تونس أمام تحدي تجديد قوتها العسكرية

تونس أمام تحدي تجديد قوتها العسكرية

فتحت حادثة مصرع طيار تونسي إثر سقوط مقاتلته من نوع أف – 5 جدلا في تونس بشأن القوات الجوية العسكرية للبلاد عززه الرئيس قيس سعيد الذي طالب بتجديد عتادها، لكن هذه المطالبة تجد عقبات أمام طريق تنفيذها وأهمها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيش على وقعها البلاد.

تونس- وجّه الرئيس التونسي قيس سعيد، بضرورة تجديد أسطول الطائرات العسكرية في البلاد، على إثر سقوط طائرة عسكرية، كانت تقوم بمهمة عملياتية بالعمق الصحراوي جنوبي البلاد، في خطوة أثارت تساؤلات الخبراء والمتابعين عن مدى قدرة تونس على التزود بمعدات عسكرية جديدة ومتطورة في ظل تواضع الإمكانيات المالية والظروف الاقتصادية الصعبة.

وأشار سعيد إلى ”أهمية تجديد أسطول الطائرات والعمل على تحسين المعدات العسكرية” خلال لقاء مع وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي وذلك على خلفية تحطم طائرة عسكرية من نوع “إف-5” ومصرع قائدها في محافظة تطاوين (جنوب).

وأكد حرصه على “ضرورة توفير الاعتمادات اللازمة لذلك بما يستجيب لحاجيات المؤسسة العسكرية”. ووجّه بـ”ضرورة الإحاطة الكاملة بالقوات العسكرية المسلحة بما في ذلك الإحاطة الاجتماعية، وتوفير كل الشروط التي تمكنها من العمل في أحسن الظروف”.

ولا توجد إحصائيات رسمية معلنة عن تسليح الجيش التونسي، وعلى الرغم من إبرامها اتفاقات تعاون عسكري مع قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة، إلا أن الأسطول العسكري التونسي يشكو من تقادم أجهزته وضعف في التسليح في المجال الجوي مقارنة بالجارين المغربي والجزائري على سبيل المثال.

وفي ضوء الإمكانيات المالية المحدودة، يستبعد خبراء إمكانية التزود بمعدات عسكرية متطورة بسبب تكلفتها الباهظة. وبالنسبة لتونس فإن سلاح الجو الأكثر أهمية هي طائرات الهليكوبتر التي تستخدم في مطاردة الإرهابيين وهي الأكثر نجاعة والأقل كلفة.

واستبعد أحمد ونيس وزير الخارجية الأسبق في تصريح لـ”العرب” اقتناء معدات عسكرية جديدة.

وقال ونيس “حسب رأيي الآمر صعب إذا ما اعتمدت البلاد على قدراتها المالية البحتة خاصة وأن الطائرات الحديثة مكلفة”، مستدركا “لكن في حال الاستفادة من التسهيلات والدعم الدولي في هذا المجال، سيسهل بذلك التزود بالأسلحة والعتاد الحربي”. وأشار إلى وجود تسهيلات دولية هامة لاقتناء الأجهزة العسكرية الضرورية.

وتونس من بين الدول التي تحظى بدعم دولي لتطوير أجهزتها العسكرية.

وفي الآونة الأخيرة، وقّع وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في تونس، في أول زيارة له إلى أفريقيا منذ توليه منصبه، اتفاقاً للتعاون العسكري لمدة عشر سنوات، مؤكداً على أهمية التقارب مع تونس كشريك من أجل مواجهة تأزم الوضع في ليبيا.

وتطوّر دور الولايات المتحدة في دعم الجيش التونسي في السنوات الأخيرة خاصة من خلال التدريبات والعتاد لمكافحة الإرهاب وكذلك لحماية حدودها مع الجارة ليبيا الغارقة في فوضاها منذ سنوات.

وخصّص البنتاغون دعماً للجيش التونسي بحوالي مليار دولار منذ ثورة 2011، وفقا للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).

وأوضح البنتاغون في فبراير الماضي أن وزارة الخارجية الأميركية، وافقت على قرار بيع 4 طائرات هجومية خفيفة من نوع “ولفرين” AT-6C” لتونس في إطار مبيعاتها العسكرية للدول الأجنبية.

وتشمل الصفقة، إلى جانب الطائرات، أنظمة تحكم إلكترونية وصواريخ موجهة تستخدم مع الطائرة، بالإضافة إلى 3 آلاف و290 وحدة من “أنظمة أسلحة ضاربة موجهة متطورة”، ومحركات احتياطية للطائرات.

ويبقى تجديد الأسطول الجوي تحديا حقيقيا أمام الحكومة التونسية، وبالنسبة إلى الخبراء فإن العائق الحقيقي أمام ذلك يمثل التكلفة الباهظة حيث لا تباع الطائرات بسهولة وتتطلب قروضا وتدريبا للطيارين وصيانة مستمرة. وحسب هؤلاء ستكون تونس مجبرة على الاختيار بين السوق الفرنسية (رافال) والسوق الأميركية (أف-16) والسوق الروسية التي في العادة تزود كلا من ليبيا والجزائر.

ويلفت فيصل الشريف الخبير الأمني والعسكري إلى أن “تجديد الأسطول البحري والجوي مكلف جدا”.

ويُضيف في تصريح لـ”العرب” أن التجديد خطوة جيدة لكن “من الصعب الإقدام عليه في ظل محدودية الإمكانيات المالية والأزمة الاقتصادية على الأقل في المدى القصير”، متابعا “هذا التجديد يتطلب ميزانيات ضخمة بمليارات دولارات، وحتى لو وقع مضاعفة ميزانية الدفاع والداخلية من الصعب الوصول إلى ذلك”.

وبيّن شريف أن المخاطر الحدودية تفرض على البلد أيضا دعم جيش البر على حساب الأسطول البحري والجوي.

ويرتبط أيضا ضعف الاهتمام بالعتاد العسكري بعقيدة تونس التي تفضل الدبلوماسية في حل النزاعات الإقليمية بدل التركيز على بناء جيش قوي، حسب ما ذهب إليه شريف الذي يشدد على أن بلاده اختارت دائما الحسم الدبلوماسي والتفاوض تجنبا للصراعات المسلحة.

ويؤكد أن هناك أوليات في سلم الحكومة وهي اقتصادية بالأساس. ويتسق رأي فيصل شريف مع رأي مختار بن نصر الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب الذي يرى أن الظرف الاقتصادي لا يسمح بهذه الخطوة.

وقال بن نصر في تصريح لـ”العرب” “لا اعتقد أن الظرف مناسب لاقتناء طائرات متطورة خاصة أن هذه الخطوة تتطلب وقتا طويلا وبرنامجا تدريبيا وتخصيص ميزانيات مهمة”.

وبالنظر للظرف الاقتصادي الصعب، يشير بن نصر إلى ضرورة تحديد الأولويات وأن يتم اقتناء معدات جديدة في إطار التعاون الدولي، كما هو جاري الحال.

وأبدى تفهمه لدعوة الرئيس قيس سعيد لتجديد الأسطول العسكري. وبرأيه فإن المسألة تمثل خطوة طبيعة نظرا لتقادم الأسطول مشيرا إلى أنه “مع ذلك من الصعب تطبيقها”.

البنتاغون خصّص دعماً للجيش التونسي بحوالي مليار دولار منذ ثورة 2011، وفقا للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)

وفيما أقر بن نصر بتقادم الأسطول العسكري التونسي، لكن حسب تقديره فإنه بوسعه القيام بمهامه على أحسن وجه نظرا لما يتمتع به من صيانة مستمرة. معلقا على حادثة سقوط الطائرة بأن “الحادث فني وتقني ووارد حدوثه حتى مع الطائرات الحديثة والمتطورة”.

وعلى الرغم من الضائقة الاقتصادية، يرى الخبراء أنه من الضروري إيلاء أكثر أهمية للجانب العسكري في ظل المخاطر الأمنية خاصة على الحدود والأوضاع الإقليمية المتوترة بسبب تداعيات الصراع الليبي والتنافس المحموم بين القوى الإقليمية الكبرى على بسط نفوذها في أكثر الملفات سخونة.

ويشير وزير الخارجية السابق أحمد ونيس إلى ضرورة إعادة التقييم مسألة التجهيزات العسكرية في تونس. وبرأيه من المهم جدا أن تكون تونس في حالة دفاعية وجاهزة لجميع الاحتمالات. وخلص بالقول “لا نتحمل نقصا في الجهاز العسكري الجوي ومن الضروري اقتناء طائرة جديدة في الظرف الحالي”.

العرب