اتفاق أربيل وبغداد لإدارة مشتركة لسنجار: مفاجأة مقلقة للأهالي

اتفاق أربيل وبغداد لإدارة مشتركة لسنجار: مفاجأة مقلقة للأهالي

في وقت لا يزال فيه قضاء سنجار غرب محافظة نينوى شمالي البلاد، يعاني من دمار كبير، يصل إلى نحو 80 في المائة منه، اتجهت الحكومة العراقية للاتفاق مع إقليم كردستان على عودة الإدارة المشتركة للمنطقة، فيما لا تبدو الحلول التي تعمل حكومة مصطفى الكاظمي لتحقيقها مريحة بالنسبة للأهالي هناك. ويتزامن ذلك مع اتهام مسؤولين وناشطين من المنطقة حزب “العمال الكردستاني” وفصائل مسلحة أخرى بالهيمنة على شؤون المدينة، وإعاقة عملية تطوير الدوائر الخدمية وإعمار البنى التحتية وخطط بغداد لإعادة الاستقرار فيها.
وأعلن المتحدث باسم رئيس الحكومة العراقية أحمد ملا طلال، عبر “تويتر”، أمس الأول الجمعة، أن “رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وقّع اتفاقاً تاريخياً يعزز سلطة الحكومة الاتحادية في سنجار وفق الدستور، على المستويين الإداري والأمني”، مشيراً إلى أن “الاتفاق سينهي سطوة الجماعات الدخيلة، ويمهد لإعادة إعمار المدينة وعودة أهاليها المنكوبين بالكامل، وبالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان”.

الاتفاق بين حكومتي الإقليم والمركز جاء مفاجئاً لغالبية القوى السياسية في البلاد

وأوضح بيان لمكتب الكاظمي، في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة، أن “نص الاتفاق أكد على إعادة الاستقرار في القضاء، وأن يتم الاتفاق بشأن الجانب الإداري مع حكومة إقليم كردستان ومحافظة نينوى، مع الأخذ بنظر الاعتبار مطالب أهالي سنجار… وأن الجانب الخدمي يكون من مسؤولية لجنة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ومحافظة نينوى”.
وقال مسؤول عراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن “الاتفاق بين حكومتي الإقليم والمركز جاء مفاجئاً لغالبية القوى السياسية في البلاد، ولا سيما الشيعية، التي لديها فصائل مسلحة ضمن الحشد الشعبي تنتشر في سنجار”. وبين أن “غالبيتها أبدت امتعاضها، خصوصاً أن فصائل الحشد تُسيطر على المدينة بطريقة شبه كاملة، عن طريق الألوية الإيزيدية التي تعمل لصالح طرفين في المدينة، وهما هيئة الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني”. وأضاف “بالتالي فإن الاتفاق يمثل مفاجأة مزعجة بالنسبة للحشد، لكنه في الوقت ذاته يمثل انحناءً لإقليم كردستان، ولا سيما أن سنجار تابعة للحكومة الاتحادية، ومن غير القانوني أن تشترك الحكومة الكردستانية بإدارتها”.

ويسيطر الحشد الشعبي “الإيزيدي” على مفاصل مهمة من إدارة قضاء سنجار، فيما يدخل على خط المتاجرة بالأسلحة والزراعة غير المشروعة، إضافة إلى فرض الإتاوات بحسب مسؤولين. ويدعم مسلحو حزب “العمال الكردستاني” التواجد الفصائلي لـ”الحشد”، كما أنه يشرف على تدريب بعض قوات الحشد الشعبي الإيزيدي، وفقاً لمصادر “العربي الجديد”. وكان حزب “العمال” قد أعلن، في أغسطس/آب 2019، أنه قرر سحب جميع مقاتليه من أطراف مدينة سنجار بعد إنهاء مهامهم هناك، وأن عناصره سينسحبون بشكل كامل، بعد استتباب الأمن هناك، إلا أن الحزب عاد إلى سنجار على خلفية قيام سلطات إقليم كردستان بإغلاق كل مقارّه في الإقليم.

من جهته، أكد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني أنه يتطلع بإيجابية وتفاؤل لاتفاق تطبيع أوضاع سنجار بين الحكومة الاتحادية والإقليم، مبيناً أن “هذه الاتفاقية خطوة وطنية صحيحة تصب في مصلحة كل البلاد، وستكون سبباً لإعادة بناء الثقة وتعزيزها بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان. ونأمل أن يعقبها خطوات أخرى لمعالجة كل الخلافات العالقة بين الجانبين”.

قائممقام سنجار: الاتفاق بين أربيل وبغداد سيعجل من إعادة إعمار المدينة وعودة النازحين

أما قائممقام سنجار محما خليل فقال، لـ”العربي الجديد” إن “سنجار عانت كثيراً من الجماعات المسلحة ذات الولاءات الخارجية والتي تعمل لأجل مصالحها الشخصية. وكان لا بد من معالجة الأمور وتصحيح مسار الأحداث في مدينة سنجار، والعمل على توازن سياسي وتوافق لخدمة المدينة، التي لا تزال منكوبة وأهلها يعيشون أوضاعاً صعبة”. وأوضح أن “الاتفاق بين أربيل وبغداد سيعجل من إعادة إعمار المدينة وعودة النازحين. كما أن الإدارة المشتركة ستمنع أي طرف من الأطراف المسلحة التي تريد النيل من سنجار، من تنفيذ مخططاتها”.
في المقابل، أكد رئيس حزب “التقدم” الإيزيدي سعد بطوش، لـ”العربي الجديد”، أن “أي اتفاقية تعقد بين حكومتي الإقليم والمركز لا بد أن يوافق عليها الأهالي في سنجار، وتحديداً ذوي الضحايا الذين واجهوا داعش وحدهم، بعد أن انسحبت القوات الكردية من المنطقة عام 2014”. وقال “هذا الاتفاق مفاجئ، وأكثر بنوده غير واضحة ولا سيما ملف عودة النازحين، كون هذا الملف من أعقد الملفات وتتعامل الحكومة العراقية، وتحديداً حكومة نينوى، معه بصيغة سياسية وليس إنسانية”. ولفت إلى أن “غالبية أهالي سنجار عرفوا الاتفاق من خلال وسائل الإعلام، ولا نعرف كيف تم، ولا سيما بوجود مباركة أممية من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. ونحن نرى أن عودة الإدارة المشتركة إلى المدينة، بين أربيل وبغداد، لن تخدم سنجار بل إنها ستجعل المدينة ضحية للصراعات السياسية والصفقات الفاسدة”.
وعقب إعلان الاتفاق، أعربت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت عن “سعادتها للتوصل إلى هذا الاتفاق”، مؤكدة، في بيان، أنه “يوم تاريخي لقضاء سنجار بعد المجازر التي عاشها أبناؤها على يد عصابات داعش، والمصاعب التي عانوا منها بعد طرد داعش. إنها بداية حقيقية لعودة النازحين إلى مناطقهم، والأمم المتحدة مستعدة لدعم الاستقرار في هذه المنطقة”.

من جهته، أشار عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري إلى أنه “لا يعلم ما هي بنود الاتفاقية، أو الصفقة التي تمت بين الحكومة العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني. ومن المفترض أن ملف المناطق المتنازع عليها حُسم لصالح بغداد، إبان حكومة حيدر العبادي”، مؤكداً، لـ”العربي الجديد”، أن “أي اتفاقية لا تخدم أهالي نينوى غير مقبولة”.
وتواصل “العربي الجديد” مع القيادي في “العمال الكردستاني” كاوة شيخ موس، بخصوص الاتفاق، وإن كان يستهدف تواجد “العمال” في سنجار، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، فأوضح أن “حزب العمال ليست لديه المعلومات الكافية بخصوص الاتفاق، ولكن أي اتفاق يخدم مصلحة الشعب العراقي لا نعارضه”، مجدداً الحديث عن أنه “لا وجود لأي قوة عسكرية لحزب العمال في سنجار”.
إلى ذلك، قال الصحافي والباحث العراقي علي الحياني، لـ”العربي الجديد”، إن “الاتفاق الأخير بين أربيل وبغداد ينص على تسوية الأوضاع في سنجار وإعادة الإدارة المشتركة، وعودة المصالح والمناصب الكردية إلى المدينة. ولكن هذا الاتفاق صعب التحقق، لأنه يصطدم مع مصالح حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي الإيزيدي من جهة أخرى، الذين يتخذون من المدينة مصدراً مالياً هاماً، إضافة إلى الإرادة الشعبية الرافضة لعودة قوات البشمركة إلى سنجار”. وأشار إلى أن “أهالي سنجار يعتبرون أن القوات الكردية، التي كانت تسيطر على المدينة، متورطة بتسليم سنجار إلى داعش وسقوط المدينة بيد الإرهابيين في ساعتين فقط”.

وتقع مدينة سنجار شمال غرب الموصل، ضمن محافظة نينوى، وتبعد نحو 50 كيلومتراً عن الحدود مع مدينة الحسكة السورية و70 كيلومتراً عن الحدود التركية، وتضم ثلاث نواح وأكثر من 60 قرية، وهي خليط من العرب المسلمين من عشائر شمر وعبيد، والعرب المسيحيين، ومن التركمان والأكراد الإيزيديين، وهناك كذلك قرى آشورية ضمنها. وتعرضت المدينة لواحدة من أفظع جرائم “داعش”، إذ قام التنظيم بسبي آلاف النساء والأطفال وقتل المئات من الرجال عندما تمكن من احتلال المدينة في العام 2014، قبل أن تتمكن قوات البشمركة الكردية والتحالف الدولي من تحريرها بعملية استمرت أسابيع عدة شاركت فيها وحدات من حزب “العمال الكردستاني”.

محمد الباسم

العربي الجديد