“الحليف الأقرب” هي العبارة التي درج على ترديدها الدبلوماسيون في واشنطن ولندن، لوصف العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، التي تشهد صعودا وهبوطا حسب اللون السياسي الذي يقود المملكة المتحدة، وشخصية ساكن البيت الأبيض، لكن أصولها ثابتة وراسخة رغم الهزات العنيفة التي تحدث أحيانا.
وبكثير من الترقب، تتابع المملكة المتحدة، مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية، بالنظر للظرف غير المسبوق الذي تمر بريطانيا، فهي تعد آخر أيامها قبل الخروج نهائيا من الاتحاد الأوروبي، وتواجه جائحة كورونا، وأخيرا تحاول إتمام الاتفاق التجاري الأضخم في تاريخها مع الولايات المتحدة، ما يجعل من هذه الأيام، أياما تاريخية في المملكة المتحدة.
ويلح سؤال أيهما أفضل لبريطانيا جو بايدن أم دونالد ترامب؟ على الكثير من مراكز الدراسات البريطانية، وصناع القرار، ويمكن القول إن لكل مرشح نقاطا إيجابية ستفيد بريطانيا في أيامها العصيبة هذه، وأخرى ربما تعقّد مهمة الخروج من عنق الزجاجة على حكومة بوريس جونسون.
ترامب صديق من؟
كثرت المقارنات بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الأميركي دونالد ترامب، لدرجة وصف جونسون بأنه “ترامب البريطاني”، بالنظر للأسلوب الشعبوي للرجلين، وظهر الود بينها حتى قبل وصول جونسون لرئاسة الوزراء، بحديث ترامب المتكرر عنه، وبأنه الرجل المناسب لقيادة المملكة المتحدة.
بدوره، كان جونسون يبادل ترامب الإعجاب، حيث كشف دبلوماسيون بريطانيون سابقون، أن جونسون وخلال تولي وزارة الخارجية، عبر في اجتماع مغلق عن تقديره الكبير لترامب، فوصفه بأنه الرجل الذي سيعيد للولايات المتحدة قوتها وعظمتها.
لكن ملفات كثيرة عكّرت صفو هذه العلاقة، وفي مقدمتها الملف الصيني، حيث سجلت تسريبات صحفية، أن ترامب صرخ وأغلق الهاتف في وجه جونسون، بسبب غضب الرئيس الأميركي من قرار لندن منح رخصة تجهيز البنية التحتية للجيل الخامس من الإنترنت، للشركة الصينية هواوي، رغم كل التحذيرات الأميركية من هذا القرار.
الخلاف نفسه ينسحب على الملف الإيراني، حيث قررت بريطانيا عدم الانسياق وراء السياسة الأميركية، القائمة على تشديد العقوبات، ورغم كل المحاولات الأميركية لاستمالة بريطانيا في هذا الملف، فإنها حافظت على موقف موحد مع الأوروبيين.
ويبقى ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي، أقوى ما يجمع بين ترامب وجونسون، فكلاهما متحمس جدا لهذا الخروج، تحت إغراء إتمام اتفاق التبادل التجاري، الذي دخل مراحله الأخيرة، ولم توقفه سوى الحملة الانتخابية.
لكن حالة التناغم بين جونسون وترامب، في الكثير من الملفات والمواقف، لا تعكس نظرة المواطن البريطاني للرئيس الأميركي حيث عبر 19% فقط من البريطانيين، عن ثقتهم في الرئيس الأميركي وذلك حسب دراسة لمركز “بيو” للدراسات (Pew Research Center).
هذه الأرقام تظهر أن إعادة انتخاب ترامب، ستكون خبرا جيدا لبوريس جونسون ومساره السياسي شخصيا، لكنها ليست كذلك لبريطانيا كدولة ومؤسسات على البعد الإستراتيجي، ويعي رئيس الوزراء البريطاني ذلك جيدا، ولهذا استثمر كثيرا في تقوية علاقته بمحيط ترامب، خصوصا بصهره جاريد كوشنر الذي تجمعه مع جونسون علاقات متينة وصداقة ممتازة.
لا ينظر المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية جو بايدن، بعين الإعجاب ولا الرضا لبوريس جونسون، بل إن بايدن وصف جونسون نهاية العام الماضي، بأنه “نسخة جسدية وعاطفية” من ترامب، كما أن بايدن الفخور جدا بأصوله الأيرلندية، ينقم على جونسون أنه يريد تمرير صفقة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وإن كان ذلك على حساب مصالح جمهورية أيرلندا، وهو ما وعد بايدن بأنه لن يسمح به أبدا في حال وصوله للبيت الأبيض.
ولن ينسى جو بايدن، لجونسون سخريته من الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي كان معارضا للبريكست، حينها صرح جونسون بأن “أوباما يعارض البريكست بسبب أصوله الكينية”، في تصريح عنصري لن ينساه بايدن الذي كان حينها نائبا للرئيس.
وبخلاف ترامب، فإن بايدن يولي أهمية كبرى لأوروبا على حساب بريطانيا، ومن خلال برنامجه الانتخابي، يظهر أن بايدن يريد إعادة تقوية العلاقات مع ألمانيا وفرنسا، ويعطي أولوية لهذا الملف على حساب العلاقات مع بريطانيا.
ومع ذلك فوصول بايدن للبيت الأبيض، قد يمنح بريطانيا فرصة دبلوماسية غير مسبوقة، للعودة للساحة الدولية، ذلك أن المملكة المتحدة ستكون البلد المضيف لقمة المناخ العالمية العام المقبل، وهي القمة المراهن عليها بشكل كبير لحسم الخلاف الأميركي الصيني حول الحد من الانبعاثات الملوثة، وتعهد بايدن بالعودة لاتفاق المناخ الذي سبق وانسحب منه ترامب، ما يقدم هدية دبلوماسية قوية لبريطانيا، ويجعلها منصة للاتفاقيات العالمية من جديد.
كما يلتقي بايدن مع بريطانيا في التعامل مع الملفات الخارجية المهمة، وتتعلق بكل من روسيا والصين وإيران، حيث تدعم كل من بريطانيا وبايدن سياسة أكثر تشددا مع موسكو، مقابل مفاوضات معقولة مع كل من بكين وطهران، والعودة للاتفاق النووي.
الاتفاق الحلم
يحلم كل من جو بايدن ودونالد ترامب في بداية الولاية المقبلة، بتوقيع اتفاق تجاري هو الأضخم في التاريخ مع المملكة المتحدة، الذي قد تصل قيمته لحوالي تريليون دولار، وذلك رغم اختلاف المقاربات بين المرشحين.
فالرئيس دونالد ترامب، يرى في الاتفاق ضربة للأوروبيين، وفرصة لاقتحام السوق البريطانية الضخمة، ولهذا فهو يستعجل إبرامه، وعمل رفقة جونسون على تذليل العقبات أمام هذه الصفقة.
في المقابل، فإن جو بايدن، هدد بأنه لن يوقع على هذا الاتفاق في حال خرجت المملكة المتحدة دون اتفاق مع الأوروبيين، وهو ما يهدد مصالح أيرلندا الشمالية، ومع ذلك يعلم جو بايدن أهمية هذا الاتفاق التجاري، فالمملكة المتحدة، تعتبر المستثمر الخارجي الأول في معظم الولايات الأميركية، ولا يمكن التفريط في شريك تجاري من هذا الحجم.
ولأهمية الاتفاق، فقد قرر بوريس جونسون، تأجيل البتّ في قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، باتفاق أو من دونه، إلى حين ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، لمعرفة أي الطرق سيسلك للحفاظ على الاتفاق التجاري مع الأميركيين.
المصدر : الجزيرة