موسكو – تشغل خطوة عدم تمديد معاهدة ستارت الجديدة لنزع السلاح النووي مع الولايات المتحدة لمدة عام واحد حيزا من النقاش هذه الفترة رغم أن الرئيس فلاديمير بوتين أبدى استعداده لتمديد العمل بها بعد انتهائها في فبراير المقبل، في وقت يحذر فيه خبراء من انفراط عقد آخر معاهدة نووية ما يطلق العنان لسباق تسلح جديد.
ويشكل تهديد الرئيس دونالد ترامب بشأن انسحاب واشنطن من معاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى التي أبرمت خلال الحرب الباردة مع روسيا، ضربة لجهود الحد من التسلح النووي. وقد اتهم موسكو في 2018 بانتهاك المعاهدة في خطوة رأى مراقبون أنها ستزيد في حدة التوترات التي قد تؤدي إلى خلق عالم نووي خطير لا يحتكم إلى أي ضوابط.
ولكن بوتين يريد نزع فتيل التوتر على ما يبدو حيث قال الجمعة خلال مؤتمر عبر الفيديو مع مجلس الأمن في موسكو إن الجانبين قد يستغلان العام لإجراء “مفاوضات معقولة بشأن كل التفاصيل”. وتحد المعاهدة المبرمة بين واشنطن وموسكو من الأسلحة النووية الاستراتيجية، ولكن حتى الآن، فشل المفاوضون في الاتفاق على تمديد العمل بها.
ويستدعي الجدل الكبير حول انسحاب واشنطن من المعاهدة المذكورة الوقوف عند تاريخية توقيعها، حيث أبرمت الاتفاقية بين واشنطن وموسكو في عهدي كل من الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في ديسمبر عام 1987 أي خلال فترة الحرب الباردة لتكون أول معاهدة بين القطبين الغربي والشرقي في تلك الحقبة.
ووضعت المعاهدة التي ألغت فئة كاملة من الصواريخ يتراوح مداها بين 500 وخمسة آلاف كيلومتر، حدا لأزمة اندلعت في ثمانينات القرن الماضي، بسبب نشر الاتحاد السوفييتي صواريخ أس.أس 20 النووية، التي كانت تستهدف عواصم أوروبا الغربية. وقد أجبرت الطرفين على سحب أكثر من 2600 صاروخ نووي تقليدي، من الأنواع القصيرة ومتوسطة المدى.
ورأى خبراء من رابطة الحد من الأسلحة الأميركية أنه يجب على واشنطن تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية ستارت – 3 لمدة عام على الأقل من دون شروط مسبقة.
وقال المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الأمن الدولي والحد من التسلح توماس كانتريمان “يعد تمديد المعاهدة أمرا حيويا للولايات المتحدة وروسيا والأمن الدولي. ونحث الرئيس ترامب بشدة على اختيار ‘نعم’ ردا على اقتراح روسيا بتمديد ‘ستارت – 3’ دون شروط، ويفضل لمدة خمس سنوات”.
ويعول مراقبون عسكريون على حصافة ترامب هذه المرة، حيث من شأن خسارة ستارت 3 أن تفتح الباب أمام سباق تسلح نووي عالمي أكثر خطورة وتكلفة، ومثل هذه المنافسة غير المقيدة للترسانات النووية غير مسموح بها وخطيرة لكلا الجانبين.
وتحدد معاهدة ستارت الجديدة عدد قاذفات الصواريخ الباليستية النووية بحوالي 800 والرؤوس الحربية النووية التشغيلية إلى 1550 وتعد المعاهدة آخر معاهدة رئيسية لنزع السلاح بين القوتين. ومن دون الاتفاقية لن يكون هناك اتفاق يحكم مخزونات الأسلحة النووية الاستراتيجية لأول مرة منذ عقود.
وعلى الرغم من أن العلاقات الأميركية لا تزال متوترة مع روسيا، إلا أن مخططي الدفاع الأميركيين يركزون بشكل كبير على الصين بسبب إنفاقها العسكري المتزايد، وزيادة جهودها لترسيخ نفوذها في المياه المختلف عليها في آسيا.
ويشير آخر تقارير المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم (سيبري) إلى أن روسيا والولايات المتحدة لا تزالان تملكان معا أكثر من 90 في المئة من الأسلحة النووية في العالم، حيث تملك واشنطن في 2020 حوالي 5800 رأس حربي نووي وموسكو 6375 مقابل 320 لبكين و290 لباريس و215 للندن.
وبينما أشارت شانون كايل مديرة برنامج نزع الأسلحة النووية والحدّ من التسلّح وعدم انتشار الأسلحة في المعهد إلى أن عصر الاتفاقات الثنائية للحدّ من الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة يمكن أن ينتهي. دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مطلع أكتوبر الجاري البلدين إلى ضرورة تمديد معاهدة الحدّ من الأسلحة الاستراتيجية “نيو ستارت”، خمس سنوات.
ولا يعتبر الكثير من الخبراء أن انسحاب واشنطن من الاتفاق يعني وجوبا اندلاع حرب نووية بين الشرق والغرب، رغم أن قرار ترامب أثار مخاوف من تسارع السباق المحموم الرامي إلى تطوير وإنتاج الأسلحة النووية لدى كلا المعسكرين، فضلا عن حلفاء واشنطن وموسكو.
العرب