انقسام المحور الإيراني يهدد مستقبل حزب الله

انقسام المحور الإيراني يهدد مستقبل حزب الله

 11188188_635771793224413_2085428970275751638_n1-660x330

أن نفترض أنّ تنظيم أو كيان سياسي ما يمكن أن يمر بفترة من الاضطراب الشديد في بيئته دون أن يعاني من تداعيات داخلية هو أن نفترض أنّ هذا التنظيم أو الكيان مصنوع من المعدن وليس من أناس يعيشون في حياة حقيقية. وبالطبع، حزب الله ليس استثناء. ومع ذلك، ونظرًا لسرية هذه الجماعة، نادرًا ما توجد أدلة دامغة تدعم هذا الافتراض. لذلك؛ فالحاجة المُلحة إلى وجود فكرة عن مدى تأثير الاضطرابات المستمرة في سوريا والشرق الأوسط داخل حزب الله يجب أن تكون قائمة على معلومات وعمل تحليلي مكثف لربط النقاط ببعضها.

بطبيعة الحال، يمر حزب الله بفترة تحوّل، ويرجع حماس زعيمه حسن نصر الله في دعم بشار الأسد إلى حسابات استراتيجية معقدة. ولكن هذا الدعم جاء بتكلفة باهظة الثمن. من الناحية العسكرية، عانى حزب الله من ارتفاع عدد الضحايا في سوريا حتى الآن. ومن الناحية السياسية، من خلال المشاركة في الحرب الأهلية السورية، كان على الحزب ارتداء قناع سياسي غير طائفي في منطقة يجري تقسيمها بشكل متزايد على أسس طائفية.

ما يظهر في هذه البيئة الجديدة مع ديناميكياتها المختلفة تمامًا عن الوضع السابق، هو مجموعة من التحديات التي تواجه حزب الله.

التحدي الأول هو القدرة على الحفاظ على تعزيز القاعدة الشعبية للحزب، في حين تتلقى القرى الشيعية في جنوب لبنان صناديق تحتوي على جثث أبنائهم الذين يُقتلون في سوريا بشكل يومي.

والتحدي الثاني هو التحول السياسي في لحظات تناقض الأهداف بين رعاة الحزب الإقليميين، طهران ودمشق.

والتحدي الثالث هو خوض معركة قوية في أرض غير مألوفة مع عدم وجود علاقة مباشرة بسكّانها.

والتحدي الرابع هو بناء علاقات عملية خالية من الاحتكاك مع ضباط جيش الأسد والقادة في الميدان، في حين أن كل طرف لديه وجهة نظر وعلاقات مختلفة لبيئة العمليات.

والتحدي الخامس هو الحفاظ على جاهزية الحزب والانضباط التنظيمي الصارم، على الرغم من مشاركته في سوريا من أجل قدرته على الرد على أي هجوم إسرائيلي مفاجئ في حالة ما إذا قرر الجيش الإسرائيلي تسوية حساباته في جنوب لبنان.

والتحدي الأخير هو إيجاد الغطاء السياسي المناسب لتورطه في الحرب السرية، في حين أنّ الجميع يحاول الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الخط التقليدي للدعاية المعادية لإسرائيل والقومية والنهج غير الطائفي.

وكما هو متوقع، واجه حزب الله العديد من المشاكل في كل هذه الجبهات دون استثناء. كان التحدي الوحيد الذي قوبل بنجاح وبشكل كامل هو استبدال المعدات العسكرية المستخدمة في سوريا. تمّ حل هذه المشكلة من خلال الأسد وإيران وتوافر المعدات العسكرية في سوريا. كما تم مواجهة كافة التحديات الأخرى مع مزيج متفاوت من النجاح والفشل.

النقطة المركزية هنا هي الكشف عن الاتجاه السائد في عملية التحوّل التي تحدث في هذا التنظيم السياسي نتيجة التحول في مهمته الأساسية، ومبادئه الخاصة، وبيئته التي يعمل فيها، وموقفه الإقليمي.

تأسس حزب الله لخوض حرب عصابات في بيئته الطبيعية الخاصة بمساعدة خطاب إعلامي قوي معادٍ لإسرائيل. لا شيء من هذا يمكن العثور عليه في سوريا. ولا يمكن استخدام الخطابات المعادية لإسرائيل في حرب يقاتل فيها نظام عربي شعبه، إلى جانب جماعات انتحارية تساعدها دول عربية أخرى. إسرائيل ليست هناك لإعطاء الحزب الفرصة للحفاظ على هذه الخطابات الموحِدة.

تقارير الاستياء بين الشيعة في جنوب لبنان ليست جديدة؛ إذ تحدثت أمهات المقاتلين الذين قُتلوا في سوريا مع موجة من الانتقادات لزعيم حزب الله حسن نصر الله، إلى جانب التشكيك في حكمة التضحية بأرواح المقاتلين في حرب تندلع في منطقة شيعية بجنوب لبنان على النقيض من مبررات الحزب نفسه.

وفي حين تمكّن نصر الله وكبار مساعديه من احتواء هذه الانتقادات، لكنه أصبح من الصعب إسكاتها نظرًا لتزايد عدد الضحايا بين أعضاء الحزب. وعلاوة على ذلك، كان من الطبيعي أنّ ينعكس هذا السخط داخل الحزب في البيئة المستضيفة.

شاهدنا الخلافات الدامية القديمة تعود مرة أخرى، والشكوك حول مستقبل الحزب ظهرت من جديد، وسياسات نصر الله التي كانت تحظى باحترام كبير في السابق انحدرت إلى الأرض وباتت خاضعة للنقد. لقد شجّعت هذه البيئة العامة المنافسة القديمة على المناصب القيادية لتطفو على السطح مرة أخرى، وغذت الخلافات السابقة بين مختلف الفصائل داخل الحزب. وأسفرت النتائج المترتبة على هذه الدلالات الناشئة من التوتر الداخلي، بالإضافة إلى الأزمة الإقليمية التي تتحرك بسرعة كبيرة، وزيادة المطالب في ميادين القتال في سوريا والخوف من خصوم الحزب السياسيين في لبنان، إلى درجة من الفوضى في جهاز الأمن الداخلي للحزب، والذي يمثل عموده الفقري.

أظهر هذا الجهاز الأمني بوادر الطائفية لبعض الوقت. يمتلك جهاز مخابرات الأسد الكثير من النفوذ داخل الجهاز الأمني لحزب الله بينما يتبع باقي الأعضاء تعليمات الحرس الثوري الإيراني. لذلك؛ تمركز الذين عملوا مع دمشق في مركز القيادة الأمنية لحزب الله التي تقع في مدينة سفير، بينما تمحور الجناح الإيراني في حارة حريك. هذا تقسيم تقريبي وعام؛ حيث يوجد في كل مجموعة عددًا لا بأس به من المجموعة الأخرى. ولكن كل مركز أمني يمتلك نهجًا مميزًا ومختلفًا عن الآخر. وفي حين بدأت المنافسة من الاحتكاكات الشخصية بين الفصائل، كما هو الحال دائمًا، إلّا أنّها وصلت إلى مبررات سياسية ذاتية أكثر تماسكًا خاصة مع تصاعد الضغوط الخارجية باطراد.

يعمل الفصيلان معًا طالما أنّ أهداف الأسد وطهران متطابقة. كما تمّ تجاوز النزاعات والخلافات الشخصية في بداية الحرب الأهلية في سوريا. ولكنّ الآن، ومع ظهور بعض الاختلافات بين دمشق وطهران، وتحت مطرقة البيئة المتغيرة في سوريا، ظهر المزيد من الاحتكاك بين الفصيلين على أسس أكثر تواترًا من أي وقت مضى.

يشعر الحرس الثوري الإيراني بالقلق على نفوذه في منطقة الشرق الأوسط والاحتمالات المستقبلية للاختلاف بين أهدافه الخاصة وأهداف الأسد، ومن ثم أرسل مجموعة مكّونة من 200 منسق ومفتش لجنوب لبنان في شهر فبراير الماضي. وأجرى “التحقيقات” مع أتباعه في حارة حرك، وبعد فترة وجيزة، بدأ أنصار الأسد يشعرون بخطورة الموقف، وبدأت تقارير العديد من التحقيقات التي أجراها فريق الحرس الثوري تطفو على السطح.

كانت هناك “أدلة” عن سرقة الأموال، ومبيعات الأسلحة لتحقيق أرباح خاصة، وتأخير في دفع الرواتب والبدلات، والفشل في الحفاظ على أسرار الحزب داخل قنوات الاتصال المعتادة، والمحسوبية الشخصية. وبدأت هذه التسريبات في الانتشار.

لم يتم فهم سوء إدارة الأموال والتراخي في الأمن في سياق التحول المحيط بالحزب والتغيير العميق في مهمته. وكانت تستخدم هذه الأمور لتصفية الحسابات الشخصية والسياسية.

في المناقشات التي جرت مؤخرًا داخل الجهاز الأمني لحزب الله، أُلقي اللوم على رئيس الجهاز الأمن، وفيق صفا، لتهاونه في تطبيق البروتوكولات التنظيمية والفشل في الكشف عن التآكل التراكمي في الانضباط الداخلي. وجاءت هذه الانتقادات وسط موجة من اللوم الموجهة ضد سوء تعامل الأسد مع الأزمة في بلاده، وسوء إدارة قواته العسكرية، الأمر الذي كلّف حزب الله عددًا كبيرًا من الضحايا ووضع مستقبل الحزب في خطر شديد.

ردّت الفصائل الموالية للأسد من خلال إلقاء اللوم على طهران لاستفزاز الدول العربية لدرجة أنّ العرب باتوا عازمين الآن على قطع رأس الرئيس السوري، ليس بسببه، ولكن بسبب علاقاته مع إيران.

على الصعيد السياسي داخل حزب الله، هناك ما يقرب من ثلاثة فصائل: “الفصيل الإيراني”، و “الفصيل السوري” و “الفصيل المعتدل”. الفجوة بين الثلاثة فصائل آخذة في الاتساع مع الضغط المتزايد جرّاء تطورات الوضع في المنطقة. يعتقد الفصيل المعتدل أنّ الشيعة في لبنان كان يجب أن يحددوا دورهم الصارم في جنوب لبنان، وتجنب أي تورط في المعركة ضد أهل السُنة في سوريا؛ لأنّ هذا يهدد التعايش مع السُنة في لبنان، والتركيز فقط على حماية مناطقهم داخل البلاد.

هذا الرأي “المعتدل” يتصادم مع الحرس الثوري لأنه يعكس طريقة مختلفة للنظر في هدف حزب الله. في حين أن الشيعة من اللبنانيين يرون الحزب كدرع ضد كل من إسرائيل وأي ظلم طائفي، تنظر طهران إلى حزب الله باعتباره أداتها الاستراتيجية الخاصة في لعبة إقليمية كبيرة. هذا الاختلاف في النظر إلى حزب الله، كان ولا يزال قائمًا في جنوب لبنان. في الواقع، يمثل هذا الاختلاف تحديًا كبيرًا لــ حسن نصر الله في الوقت الحاضر.

ويحاول نصر الله تحقيق التوازن بين موقفه ويضع نفسه في مكان لا يسيء فيه لأي فصيل من الثلاثة فصائل داخل الحزب. ومع ذلك، ونظرًا لشدة الأزمة السورية ووتيرتها المتسارعة، وكذلك بسبب الخلافات الناشئة بين الأسد الضعيف وإيران المهيمنة، أصبح من الصعب على زعيم حزب الله الحفاظ على قبضته على الصراعات التي تختمر بين أعضاء الحزب أنفسهم وبين بيئتهم الاجتماعية.

في خطابه الأخير، على سبيل المثال، تجنب نصر الله تكراره المعتاد للدعم المطلق للأسد. ويرجع هذا التجنب الاستثنائي للعبارات المبتذلة والمتكررة إلى الطائفية الداخلية وتزايد الاحتكاك الداخلي. يرى الأسد أنّ طهران تركز فقط على الحفاظ على جزء من سوريا مقسّم كأولوية قصوى تخدم مصالحها. الحفاظ على النظام أو أمة غير موحدة لا يهم الحرس الثوري؛ لأنّ هذه الأهداف لا ترتبط مباشرة بالأجندة الاستراتيجية لإيران.

في ظل اندفاع طهران للحصول على ما يهم ضمن استراتيجيتها الإقليمية، يدعم نائب نصر الله، الشيخ نعيم قاسم، المنافس الرئيس له. “الخطيئة” الرئيسة التي ارتكبها نصر الله، كما يرى قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، هي أنه شكّك في صلاحية إجبار حزب الله على لعب دور طائفي أكثر وضوحًا.

وفي الآونة الأخيرة، دفع قاسم دعمه الذاتي إلى آفاق بعيدة عندما نشر الكتاب الذي وصف فيه الراحل آية الله الخميني باسم “القائد التاريخي الذي أنقذ الإسلام من الزوال”. كما أثنى الحرس الثوري الإيراني على هذا الكتاب. ومن ناحية أخرى، لا يشعر نصر الله بالراحة مع فكرة تشريح سوريا ويشكك في حسابات طهران التي ترى أنه من خلال تقسيم سوريا، يمكن خدمة خطط طهران الإقليمية. ويعتقد زعيم الحزب أنّ الهوية الطائفية المعلنة لحزب الله ستؤثر سلبًا على الحزب والمجتمع الشيعي في لبنان وتحد من دوره هناك.

ظهرت مشاكل إضافية بين نصر الله وقاسم حول قائمة التعيينات الداخلية للحزب. يسرب الإيرانيون أسماء يُزعم أنها شاركت في أعمال فساد من أجل التلاعب بمسار النقاش الداخلي، وتعيين رجالهم، وتمهيد الطريق لصعود قاسم.

في حين أنّ الطائفية ستعبر عن نفسها في نهاية المطاف في العديد من القصص الصغيرة والخلافات الشخصية، لكن ينبغي دائمًا النظر إلى جوهر المشكلة داخل حزب الله الآن في سياق سياسي سليم. بعد الاتفاق النووي الإيراني، شعر أنصار الحرس الثوري الإيراني الذين يعملون في الشرق الأوسط بالقلق من نجاح الولايات المتحدة في تشكيل سياسات طهران الإقليمية على حسابهم. ومن ناحية أخرى، شعر أتباع الأسد بالقلق من أن طهران ستقايض رئاسة الأسد مقابل قبضة أكثر حزمًا في جنوب لبنان والمناطق المجاورة لها في سوريا.

أوجه التشابه بين العراق وسوريا، من حيث دور الحرس الثوري الإيراني في البلدين، واضحة للغاية. الحرس الثوري الإيراني لديه أمر محدد في تورطه في الشرق الأوسط. هذا الأمر يأتي في المرتبة الثانية في أولويات وحسابات إيران المحلية، في حين أنّ الأولوية الأولى لطهران هي تحقيق الأهداف الاستراتيجية.

والحُجة التي يكثر استخدامها من قِبل عناصر الحرس الثوري الإيراني هي أنّ الثورة الإسلامية في إيران باتت معرضة للخطر، وتواجه تهديدًا وجوديًا من الأعداء في كل مكان. ونتيجة لذلك؛ ليس ثمة مجال للمعادلات السياسية الجيدة في مثل هذه المعركة الوجودية.

ينظر نصر الله إلى المسألة من زاوية متعلقة بمستقبل حزب الله على الساحة اللبنانية. ومن الواضح الآن، على سبيل المثال، أن الجماعات السياسية الشيعية الأخرى ظهرت مجددًا في لبنان، مثل حركة أمل، كجماعات “مصححة” لأخطاء حزب الله.

ومع ذلك، فإنّ زعيم حزب الله بدا عاجزًا عن الإمساك بزمام الأمور.

ميدل إيست بريفنج – التقرير