بنك التسويات: لا إمكانية لاختفاء النقود .. و«ليبرا» دقت جرس الإنذار لدى البنوك المركزية

بنك التسويات: لا إمكانية لاختفاء النقود .. و«ليبرا» دقت جرس الإنذار لدى البنوك المركزية

قال مسؤول في بنك التسويات الدولية، إن عملة فيسبوك المشفرة «ليبرا»، المؤجلة حاليا، كانت بمنزلة “ومضة” دقت جرس الإنذار لدى البنوك المركزية في العالم التي سارعت للبحث بجدية أكبر للدخول في عالم العملات الرقمية. لكن رغم ذلك، هو لا يؤمن باختفاء النقود السائلة.
وقال، بونوا كوريه، رئيس قسم الابتكار في بنك التسويات الدولية في بازل: لا إمكانية هناك لاختفاء النقود. يعود الأمر إلى الناس في اختيار وسائل الدفع التي يفضلونها. أعتقد أن العملة الخاصة والمال العام من ناحية والوسائل الرقمية والمادية من ناحية أخرى ستستمران في التعايش. خاصة في قضايا الشمول المالي.
وأضاف في ندوة اقتصادية في جنيف نظمها منتدى الـ100: دعونا نتخيل، على سبيل المثال، أن البنوك المركزية تصدر عملة رقمية يمكن استخدامها بالهاتف الذكي. لكن ليس كل الناس لديهم أجهزة تسمح بذلك وليس كلهم راغبين في استخدام العملات المشفرة. هنا ينبغي لهذه الشريحة أن يكونوا قادرين على الاستمرار في استخدام العملات المعدنية والأوراق النقدية. إضافة إلى ذلك، حتى لو تم استخدام العملات المعدنية والأوراق النقدية وسيلة للدفع بدرجة أقل، لكنها ستظل تـستخدم كاحتياطي للنظام النقدي.
واستبعد هذا الاقتصادي الفرنسي أن يكون لوباء كوفيد – 19 دور في الحد من استخدام النقد السائل ولا حتى كناقل للفيروس. قال لا يرتبط تسارع المدفوعات الرقمية ارتباطا مباشرا بالفيروس. أما أن تحمل الأوراق النقدية الفيروس، فقد أكد العلماء، أن احتمال انتقال العدوى عن طريق الأوراق النقدية منخفض جدا مقارنة بالأجسام الأخرى التي كثيرا ما يتم التعامل معها. لكن بشكل غير مباشر، يكون الوباء في حالة ضعف دون تلامس، لذلك، تضاعفت التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية.
وقال، كوريه، الذي عمل عضوا في اللجنة التنفيذية للمصرف المركزي الأوروبي، إن مشروع العملة المشفرة “ليبرا” الذي أطلقته “فيسبوك”، كان بمنزلة صدمة للبنوك المركزية في العالم ونوعا من التنبيه لمحافظي البنوك المركزية الذين كانوا ينظرون إلى ظاهرة العملات المشفرة من أعلى إلى أدنى.
وقال: لم يعد محافظو البنوك المركزية العملات المشفرة أنها عملات “حقيقية”، واعتقدوا أن استخدامها سيقتصر على أقلية، لذلك لم يروا في العملة الجديدة أنها مسألة تتعلق بصلب السياسة العامة لمصرفهم.
وأضاف: كان ذلك خطأ، لسببين: من ناحية، يكشف انجذاب الناس إلى العملات المشفرة عن عدم ثقة جزء من المجتمع تجاه النظام المالي التقليدي. ومن ناحية أخرى، فإن بعض الابتكارات الرقمية لديها مكامن القدرة على أن تصبح وسائل دفع أسرع وأقل تكلفة، أو حتى بديلا عن العملات العامة، شريطة أن تستقر قيمتها.
وقال إن اختراع “عملات ثابتة ومستقرة” – بمعنى عملات مشفرة مدعومة بعملة أو أكثر من العملات المأذون باستخدامها من الدولة كعملة رسمية – قد جعل مفهوم العملة المشفرة أقرب إلى مفهوم عملة البنك المركزي. وتساءل: إذا أصبحت العملة الرقمية للمصرف المركزي متاحة بسهولة لعامة الناس، هل يفضل المواطنون إيداع أموالهم في مصرفهم أو البنك المركزي؟
وقال: مع حلول الهاتف المحمول حتى وقت قريب، كان الابتكار في مجال المدفوعات يركز على التفاعل مع العميل، لكنه استولى الآن على قلب النظام المصرفي. على سبيل المثال، تقدم “ليبرا” نفسها على أنها نظام دفع بحلقة مغلقة، يمكنها ربط عدد كبير جدا من المستخدمين على منصة مستقلة مأمونة الجانب 100 في المائة. لهذا سارعت الحكومات إلى التدخل الآن.
ودافع رئيس قسم الابتكار في البنك المركزي للمصارف المركزية في العالم عن الابتكار قائلا: ينبغي عدم كبح الابتكار، لذلك نحن لا نتحدث عن حظر هذه المبادرات، لكن ينبغي أن ننظمها حتى تكون قوية في حالة حدوث أزمة مالية، وتحمي البيانات الشخصية، ولا تسمح بغسل الأموال. وأشار إلى أن العمل التنظيمي يجري في هذا الإطار حاليا. وشدد على أن بعض المهام الأساسية في أداء المؤسسات العامة والبنوك المركزية، ينبغي أن تستمر بيد البنوك المركزية.
ما يتعلق بالأفق الذي يمكن تخيله لرؤية “عملة رقمية يصدرها مصرف مركزي”، قال المسؤول السابق في وزارة الخزانة الفرنسية: إن الحاجة الملحة هي بناء إطار تنظيمي قوي للعملات المشفرة لتكون بمنزلة “عملات ثابتة ومستقرة”. هذه العملية مستمرة في عديد من البلدان دون أخرى، وفي هذا خلل بحد ذاته.
لكنه قال: إن إصدار عملة رقمية للمصرف المركزي أقل إلحاحا، لأن أنظمة الدفع التقليدية تعمل بشكل جيد. وهذا درس من الأزمات المالية الأخيرة في 2008 ومرة أخرى في ربيع 2020: فقد قاومت أنظمة الدفع الأزمتين بشكل جيد للغاية، بفضل الدعم الذي تقدمه البنوك المركزية.
وقال، وجود البنوك المركزية في قلب النظام المصرفي يضمن الثقة. مع ذلك، ومع انخفاض استخدام الأوراق النقدية والقطع النقدية وسيلة للدفع، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو جدوى العملة الرقمية التي سيصدرها البنك المركزي ويسهل على الأفراد الوصول إليها. هذا التفكير يتسارع بشدة، لكن لا تزال هناك مسائل مهمة معلقة.
وقال إن العمل التنظيمي يتعلق الآن بعنصرين متضادين: الخصوصية ومكافحة غسل الأموال، وهما أيضا أهداف مشروعة للمجتمع. لكن ليس من مسؤولية البنوك المركزية أن تقول أيهما أكثر أهمية. لذلك نحن بحاجة إلى مناقشة سياسية. مثال آخر على ما يجري البحث عنه: ما تأثير العملة المشفرة في الاستقرار المالي؟ إذا أصبحت العملة الرقمية للمصرف المركزي متاحة بسهولة لعامة الناس، هل يفضل المواطنون إيداع أموالهم في مصرفهم أو البنك المركزي؟ هذا من شأنه أن يضعف النظام المصرفي. هناك حلول، لكن عليك أن تأخذ الوقت للتفكير فيها.
وعن حكمه على تدخل البنوك المركزية منذ بداية أزمة كوفيد-19، قال: كانت ردة فعل البنوك المركزية، كما هو الحال دائما، أسرع من السلطات المالية، لضمان استقرار السوق والسيولة. الجديد هو أنه كان عليها أن تبتكر بقوة للتصدي لأزمة جديدة لم تر مثل طبيعتها وعنفها.
على سبيل المثال، تدخل المصرف الاحتياطي الاتحادي الأمريكي في أسواق السندات الخاصة بالشركات أو البلديات، وهو ما لم يفعله قط. وللمرة الأولى، أطلقت البنوك المركزية في البلدان الناشئة برامج لشراء الأصول. منذ ذلك الحين، كان لدى الحكومات الوقت لوضع تدابير الدعم المالي، وكان التكامل يعمل بشكل أفضل مما كان عليه خلال الأزمة المالية الكبرى.
وقال، كان تدخل البنوك المركزية مبررا بالنظر إلى الولاية التي منحها لها المجتمع – تبعا للبلد، واستقرار الأسعار، وأحيانا العمالة الكاملة – لكن الأزمة الصحية واسعة النطاق دفعت البنوك المركزية إلى استخدام أدوات أكثر تنوعا من أي وقت مضى وإلى زيادة حجم ميزانياتها زيادة كبيرة، وبالتالي الاحتفاظ بها في الاقتصاد.
واشار إلى أن هذا قد يؤدي، على المدى البعيد، إلى تشويش الخط الفاصل بين السياسة المالية والسياسة النقدية. هناك توتر بين توقعات البنوك المركزية من ناحية والخوف من أن تتعدى على المجالات السياسية، لأن أعمالها يمكن أن يكون لها آثار في إعادة توزيع الثروات في المجتمع. لا توجد مشكلة في ذلك إذا كانت الأزمة قصيرة والعمل مؤقتا، لكنها يمكن أن تؤدي إلى أزمة إذا استمرت التدابير المتعلقة بكوفيد – 19.
وتم إنشاء ذراع الابتكار في بنك التسويات الدولية في نهاية 2019، وهو يساعد البنوك المركزية على اختبار التقنيات لخدمة مهامها. هو لا يعمل فقط على العملات أو المدفوعات لكن أيضا على الخدمات المصرفية المفتوحة والتقنية للرقابة المصرفية. هناك الآن ثلاثة مراكز في جميع أنحاء العالم، وستفتتح قريبا أربعة مراكز، بالتعاون مع البنوك المركزية المحلية، للتركيز على الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وأمن الفضاء الإلكتروني، والتمويل المستدام.

ماجد الجميل

الاقتصادية