بدأ المتابعون للشأن الخليجي في تركيز أنظارهم على الكويت بعد أن بات الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الأمير السادس عشر للبلاد، في وقت يعيش فيه بلده أوقاتا عصيبة على عدة أصعدة فرضتها أزمة الوباء وانهيار أسعار النفط، ما جعل البعض يتساءل حول كيف ستوازن الكويت في ظل الأمير الجديد بين أزمتها الاقتصادية وما يحدث في محيطها الجيوسياسي المتوتر ولاسيما في ما يتعلق بالمحافظة على برنامج الدعم الخارجي وخاصة للدول العربية.
الكويت – بعد وقت قصير من إعلان وفاة الشيخ صباح الأحمد الصباح نادى مجلس الوزراء في الكويت، البلد العضو في منظمة أوبك وحليف الولايات المتحدة، بولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح أميرا جديدا للبلاد، ليجد نفسه أمام العديد من الملفات المستعجلة سواء داخليا أو خارجيا.
ودعا أمير الكويت الجديد، الذي يعتبر سياسيا متواضعا عمل بعيدا عن الأضواء لسنوات طويلة بعد أدائه اليمين الدستورية الأربعاء الماضي، إلى العمل على مواجهة التحديات بوحدة الصف، متعهدا بالحفاظ على أمن واستقرار بلاده، ولكن في الواقع سيتعرض الشيخ نواف إلى عدة تحديات أغلبها يتعلق بكفية إحلال التوزان بين ما هو سياسي واقتصادي.
ولعل أبرز تلك النقاط المهمة مسألة المساعدات الخارجية، التي تمنحها الكويت لدول العالم النامي، حيث يرى مراقبون أنها تواجه احتمالات تغييرات تفرضها تداعيات وباء كورونا، فبين خيارات الاستمرار أو الترشيد أو التراجع الاضطراري يتلخص مستقبل تدفق المساعدات والمنح والقروض الخارجية التي فاقت نحو 6.5 مليار دولار خلال العقد الماضي.
وفي مقابل إنفاق ضخم على المساعدات والقروض الخارجية نما بوتيرة سريعة خلال العقدين الماضيين، لم تحقق الكويت عوائد ترتقي لحجم الإنفاق وتعود بالنفع عليها، فقد تراجعت نسبة توسع الاستثمارات الخارجية في الدول النامية المستفيدة من المساعدات عكس ما حققه كبار المانحين مثل الولايات المتحدة والصين ودول أوروبية.
وفي حين ظلت الدولة الخليجية تنفق بسخاء على المساعدات الخارجية بفضل فوائضها المالية، فإن مرحلة التقشف المقبلة قد تُقيّد بند المنح والمساعدات أكثر بأولويات جديدة، وهنا يحاول كثيرون فهم كيف ستتم معالجة هذه المسألة دون المساس بالثوابت والتوازنات بين مشهد سياسي داخلي محتقن بسبب الفساد وبين الحفاظ على العلاقات مع الجيران قبل الحلفاء.
أنفقت الكويت مليارات الدولارات في المساعدات الخارجية لكسب تأييد دولي يدعم سياساتها الخارجية ويجنبها تهديدات خارجية، إلا أنها قد تقلص مثل هذه المساعدات مستقبلا تحت ضغط التقشف الحكومي، في ظل تقلص احتمالات المخاطر الخارجية التي تهدد البلد الخليجي والتي كانت في السابق أحد المبررات غير المعلنة لسخاء المساعدات الحكومية.
وبينما نجحت دول مانحة بفضل سياسة المساعدات والقروض الخارجية في زيادة تحقيق إيرادات إضافية نتيجة استقرار مصالحها التجارية في الدول المستفيدة من المساعدات، أضاعت الكويت فرصا مهدورة لتوسيع خارطة استثماراتها ورفع مستوى التبادل التجاري مع دول العالم النامي المستقرة.
ونجح بعض كبار مانحي المساعدات في العالم على غرار الولايات المتحدة والصين والنرويج وروسيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى في تحويل بند المساعدات الخارجية إلى استثمار مربح يسمح بتعزيز وتوسيع المصالح الاقتصادية المشتركة مع الدول المستفيدة من المنح، في المقابل لا تزال بعض دول الخليج، بينها الكويت، تربط المساعدات باعتبارات سياسية وتنموية أحادية الجانب عائداتها محدودة على التنمية الداخلية.
ولكن اليوم ومع مخططات تنويع الاقتصاد والتي صارت ضرورة في المرحلة المقبلة في ظل تراجع الإيرادات النفطية فإنه من غير المستبعد أن تصنف تداعيات وباء كورونا السلبية على إيرادات الدول المانحة للمساعدات بين الظروف التي يكون فيها المانحون مستعدين لتقليص المساعدات الخارجية أو تقييدها بالاعتبارات الجيواستراتيجية.
ويقول مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث في تقرير حديث بعنوان “تأثير تداعيات الوباء على نسق المساعدات الخليجية والكويتية تحديدا”، إن الكويت استطاعت تحقيق مصالح محدودة من سياسات المنح والمساعدات، كما أنها لم تسهم في زيادة خلق فرص استثمارية وتجارية متبادلة تعزز من جهود تنويع الإيرادات التي تنمو بوتيرة متعثرة.
وأخفقت الكويت بذلك في استثمار سياسة المساعدات الخارجية من أجل توسيع مصالحها الاستثمارية والتجارية في العالم النامي، ففي حين بررت عوامل مختلفة نمو تدفق مساعدات الكويت الخارجية على امتداد العقود الماضية، فإن المراقبين رصدوا تراجع هذه المبررات.
وخلال العقد الماضي تراجعت بنسبة كبيرة من استفادة الكويت من منحها للمساعدات لمناطق ودول شهدت اضطرابات سياسية واجتماعية وأمنية، ولذلك من المرجح أن تشهد سياسة المساعدات الخارجية الكويتية إعادة مراجعة وتقييم خاصة في ظل تراجع الفوائض المالية الكويتية وأولوية تحقيق تنمية محلية ومصالح اقتصادية أكثر منها سياسية مع الدول المستفيدة.
وعلى عكس دول خليجية أخرى، مثل قطر، لم تسع الكويت خلال العقود الماضية ورغم الظروف والنزاعات ومعاصرتها للحرب العراقية الإيرانية، ثم قيام نظام الرئيس الراحل صدام حسين بغزو البلاد، لاستخدام سياسة المساعدات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستفيدة وحافظت على سياسة الاعتدال في سياستها الخارجية.
وربما هذا الوضع يحسب في كثير منه لسياسات أمراء البلاد السابقين، الذين حاولوا التوفيق بين علاقاتهم مع الدول العربية وبقية الدول وفق أجندة تحافظ بها الكويت على سمعتها وتجنب الدخول في محاور قد تتسبب لها في مشاكل، وهذا الأمر يبدو للبعض مفهوما، وهي سياسة لطالما كانت تعتمدها سلطنة عمان أيضا.
يفرض الواقع الجديد زيادة اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بأولويات تحقيق مصالح محلية اقتصادية أكثر منها إقليمية سياسية تمكن من تحقيق إيرادات جديدة بديلة عن النفط وتحافظ على ازدهار حياة أجيالها القادمة. ولن تخرج الكويت عن هذا السياق.
ويرى مراقبون أن هذه الخيارات المتوقعة تقتضي عاملين اثنين؛ أولهما الإبقاء على استمرار مستوى تدفق المساعدات الخارجية رغم تراجع الإيرادات النفطية ودون اعتبار لأولويات تحقيق مصالح الكويت وذلك من أجل تحقيق مصالح سياسية استراتيجية.
أما العامل الثاني، وهذا الأهم في هذا التوقيت، فيتعلق بالتفكير في تعديل منظومة منح المساعدات وفق التحولات الجديدة وأسوة بكبار المانحين وحتى دول في المنطقة مثل قطر وتركيا، حيث يستثمرون في المساعدات لأجل تحقيق أهداف ومصالح مشتركة مع دول العالم النامي والأكثر فقرا.
وثمة ترجيحات تصب في أن تضطر الكويت كإحدى دول مجلس التعاون الخليجي وبين الدول الأكثر سخاء في منح المساعدات الخارجية إلى خيارات مفتوحة أيضا تتأرجح بين المحافظة على منسوب المساعدات مهما كانت المتغيرات أو الاضطرار للترشيد البراغماتي وفق أولويات المصالح، فضلا عن فرضيات اعتماد نموذج جديد للمساعدات.
وإلى جانب ذلك قد يكون العائد محدودا على الاستثمارات أو المساعدات الكويتية الخارجية في البلدان غير المستقرة أو تلك المهددة بالصراعات خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبينت دراسة لمركز الخليج العربي للبحوث والدراسات زيادة انكشاف استثمارات الكويت أمام مخاطر اقتصادية وسياسية دولية وإقليمية أهمها تذبذب أسعار النفط وتقلص حركة الاستثمارات والتجارة وزيادة توقعات صراعات إقليمية ودولية متعددة الأقطاب على الهيمنة السياسية وبسط النفوذ فضلا عن تنافس محتدم على المصالح الاقتصادية وسياسات الحمائية التجارية.
وفي ظل الأزمات، التي قد تعصف بدول كثيرة، قد تعتمد استثمارات الكويت الخارجية أكثر على استراتيجية تحوّطية من مخاطر تداعيات وباء كورونا خاصة على مستوى الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وبالتالي فقد تصبح الكويت مدعوة إلى إعادة تقييم الأهداف المرجوة من مساعداتها الخارجية في ظل تحول سياستها المالية الداخلية التي باتت تعتمد على التقشف والترشيد وحسن إدارة المال العام وربط سياستها الخارجية بالمصالح الوطنية.
العرب