاسات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) في قبضته وتحت سيطرته، ويسمح له ذلك في تقرير اتجاهات السياسات والمواقف الإيرانية في الداخل والخارج.
فهل سيبادر الرئيس الإيراني إلى توجيه رسالة تهنئة لنظيره الأميركي في حال فوز بايدن بالرئاسة ويفتح الطريق أمام عملية إحياء الاتفاق النووي، أم أن طهران ستذهب إلى مزيد من التشدد في حال عودة ترمب؟ أسئلة تبقى معلّقة بانتظار حسم التردد الذي تمر به العلاقة المتوترة بين الطرفين خلال الأشهر المتبقية من هذه السنة 2020.
حسن فحص
اندبندت عربي