يفترض أن وكالة الطاقة الدولية مسؤولة عن “أمن الطاقة”، على الأقل في دول منظمة التعاون والتنمية، إلا أن الوكالة والسياسات التي تقترحها على الدول الأعضاء وغيرها، أنتجت “قنبلة طاقة موقوتة” سيدفع العالم كله ثمن انفجارها. الوكالة المسؤولة عن “أمن الطاقة” ستتسبب بما قد يكون أكبر كارثة بمجال الطاقة في التاريخ.
ما هي الرسالة التي وجهتها وكالة الطاقة الدولية إلى المستثمرين وشركات النفط الوطنية عندما ذكر مسؤولوها أنه سيكون هناك “انفجار” في نمو إنتاج النفط الصخري خلال السنوات المقبلة؟ وذكرت في تقاريرها أن نمو إنتاج النفط الصخري سيفي بكل نمو الطلب العالمي على النفط في السنوات المقبلة.
الرسالة هي أن عليكم وقف الاستثمار لأن العالم ليس بحاجة إلى نفطكم! لا يمكن لمنظمة مهتمة بأمن الطاقة أن تقول كلاماً كهذا إلا إذا كان لديها أجندة خاصة، أو تعاني تخبطاً كبيراً، والحقيقة تشير إلى توفر الاحتمالين معاً.
المشكلة أن هناك تناقضات عدة في سلوك وتوقعات وكالة الطاقة الدولية، فمن غير المنطقي أن تدعو إلى التخلص من الوقود الكربوني، وتشجع على الطاقة المتجددة والتخلص من النفط، إلا أنها تشجع النفط الصخري في الوقت ذاته. لماذا كل هذا التأييد والافتخار بالنفط الصخري؟ يرى البعض أن السبب هو الحفاظ على التمويل الأميركي الذي يمثل 60 في المئة من تمويل المنظمة، في وقت انسحب فيه ترمب من أغلب المنظمات العالمية. فعلاً، لماذا لم ينسحب ترمب من وكالة الطاقة الدولية بالرغم من أنه انسحب من مثيلاتها وأوقف الدعم المادي؟ الجواب، لأنهم دغدغوا عواطفه بالحديث عن النمو الصارخ في إنتاج الصخري، واستقلال الطاقة، و”السيطرة الطاقية”، بغض النظر عما إذا كان ذلك ممكناً أم لا.
من أهم التناقضات أن وكالة الطاقة ركزت على كميات النفط الصخري وتجاهلت نوعيته، الأمر الذي ولّد مشكلة كبيرة للوكالة لم تحلها حتى الآن. لو أخذنا توقعات الوكالة للطلب العالمي على كل منتج نفطي، ومشينا إلى الخلف لمعرفة كيف نحصل على هذه المنتجات، نجد أننا نحصل على معروض يختلف في نوعيته تماماً عن الذي تتوقعه الوكالة في جانب الإنتاج. هذا يعني أن الفريق الذي عمل على جانب الطلب لم ينسق مع الفريق الذي عمل على جانب الإنتاج والمعروض، وهذا يؤكد أن “النفط الصخري” ليس هو الحل كما تدعي وكالة الطاقة، بسبب النوعية.
الذي سيحصل على أرض الواقع هو ما يلي، لن تتحقق توقعات وكالة الطاقة الدولية المتعلقة بنمو إنتاج النفط الصخري لأن الطلب عليه سينخفض بسبب النوعية، الأمر الذي يخلق فجوة كبيرة في الأسعار، وتنخفض أسعار النفط الصخري في الوقت الذي ستكون فيها أسعار النفط العالمية مرتفعة. انخفاض أسعار “الصخري” يجبر المنتجين على خفض الإنتاج، الأمر الذي يعارض توقع وكالة الطاقة. لقد خفّض فيروس كورونا إنتاج النفط الصخري بشكل كبير، وما فعلته كورونا بالصخري كان سيحصل مستقبلاً بسبب نوعية هذا النفط.
المشكلة أكبر من النفط
انقطاع الكهرباء المتكرر في كاليفورنيا في الصيف الحارق أفضل مثال على ما سيؤول إليه العالم في ظل سياسات وكالة الطاقة الدولية. ووصل الأمر إلى تدخل الحكومة الفيدرالية وإرسال مولدات كهرباء تعمل بالديزل، وقامت بتعطيل بعض القوانين البيئية في كاليفورنيا لتفادي أزمة حقيقية بسبب الحر خلال فترة انقطاع الكهرباء.
لم يدرك السياسيون في كاليفورنيا أن الطاقة المتجددة لا تساعد عند أمس الحاجة إليها، بخاصة في ظل استخدام الغاز في بعض المدن، “حفاظاً على البيئة”. سبب ارتفاع درجات الحرارة هو عدم عصف الرياح، وإذا لم يكن هناك رياح، فلن تكون هناك كهرباء من طاقة الرياح! ومع ارتفاع درجة الحرارة، وفي ظل وجود الحرائق الضخمة، انخفضت كفاءة الألواح الشمسية بشكل كبير، الأمر الذي خفض إنتاج الكهرباء في وقت كان فيه الناس بأمس الحاجة إلى زيادتها. انقطاع الكهرباء المنظم أسهم بشكل كبير في تلافي كارثة في السيارات الكهربائية، مقارنة مع حدوث انقطاع مفاجئ وكبير ولفترة أطول.
ومن ضمن التناقضات أيضاً، أن أثر السيارات الكهربائية في الطلب على النفط يتضائل باستمرار مع مرور الزمن. وسبب ذلك هو توقع تحسن كبير ومستمر في كفاءة محركات الديزل والبنزين، ومن ثم فإن السيارات الكهربائية المستقبلية التي ستحل محل سيارات البنزين والديزل، تخفض الطلب على النفط بكميات أقل! ولكن السؤال المهم هنا، إذا كانت كفاءة محركات البنزين والديزل ستتحسن بهذا الشكل الضخم، وأثرها البيئي سينخفض بشكل كبير، فما حاجة العالم إلى السيارات الكهربائية في هذه الحالة؟
ومن تناقضات وكالة الطاقة أنها تقدر الاستثمارات اللازمة في مجال النفط والغاز، وتتجاهل الاستثمارات اللازمة عند انتهاء عمر مشاريع الطاقة المتجددة. الحقيقة أن أشعة الشمس وعصف الرياح مصادر متجددة، ولكن مشاريع الطاقة الشمسية والرياح غير متجددة. المصدر متجدد، ولكن هناك عمر محدد للمشاريع يدوم غالباً بين 20 و30 سنة. مع انتهاء هذه المشاريع ماذا سيحصل؟ تجديدها يتطلب استثمارات ضخمة من جديد، ولكن هل ستقوم الحكومات بدعمها مثلما دعمت هذه المشاريع في البداية؟ استمرار الدعم حتى بعد 20 أو 30 سنة يؤكد تماماً عدم جدوى هذه المشاريع. المشكلة، من أين ستأتي أموال الدعم حينها؟ وهل تستمر الحكومات بالاقتراض لتمويلها؟
البعض يقول إن تكاليف هذه المشاريع بانخفاض مستمر، وبالتالي فلن تحتاج إلى إعانات في المستقبل، وحتى لو سلمنا بهذه الفكرة، فالمشكلة في كمية الاستثمارات، من أين تأتي هذه الاستثمارات؟ كمية الاستثمارات المطلوبة بعد 20 سنة من الآن لمقابلة الطلب المتزايد على الطاقة وللتعويض عن المشاريع القديمة ضخمة بكل المقاييس، أضف إلى ذلك أن هذه الاستثمارات ستنافس الاستثمارات النفطية أيضاً والتي ستكون ضخمة بكل المقاييس أيضاً.
خلاصة القول، إن قنبلة الطاقة الموقوتة ستنفجر بسبب تخبط وكالة الطاقة الدولية من جهة، وسياسات الدول الصناعية من جهة أخرى.
أنس بن فيصل حجي
اندبندت عربي