الباحثة شذى خليل*
يتعرض الاقتصاد العراقي إلى أزمة في السياسة المالية والنقدية واللتان تؤثران بدورهما على جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلد، وبما أن العراق يعمل ضمن نظام سعر الصرف الثابت، وهو مغالى به جداً، كما أنه داعم للمنتج الخارجي وليس المحلي، فإن ذلك أدى الى ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي .
قبل أيام قليلة سجلت أسعار صرف الدولار ارتفاعا في أسواق بغداد وإقليم كردستان، حيث سجلت كل من بورصتي الكفاح المركزية والحارثية في بغداد (125200) دينار عراقي مقابل (100) دولار أميركي.
وارتفعت أيضا في محال الصيرفة بالأسواق المحلية في بغداد، حيث بلغ سعر البيع (125500) دينار عراقي للـ(100) دولار، بينما بلغت أسعار الشراء (124500) دينار لكل (100) دولار أميركي.
أما في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، فقد شهدت أسعار الدولار ارتفاعا ملحوظاً، حيث بلغ سعر البيع (125400) دينار لكل (100) دولار، والشراء وبواقع (125000) دينار لكل (100) دولار أميركي.
وحلل خبراء الاقتصاد هذا الارتفاع بسبب تداخل مجموعة توقعات للأزمة المالية التي يمر بها العراق، الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، وصاحبها تأثير فيروس كورونا وحظر التجوال، الذي ترتب عليهما توقف منافذ بيع العملات في البنك المركزي، وتوقف الأنشطة التجارية على المستوى المحلي، مما انعكس على ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض قيمة العملة العراقية، بالإضافة الى مضاربات تجار العملة، رافقها شائعات متعددة في سعي البنك المركزي الى تصنيف المصارف ومكاتب الصيرفة.
ويفسر مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار الفترة القليلة الماضية إلى أن “السوق النقدي في العراق حساس ويتأثر بالمعلومات والأخبار الاقتصادية والسياسية، مما انعكس على عملية الطلب والعرض للدولار”.
وأضاف صالح، إننا مجتمع مدفوعات نقدية لا يتعامل بالصكوك ولا بالحوالات المصرفية، وبالتالي أثرت هذه السياسة (النقدية) على العرض والطلب للدولار، مؤكداً أن “قلة الإيرادات من العملة الأجنبية بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية قابلها زيادة في شراء الدولار، وهذا ما سبب ارتفاع سعر صرف الدولار في الاسواق”.
وبين صالح أن “90% من نافذة العملة الأجنبية في البنك المركزي هي عبارة عن حوالات خارجية لتمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص و10% منها هي للدولار النقدي الذي يبيعه البنك لشركات الصيرفة والمصارف ومجالات تغذية السوق”.
ويقدر المستشار الحكومي، ان “الخزين من العملة الأجنبية الموجودة لدى الناس (غير مودعة في المصارف أو البنوك) تتراوح بين (7 إلى 10) مليارات دولار، وبالتالي تتأثر هذه الأرقام الكبيرة بالإشاعات، والأخبار والمعلومات، والتي قد تسبب أيضا ارتفاعا في سعر الصرف”.
وقال خبراء أيضا إن البنك المركزي لم يكن قادراً على إيقاف ارتفاع أسعار الصرف، بسبب توقف مزاد بيع العملة، ولا وجود لإدارة تدخلية حقيقية بسعر الصرف من البنك المركزي، كما كان يفعل في السابق”، ولا يوجد فيه نشاط اقتصادي حقيقي سوى في سوق المواد الغذائية فقط، ونجد أن الطلب على الدولار يرتفع ويرتفع معه سعر الصرف”.
إن التوقعات المستقبلية والتطمينات بسحب الخبراء، لم تكن بالمستوى المطلوب بشأن دفع الرواتب وحديث طبع العملة، ما أدى إلى سعي الكثير لتحويل ما لديه من دينار الى دولار .
وأضاف الخبراء ان استخدام أسلوب التمويل التضخمي او الإصدار النقدي الجديد، حيث ان الحكومة حين اقترضت سندات الخزينة من البنك المركزي فإن الأخير لم يستخدم الاحتياطات الموجودة من العملة الصعبة بل استخدم الاصدار النقدي الجديد.
هذا الإجراء من البنك المركزي رفع الكتلة النقدية في العراق من 56 تريليون دينار الى ما يقارب 80 أو أقل تريليون دينار، وهذه الزيادة تؤدي الى تضخم نقدي والاستمرار به يؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الدينار العراقي، وهذا متعارف عليه في السياسة النقدية، حيث ان الإصدار النقدي الجديد يؤدي الى سعر صرف الدولار على اعتبار ان الحكومة لم تستخدم موارد حقيقية لتمويل العجز بل استخدمت موارد تضخمية.
ختاما.. هنالك تطمين من حيث أسعار النفط وتحسن المالية العامة بسبب ارتفاع نسبة الإيرادات، وتدخل البنك المركزي، وضخ عملة أجنبية للسوق، فكل هذه العوامل إذا تضافرت بشكل صحيح جميعها وليس أحدها، سيستقر سعر صرف الدينار أمام الدولار، وعلى الحكومة تطبيق خطط شاملة لإنقاذ الوضع، وتجاوز أزمتها، ومن أهمها اعتماد خطة لتطوير قطاعي الزراعة والصناعة وإحياء القطاعات الأخرى، ومحاربة الفساد وتقليل النفقات التشغيلية، من خلال إلغاء كل مخصصات الرواتب والتي تقدر بأكثر من (15) تريليون دينار من أصل (28) تريليون دينار مجموع رواتب الموظفين في الدولة العراقية”.
ولا ننسى إجراءات الحكومة في العام 2019 أدت إلى زيادة في حجم الرواتب بحيث ارتفعت من 40 تريليون دينار إلى أكثر من 50 تريليون دينار” يجب ان يعاد النظر بها ، ومن المهم جدا تخفيض المخصصات والرواتب الكبيرة سيوفر أموالا كبيرة جدا تصل إلى أكثر من (15) تريليون دينار”، مما سيخفف الأعباء على المواطن العراقي من أزمة التضخم في الأسعار، والأهم هو زيادة الموارد المالية غير النفطية كالمنافذ والضرائب المباشرة وغير المباشرة، وتفعيل القطاعات العام والخاص والمختلط، وتفعيل الصناعة والزراعة، وبما يؤدي لتشغيل الأيدي العاملة، وبالتالي إنعاش الاقتصاد في سبيل إيجاد الحلول الناجعة للأزمة المالية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية