على غرار باقي دول العالم، يعيش الاقتصاد المغربي ظرفية عصيبة نتيجة تأثير وباء كورونا، وقد أبانت عنها جميع تقارير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
وبسبب الحجر الصحي والإغلاق التام الذي استمر 3 أشهر، توقف جزء كبير من نشاط الاقتصاد المغربي وما زالت تداعيات ذلك سارية، وما زالت قطاعات حيوية غير قادرة على استعادة عافيتها بعد، وأخرى تعرف استئنافا بطيئا للنشاط.
وبإعطائها الأولوية لقطاعي الصحة والتعليم، والرهان على تعميم نظام التغطية الصحية، هل تنجح خطة الإصلاح التي تقترحها موازنة العام المقبل في تجاوز الوضع الاستثنائي وتحقيق الإقلاع الاقتصادي لما بعد الجائحة؟
أزمة استثنائية
قدّم وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المغربي محمد بن شعبون أرقاما وصفت بـ”القاتمة”، في عرض قدمه يوم الاثنين الماضي أمام البرلمان بشأن تنفيذ موازنة 2020 ومشروع موازنة 2021.
وتأثرت الموازنة بتراجع مداخيل الضرائب في نهاية أغسطس/آب إلى ناقص 11.5 مليار درهم (1.25 مليار دولار) نتيجة الوباء وتعاقب سنتين من الجفاف وخسائر في قطاعات حيوية وإستراتيجية مثل السياحة والنقل، في مقابل ارتفاع مستوى النفقات لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، حيث زادت النفقات الجارية 8.7 مليارات درهم.
وقال وزير الاقتصاد المغربي إن الأرقام المعلنة حتى الآن تشير إلى أن الإطار الماكرو اقتصادي سيشهد تدهورا، مقارنة مع التوقعات الأولية أو حتى مع سنة 2019، بسبب تأثير جائحة كوفيد-19.
وأفاد المسؤول الحكومي بأن “كل يوم من الحجر الشامل يهدد بفقدان 10 آلاف منصب شغل”، وتوقع أن تبلغ معدلات البطالة مع نهاية العام مستويات قياسية تناهز 13%، مقارنة بـ9.2% مسجلة السنة الماضية.
وتجاوز عجز الموازنة 55.5 مليار درهم (حوالي 6 مليارات دولار)، بارتفاع بلغ 25% مقارنة مع السنة الماضية. فيما يتوقع أن ينخفض الناتج الداخلي بنسبة 5%.
وبلغ عجز الحساب الجاري ناقص 8.6%، نسبة إلى الناتج الداخلي الخام، بينما سجل دين الخزينة 76.1% من الناتج الداخلي الخام.
الأولوية للصحة والتعليم
يتجه المغرب إلى زيادة النفقات المتعلقة بالتعليم والصحة في العام المقبل، مع تقليص نفقات أخرى في ظل توقع انخفاض الإيرادات الضريبية بحوالي ملياري دولار (ما بين 20 و25 مليار درهم).
وأوضح بنشعبون أن إعداد مشروع الموازنة لسنة 2021 يتضمن عددا من الرهانات، منها إعطاء الأولوية لقطاعي الصحة والتعليم، حيث يعد مشروع الموازنة بتخصيص 5500 منصب مالي في قطاع الصحة (بزيادة 1500 منصب مقارنة مع سنة 2020)، و17 ألف منصب في قطاع التعليم (بزيادة ألفي منصب مقارنة مع نفس السنة)، وبارتفاع في نفقات المعدات ونفقات الاستثمار في القطاعين، وهو ما يعادل زيادة 5 مليارات درهم إضافية لقطاعي التعليم والصحة.
التغطية الشاملة
وتعمل الحكومة على إطلاق المرحلة الأولى من تعميم التغطية الاجتماعية وإصلاح القطاع العام، وفقا للتعليمات الملكية.
ومن الرهانات الأساسية لمشروع موازنة 2021، تعد الحكومة بالعمل على تعميم التأمين الإجباري على المرض، وإقرار التعويضات العائلية لكل الأسر، ومراجعة الإطار القانوني بما يضمن إنشاء تأمين إجباري جديد من المرض لفائدة الفئات الأكثر احتياجا والمستفيدة حاليا من نظام “الراميد”، وتسريع التغطية الصحية للعمال المستقلين والمزاولين للأنشطة الخاصة وغير الأجراء.
ويقدر مشروع موازنة 2021 التكلفة الإجمالية لتفعيل تعميم نظام التغطية الصحية الإجبارية ابتداء من العام المقبل وعلى مدى سنتين بـ13.8 مليار درهم (1.5 مليار دولار).
موازنة بنفَس الإصلاح
وتعليقا على العرض الذي قدمته الحكومة بخصوص الظرفية الحالية وموازنة 2021، يقول الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب إن الموازنة جاءت بنفَس إصلاحي طَموح.
ويضيف أبو العرب -في تصريح للجزيرة نت- أن الموازنة الحالية موازنة تقشفية، الدولة فيها ملزمة ومضطرة لتحديد النفقات.
من جانبه، يعتبر المحلل الاقتصادي رشيد أوراز -في حديث مع الجزيرة نت- أن تنفيذ موازنة 2020 يظهر حجم تأثير الوباء على المؤشرات الماكرو اقتصادية، وعلى بنية القطاعات الأساسية.
ويضع أوراز الموازنة الجديدة ضمن سياسة التقشف وترشيد النفقات، خصوصا في وضعية أزمة يرجح استمرارها.
ويصف أبو العرب أيضا الإصلاحات المتبعة بالقاسية، ويعتبرها قطعا مع الرفاه المؤسسي الذي لا وقع له على المواطن، والعودة إلى النفعية عبر نفقات تساهم في تحقيق الأمن وتحمي من خطر الهشاشة المؤسسية.
ويرى أن إعطاء الأولوية للصحة والتعليم والتغطية الاجتماعية هو نوع من الوعي بضرورة تدبير النفقات وإعادة توجيهها، وقال “هذا هو الرهان، وهوما يمليه واجب اللحظة”.
في حين يعتقد رشيد أوراز أن اعتماد إصلاح يكرّس تغطية اجتماعية شاملة، يعد برنامجا طموحا، لكن الإمكانات المالية المتاحة تجعل تحقيقه فعليا أمرا صعبا، ويلزمه وقت وموارد إلى جانب الإرادة.
العرب