لدولة المدنية بلبنان: الوهم والحقيقة

لدولة المدنية بلبنان: الوهم والحقيقة

لبنان
الذين نزلوا إلى الشارع في بيروت بالأُلوف نهاية الأسبوع الماضي كلُّهم من أنصار الدولة المدنية، ويعنون بها الدولة غير الطائفية، لأنهم يعتبرون أنّ سبب مشكلات النظام اللبناني كانت دائماً إحساس أحد الفُرقاء بأنه مظلوم في الحصّة التي له بمقتضى حجم طائفته. أو العكس، بمعنى أن يشعر شخصٌ أو فريق أن قوته المتزايدة تسمح له بالتمرد على نظام المحاصصة، إما للحصول على حصة أكبر، أو لقلب النظام وإلغائه لصالح نظام آخر يسيطر عليه بمفرده. إنما هذا لا ينفي أن هناك فريقاً ثالثاً، يضم نخباً من سائر الطوائف يكرهون النظام القائم لطائفيته وفساده. وقد استطاع الجنرال عون استقطاب كثير من المسيحيين منذ أواخر الثمانينيات، باعتباره يمثّل الشرعية بعد انتهاء مدة الرئيس أمين الجميل، وقد قاتل الميليشيا المسيحية التي يقودها جعجع؛ ولذا فلو صار رئيساً للجمهورية فسيكون رئيساً إصلاحياً مثل فؤاد شهاب في الستينيات، وقد يغيّر النظام أو يُطوِّره. وانصبّت عليه بعد نفيه شتى التهم، مما أثر على شعبيته في الأوساط المسيحية، حتى بعد اتفاقه مع السوريين، وعودته إلى لبنان، وتحالفه مع حسن نصر الله عام 2006. ومنذ ذلك الحين، صارت السياسات اللبنانية تُدارُ بينهما وبخاصة بعد احتلال «حزب الله» لبيروت 2008. وبالفعل فإنه في عام 2011 وعندما أسقط حسن نصر الله حكومة سعد الحريري؛ كان عون هو الفريق المسيحي الوحيد تقريباً ولديه وحده بدون حلفائه عشر وزراء في الحكومة.

لقد حدثت تحولات جذرية في سياسات الجنرال، وغيّر تحالفه مع نصر الله والأسد، وهي مفارقته للسياسات العلمانية وغير الطائفية. فمنذ 2011، وعندما تبين له أنّ «تيار المستقبل» لن يوافق على رئاسته للجمهورية؛ انصبت دعايته على ضرورة انتزاع حقوق المسيحيين من السُنّة (!) باعتبار أنّ رئيس الحكومة -في غياب رئيس الجمهورية- هو رأس السلطة التنفيذية. ووافق ذلك هوى ومصلحة لدى «حزب الله» لإضعاف قوى 14 آذار. فنصر الله- مثل السوريين من قبل- ضغط دائماً على النظام اللبناني لتحقيق كل مآربه المادية والسلطوية والسيادية، ومنها قتاله للشعب السوري، ومحاولة إيجاد غطاء له من الجيش في الحملة الحالية على الحدود.
لقد كان عون، وطوال عشر سنوات شديد الإخلاص لحسن نصر الله وإيران. وكل الخطوات إنما نظّمها بالتنسيق معهم. وقد أجّلوا- مرغمين- رئاسته عام 2007- 2008 لأنّ السلطة ما كانت قد سقطت بأيديهم تماماً. أما الآن فرأوا أن اللحظة آتية لا ريب فيها. ضربوا وقتلوا واغتالوا ودمروا لتحقيق ما يريدون، هم وعون، وكانت الاستجابة تحصل. انتظروا النصر في سوريا، ليكونَ بعده النصر في لبنان، وتبين أن سوريا قد تضيع، وكذلك العراق واليمن. لهذا رأوا ضرورة تأمين أنفسهم في لبنان برئيس يثقون به ويخضع لهم.
ما شأن الشبان المدنيين والسيدات الثائرات على الزبالة والفساد بكل ما ذكرناه؟ أما مدنيو المسيحيين فما يزالون مع عون لأن جعجعاً لا يعجبهم، والمستقلون الأفضل من الطرفين ليسوا قوة وازنة. أما المدنيون الشيعة فكارهون لنبيه بري لاحتكاره الحصة الطائفية، بدون أمجاد مثل أمجاد «الحزب» في قتال إسرائيل! ولا ننسى أنه في عام 2008 ادعى «حزب الله أولاً تأييد النقابات العمالية التي كانت تطالب بزيادة الأجور وتتظاهر ضد حكومة السنيورة، ثم دخل بقواته بيروت للدفاع عن «اتصالات» المقاومة(!) وهذه المرة فكّر المدنيون بالزبالة والفساد وعدم وجود حلول، ورأى «حزب الله» أنّ الأمر موافق لهم ولعون. نزل هؤلاء «المدنيون» للشارع فأرادوا ليس إنهاء مشكلة النفايات، بل إسقاط الحكومة والبرلمان، وهي نفس مطالب الجنرال عون.
التحدي الآن: كيف يرغم نصر الله وعون تمام سلام ونبيه بري على الذهاب صاغرين إلى مجلس النواب لانتخاب عون رئيساً؟!
د.رضوان السيد
صحيفة الاتحاد الأماراتية