بعد ما اتسمت العلاقات الإيرانية الأميركية بالكثير من الود في عهده، شكّل هروب الشاه محمد رضا بهلوي إلى واشنطن لدى انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 أساسا للعداء بين البلدين تفاوتت وتيرته بتغيير الإدارات الأميركية المتعاقبة.
التوتر والعداء.. عنوان العلاقة الأميركية مع إيران على مدى 4 عقود (الفرنسية)
كارتر وبداية العداء
تزامن انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 مع رئاسة الديمقراطي جيمي كارتر في الولايات المتحدة، ما شكّل طفرة نوعية في علاقات طهران مع حليفتها السابقة واشنطن، ولا سيما بعيد اقتحام مجموعة من الطلاب الثوريين مبنى السفارة الأميركية لدى طهران في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1979 واحتجازهم 52 عنصرا من موظفي ودبلوماسيي البعثة الأميركية لمدة 444 يوما، فيما عرف حينها بأزمة الرهائن.
واحتدم التوتر بين واشنطن وطهران عقب فشل إدارة كارتر في حلحلة أزمة الرهائن، حيث قامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران واحتجاز أصولها وفرض حظر على التجارة مع طهران، وفق الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني.
ريغان والهدوء الحذر
وعزا أصلاني في حديثه للجزيرة نت سبب هزيمة كارتر في رئاسيات عام 1981 أمام منافسه الجمهوري دونالد ريغان إلى إرادة الثوريين في إيران وعدم تجاوبهم مع المساعي الأميركية لإطلاق سراح الرهائن حتى آخر دقائق من رئاسته، مؤكدا أن الإفراج عن الرهائن تزامنا مع تنصيب ريغان رئيسا للولايات المتحدة أدى إلى هدوء هش في العلاقة بين الجانبين.
وتدحرجت كرة التوتر بملعب العلاقات الإيرانية الأميركية إبان ولاية ريغان الثانية إلى أن وضعت إدارة الأخير الجمهورية الإسلامية على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1984وما زاد الطين بلة هو إسقاط الفرقاطة الأميركية فينسين طائرة ركاب إيرانية في رحلة من بندر عباس إلى مطار دبي فوق المياه الخليجية عام 1988 ومقتل جميع ركابها والطاقم البالغ عددهم 290 شخصا، ورفضت واشنطن حينها تحمل أية مسؤولية قانونية عن الحادث ولم تقدم أي اعتذار رسمي عنه حتى وقتنا الراهن.
ولم ينته التوتر الإيراني الأميركي في منطقة الخليج إبان حقبة ريغان حتى بلغ المواجهة العسكرية المباشرة خلال العام الأخير من الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) وأنتهت بتدمير منصتين بحريتين إيرانيتين بأمر من ريغان في 17 أبريل/نيسان عام 1988 عقب إصابة لغم بحري فرقاطة أميركية بأضرار بالغة في مياه الخليج، واتهمت واشنطن حينها طهران بزراعة الألغام في المياه الدولية.
بوش الأب كان أول رئيس أميركي تتواصل إدارته مع إيران بعد الثورة ونجح بعقد ما عرف بصفقة (إيران كونترا) مع طهران (غيتي)
بوش الأب وتواصل خجول
بدأ الجمهوري جورج دبليو بوش الأب التواصل مع إيران حتى قبل وصوله إلى سدة الحكم عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس ريغان في قضية عرفت آنذاك بــ”إيران كونترا”، واتفق مع طهران على بيعها صواريخ تاو مقابل المساعدة في إطلاق سراح عدد من الأميركيين كانوا محتجزين في لبنان.
وبعد ما تحدث بوش الأب خلال حفل تنصيبه عن إيران وعزمه التعامل معها على الصعيد الدبلوماسي، وجد في الزلزال الذي ضرب مدينة رودبار شمالي إيران عام 1990 فرصة لتذليل العقبات ورفع فرص التواصل مع طهران، إذ أمر بإرسال مساعدات إنسانية إلى إيران إبان حكومة هاشمي رفسنجاني.
وتتحدث بعض التقارير في إيران عن تبادل الرسائل والاتصالات آنذاك بين رفسنجاني وبوش الأب لكن أوساط طهران الرسمية لم تؤيدها يوما، والمؤكد هو حصول مثل هذا التواصل عبر أطراف غير رسمية كانت تعمل في الظل، وفق الباحث في مؤسسة “تاريخ معاصر” للدراسات الدكتور رضا حجت.
كلينتون فرض حظرا تجاريا على إيران بالرغم من تزامن فترته مع عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (وكالة الأنباء الأوروبية)
كلينتون وحرب العقوبات
وأضاف حجت في حديثه للجزيرة نت أنه بالرغم من أن حقبة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون تزامنت مع فوز نظيره الإصلاحي محمد خاتمي في رئاسيات إيران عام 1997 ورفع الأخير شعار حوار الحضارات وتأكيده إمكانية الاتصال بين المواطنين الإيرانيين والأميركيين، فإن الجانب الأميركي فرض حظرا تجاريا شاملا على طهران واتهمها بدعم الإرهاب الدولي والسعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وهو ما نفته إيران جملة وتفصيلا.
وشدد حجت على أن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة خلال رئاسة كلينتون وخاتمي لم تخلُ من التوتر خلافا لما كان يتوقعه مراقبون آنذاك، مضيفا أن الديمقراطيين لم يضعوا يوما آلة العقوبات والضغوط على إيران جانبا.
بوش الابن وعودة التوتر
وعقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 أبدت حكومة الرئيس خاتمي استعدادها للمساعدة في القضاء على الإرهاب ما أدى إلى تنسيق محدود بين واشنطن وطهران إبان الغزو الأميركي لأفغانستان، غير أن العلاقات بينهما دخلت نفقا مظلما عام 2002 عندما صنّف الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الابن إيران في خانة “محور الشر” واتهم طهران مجددا بإدارة برنامج سري للأسلحة النووية.
وبعد فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية في إيران عام 2005، رد على الإجراءات الأميركية التي اعتبرها عدائية لبلاده، وأعاد العمل في البرنامج النووي لتخصيب اليورانيوم ما أدى إلى إعادة التوتر مجددا بين البلدين.
اعلان
وكانت طهران قد جمدت عمليات التخصيب في حقبة خاتمي في انتظار نتائج المفاوضات مع أوروبا التي عرضت على إيران التعاون في مجالات التجارة والتكنولوجيا والأمن في حال تخلت عن نشاطها النووي.
عهد أوباما شهد اختراقا كبيرا في علاقات واشنطن وطهران بتوقيع الاتفاق النووي (رويترز)
أوباما واتفاق تاريخي
ومع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض عام 2009 عرض التفاوض المباشر مع الإيرانيين في مسعى منه لخفض التوتر الذي بلغ مستويات عالية خلال فترة سلفه بوش الابن، وهو ما لقي آذانا مصغية لدى حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأمر الذي توج باتصال هاتفي بين الرئيسين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013، وذلك بعد يوم من عقد جولة مفاوضات مباشرة بين وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري في نيويورك.
وبعد مشوار طويل من المفاوضات بين إيران والمجموعة السداسية، تم التوقيع عام 2015 على خطة العمل الشاملة المشتركة المعنية بالملف النووي الإيراني.
ويقضي الاتفاق النووي برفع تدريجي ومشروط للعقوبات عن الجمهورية الإسلامية مقابل ضمانات بأنها لن تسعى للتزود بالسلاح النووي وهو ما تنفيه طهران مرارا وتكرارا بأنها لن تسعى لحيازة السلاح النووي بناء على فتوى دينية من المرشد الإيراني علي خامنئي.
وعلّقت إدارة أوباما العقوبات المرتبطة ببرنامج طهران النووي، لكنها فرضت حظرا جديدا أشد قسوة من عقوبات أسلافه -وفق الباحث الإيراني عباس أصلاني- وذلك بتهمة عدم احترام إيران لحقوق الإنسان ودعمها للجماعات الإرهابية وبرنامج صواريخها الباليستية.
وأكد أصلاني في حديثه للجزيرة نت، أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة في عهد أوباما تذرعت بذرائع واهية لفرض العقوبات على إيران، فإن حقبته اتسمت بخفض التوتر نسبيا بين واشنطن وطهران، منوها بأن سلوك حكومة روحاني أسهم إلى حد بعيد في تقريب وجهات النظر بين الجانبين.
إيراني معارض للنظام في إيران يرفع ورقة شكر لترامب بعد أن مزق الأخير الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 (رويترز)
ترامب وتوتر غير مسبوق
ولم يدم شهر العسل بين إيران والولايات المتحدة طويلا؛ إذ انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، وصنف الحرس الثوري الإيراني “منظمة إرهابية” في إطار سياسة الضغوط القصوى علی إيران، فضلا عن فرضه شتى أنواع العقوبات على طهران تجاوزت القطاعات الاقتصادية وطالت المرشد علي خامنئي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.
وبعد عام من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، تراجعت طهران تدريجيا عن التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى أن أعلنت في 5 يناير/كانون الثاني 2020، تعليق جميع تعهداتها في إطار الاتفاق وذلك على خلفية مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أميركية بمطار بغداد الدولي.
وشكّل اغتيال سليماني تصعيدا خطيرا في التوتر القائم بين إيران والولايات المتحدة حيث ردت طهران بقصف قاعدة عين الأسد العراقية التي تؤوي القوات الأميركية بعشرات الصواريخ.
وفي يونيو/حزيران 2019، أعلن الحرس الثوري الإيراني إسقاط طائرة تجسس أميركية مسيرة من طراز غلوبال هوك لدى اختراقها المجال الجوي الإيراني في محافظة هرمزغان جنوبي البلاد.
وعلى إثر إسقاط المسيرة الأميركية أعلن ترامب لاحقا أنه قرر وقف تنفيذ ضربات عسكرية على إيران قبل 10 دقائق من تنفيذها، لأنها لم تكن متناسبة مع إسقاط طائرة مراقبة أميركية مسيرة غير مأهولة، لكنه عزز دائرة العقوبات على إيران.
الجزيرة